كاتبة تركية: الصهيونية بنيت على أساطير فكرية ونهايتها تقترب

مهدت النصوص الأدبية الطريق لتأسيس إسرائيل وشكّلت خريطة فكرية للصهيونية. لم تكن الصهيونية مشروعاً سياسياً فحسب، بل نشأت على أساس فكري وأدبي. تعود جذور الفكر الصهيوني إلى ما قبل هرتزل بقرن من الزمان في الأدب الإنجليزي والفرنسي والألماني والروسي. لقد كانت الصهيونية تعتمد على الكثير من الأكاذيب والتلاعب بالحقائق، وأعتقد أننا نقترب من نهايتها.
قال الكاتب التركي برن بيرسايجلي موت إن الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها ليستا مجرد مشروع سياسي، بل نشأتا من أساس فكري. وأوضح أن الصهيونية بُنيت على الأكاذيب والأساطير، وأنها تقترب من نهايتها.
وفي حديثها لوكالة الأناضول عن كتابها “الخريطة الذهنية لإسرائيل: الأدب الصهيوني – الشخصيات والمنشورات والخطابات”، بحثت موت كيف ساهم الأدب المبكر في تشكيل معالم الأيديولوجية الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل، وأشارت إلى الدور المركزي للنصوص الأدبية في بناء الأساطير وتشكيل الهوية الوطنية.
** لقد شكل الكتاب الصهاينة وعيا جماعيا
وأوضحت أن حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية كانت نتيجة تراكم ثقافي طويل الأمد.
وأضافت: “لم تبدأ الصهيونية مع الصحفي النمساوي ثيودور هرتزل، كما يعتقد الكثيرون. فرغم أن هرتزل دعا إلى انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام ١٨٩٧، إلا أن جذورها الفكرية تمتد إلى قرن من الزمان في الأدب الإنجليزي والفرنسي والألماني والروسي”.
وأشارت إلى أن تأسيس دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948 لم يكن مجرد نتيجة سياسية، بل كان تتويجا لنضال ثقافي وأدبي استمر قرونا.
وقالت: “لولا الثقافة الصهيونية ولولا دعم الصهيونية السياسية والمسيحية لما شهدنا إعلان إسرائيل في ذلك اليوم، لأن التأثير النفسي والعقلي على الناس لم يكن ليصل إلى هذا الحد”.
وأضاف “موت” أن الكتاب الصهاينة اهتموا في كتاباتهم بوضع الأسس الفكرية لما يسمى “العودة إلى فلسطين تمهيداً للعودة المادية”.
وأوضحت أنهم حاولوا إحياء الذاكرة التاريخية اليهودية من خلال استحضار الأساطير واستغلال الرموز الدينية مثل “القدس” و”صهيون” لتحويلها إلى أهداف قومية بالإضافة إلى رمزيتها الدينية.
وأشارت إلى أن فلسطين توصف في هذه النصوص بأنها “أرض خاوية خصبة بلا شعب”، مضيفة: “الشعار الصهيوني الشهير “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” ظهر أولاً في الأدب قبل أن يتحول إلى شعار سياسي”.
«كان لا بد من تصوير فلسطين كأرض فارغة لجذب الناس، وهذا بالضبط ما فعله الكتاب الصهاينة»، هذا ما زعمه الكاتب والمؤلف التركي.
** النصوص الصهيونية شوهت الواقع الفلسطيني.
وقال موت إن أحد الأهداف الرئيسية للأدب الصهيوني هو بناء جسر أيديولوجي بين الماضي والمستقبل، مؤكداً أن الكتاب الصهاينة صوروا معاناة اليهود في الشتات كمقدمة لبناء الدولة المستقبلية.
وتابعت: “كل حدث سلبي أو إيجابي مر به اليهود كان يُقدَّم كركيزة أساسية في بناء الدولة المستقبلية. وكان الأدب بمثابة الركيزة الأساسية لهذا المشروع”.
قالت إن معظم الأعمال الأدبية التي اطلعت عليها تجاهلت الوجود الفلسطيني، وبعضها يصور العرب على أنهم “غير متعلمين، بدائيين، متخلفين، وبحاجة إلى الحضارة”. واعتبرت أن هذه التصويرات تعكس عقلية استعمارية بحتة.
