انقطاع الإنترنت.. كيف يمكن أن يصبح فرصة لاكتشاف الذات؟‎

منذ 6 ساعات
انقطاع الإنترنت.. كيف يمكن أن يصبح فرصة لاكتشاف الذات؟‎

ألحق حريق بورصة رمسيس بالقاهرة أضرارًا بالغة بشبكات الاتصالات وخدمات الإنترنت والدفع الإلكتروني. واجه المستخدمون صعوبات جمة في أداء أبسط مهام حياتهم اليومية. هذه اللحظات المفاجئة تدفعنا للتساؤل: هل يمكن أن يكون انقطاع الإنترنت فرصةً لفعل شيء أعمق من مجرد الشكوى؟

في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان الإنترنت ذكرى بعيدة بالنسبة لمعظم الناس. في عام ١٩٩٥، كان أقل من ١٪ من سكان العالم، ومعظمهم من الغربيين، يستخدمونه بدافع الفضول المحض. أما اليوم، فيستخدم أكثر من نصف سكان العالم الإنترنت باستمرار، ويتزايد عدد المستخدمين بنحو عشرة أشخاص كل ثانية.

وبحسب موقع “بي بي سي فيوتشر”، يعتقد ويليام داتون، الأستاذ بجامعة ميشيغان ومؤلف كتاب “المجتمع والإنترنت”، أن أكبر مشكلة في عصرنا هي أننا لا نستطيع أن نتخيل الحياة بدون الإنترنت، على الرغم من أننا لا ندرك مدى تغلغله في حياتنا اليومية.

لكن ماذا سيحدث لو انقطع الإنترنت فجأة؟ قد يبدو الأمر غير معقول، لكنه ممكن نظريًا وعمليًا، كما حدث بعد حريق سنترال رمسيس.

العودة إلى الاتصال البشري

تقول ستاين لامبورغ من جامعة كوبنهاغن إن الناس قد يتواصلون بشكل أفضل مع بعضهم البعض إذا انقطع الإنترنت في ظروف معينة، مثل مكان العمل، حيث يُجبر الموظفون على التواصل وجهًا لوجه بدلًا من البريد الإلكتروني فقط. ومع ذلك، تعتقد لامبورغ أن تجربة انقطاع الاتصال قد تكون محبطة للكثيرين. وتضيف: “لن تنتهي الدنيا إذا انقطع الإنترنت ليوم واحد، لكن الناس يخشون الاختفاء من المشهد، حتى لبضع ساعات”.

هنا تكمن المفارقة: نعتقد أن تواصلنا أصبح أفضل بفضل الإنترنت، لكننا غالبًا ما نفقد الاتصال بأحبائنا. انقطاع مفاجئ للإنترنت قد يكشف عن المسافة التي تباعدت بيننا وبين الآخرين دون أن ندري.

الإدمان الرقمي له جذور أعمق.

إدمان الإنترنت ليس عادة مؤقتة، بل قد يكون له عامل بيولوجي. كشفت دراسة حديثة أجراها الدكتور كريستيان مونتاج من جامعة بون عن وجود متغير وراثي شائع بين مدمني الإنترنت، وخاصةً النساء اللواتي يقضين وقتًا طويلًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

علاوة على ذلك، يرتبط الجين نفسه بإدمان التدخين. قال مونتاج: “إدمان الإنترنت ليس مجرد فكرة عابرة، بل حقيقة بيولوجية مثبتة علميًا”.

وهذا يعني أن فقدان الاتصال المؤقت قد يكشف عن مدى الروابط الداخلية التي نخفيها أحيانًا بدعوى العمل أو التفاعل الاجتماعي كمبررات.

تجارب شخصية… وقفة في الاكتشاف وإعادة التنظيم

إن إغلاق الإنترنت ليس مجرد فكرة مثالية؛ بل إن بعض الأشخاص فعلوا ذلك كخيار شخصي لاكتشاف ما دمره الإنترنت فيهم.

اتخذت الصحفية الفرنسية أليس مرواني خطوةً حاسمةً بالهروب من العالم الرقمي لمدة خمسة أشهر والانتقال إلى ريف أمريكا الجنوبية. أقرّت بأن الأيام الأولى كانت صعبة، لا سيما وأن عملها كصحفية وحياتها بأكملها كانت تعتمد على الإنترنت. لكن مع مرور الوقت، نظرت إلى حياتها من منظور جديد؛ فأصبحت اللحظات أطول، والوقت أكثر إشباعًا، وعلاقاتها أكثر إنسانية.

تُؤكد أليس على أهمية “التخلص من السموم الرقمية”. لا يعني هذا الانفصال التام عن الإنترنت، بل تخصيص وقت للتواصل وإعادة ترتيب الأولويات بعيدًا عن صخب العالم الافتراضي.


شارك