**إن إحياء اللغة العبرية كان مشروعًا أدبيًا أيضًا.
وأشار موت إلى وجود تيارين فكريين رئيسيين داخل الصهيونية: “الصهيونية الثقافية” التي مثلها الكاتب أحاد هعام، و”الصهيونية السياسية” التي مثلها هرتزل.
وأشارت إلى أن أنصار الصهيونية الثقافية يعتقدون أن قيام دولة يهودية مستحيل دون صحوة ثقافية. ولذلك، أكدوا على أهمية إحياء اللغة العبرية وإنشاء مركز ثقافي لها في فلسطين.
قال موت إن اللغة لعبت دورًا حاسمًا في “بناء الأمة”. وأشار إلى أن العبرية الحديثة أصبحت لسان حال الأدب والأيديولوجية الصهيونية، مشيرًا إلى إليعازر بن يهودا كأحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في إحياء العبرية.
فيما يتعلق بالاختلافات بين الحركتين، أشارت موت إلى أن هرتزل كان ناشطًا دبلوماسيًا وسياسيًا، ولم يكن يتقن العبرية. وقد كُتبت أعماله بالألمانية. إلا أنها أكدت أن الحركتين خدمتا في نهاية المطاف فكرة الدولة اليهودية.
** كتابات مسيحية صهيونية دعمت المشروع
وعن أهم الشخصيات في الأدب الصهيوني، أوضحت موت أن كتابها يتناول ثلاثين كاتباً كانوا رواداً لهذه الفكرة، بدءاً من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بنيامين دزرائيلي (1804-1881)، الذي اعتبرت روايته “حلم ألروي الكبير” من أوائل النصوص الأدبية التي حملت أفكاراً صهيونية واضحة.
وأضاف موت أن الكاتب جورج إليوت، وإن لم يكن يهوديًا، كان من مؤيدي الفكرة الصهيونية من خلال روايته “دانيال ديروندا”. وكانت هذه الرواية أول عمل أدبي غربي يشير صراحةً إلى فلسطين كأرض يهودية.
وذكرت أيضاً أسماء مثل لورانس أوليفانت من الحركة الصهيونية المسيحية، وماكس نورداو، الصديق المقرب لهيرتسل، وناثان بيرباوم، الذي صاغ مصطلح “الصهيونية”، فضلاً عن الشاعر حاييم ناحمان بياليك، الذي كتب قصيدة “في مدينة المذابح” لتشجيع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين.
وأوضحت أن النشيد الوطني الإسرائيلي استلهم من هذه الحقبة الأدبية، مضيفة أن الشاعرة راحيل بلشتاين، التي تعتبر أول شاعرة صهيونية، ظهرت صورتها الآن على ورقة النقد الإسرائيلية من فئة 20 شيكل.
** أسماء محفورة في ذاكرة إسرائيل
وفي كلمتها، أكدت الكاتبة التركية أن الرموز الأدبية الصهيونية أصبحت جزءا من الذاكرة الوطنية لإسرائيل.
“اليوم في إسرائيل، تجد شوارع ومدارس ومتاحف وحدائق تحمل أسماء هؤلاء الكُتّاب. وقد أُدرج معظمهم في المناهج الدراسية منذ عام ١٩٤٨”، قالت.
واختتمت كلمتها قائلة: “لقد أصبح هؤلاء الكتاب آباء مؤسسين للذاكرة الوطنية، ليس فقط من الناحية الأدبية، بل أيضًا كمرجع أيديولوجي ملهم للأجيال اللاحقة”.
وأضافت: “صحيح أن الصهيونية كانت نتاج عمل طويل الأمد، لكنها استندت أيضًا إلى أكاذيب كثيرة وتلاعب بالحقائق. واليوم، بعد 7 أكتوبر (2023)، بدأت هذه الأكاذيب تنكشف، وأعتقد أننا نقترب من نهاية الصهيونية”.
يُذكر أن الفلسطينيين يحييون ذكرى “النكبة” في 15 مايو/أيار 1948، وهو اليوم الذي أعلنت فيه العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية التاريخية بعد ارتكاب مجازر وتهجير نحو 750 ألف فلسطيني من أرضهم.