الأطباء الشبان في تونس يبدأون إضراباً مفتوحًا عن العمل

(بي بي سي)
وسّعَ الأطباء في تونس احتجاجهم، الذي بدأ قبل أشهر بإضرابٍ استمر خمسة أيام. واليوم، أعلن نحو 7000 طبيب إضرابًا مفتوحًا في المستشفيات التونسية حتى تحقيق مطالبهم.
ويشارك في هذا الإضراب آلاف الأطباء الشباب الذين هم في طور التدريب أو دخلوا المهنة مؤخرًا.
تطالب منظمة الأطباء الشباب بزيادة بدلات التدريب وتحسين الرواتب وظروف العمل للأطباء الشباب في سنة الخدمة المدنية في المستشفيات، بالإضافة إلى الحق في إجازة الأمومة للطبيبات الشابات المتدربات.
العائق الأكبر هو التوصل إلى اتفاقات بشأن متطلبات التدريب المهني. يمنح القانون التونسي المُنظِّم للتعليم الطبي الأطباء الشباب حق اختيار مؤسساتهم التدريبية. ووفقًا لجيه دكار، رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشباب، لا يحق لوزارة الصحة بالتالي إجبار الأطباء الشباب على قبول الوظائف المفروضة عليها.
إلا أن اجتماعًا عُقد بين منظمة الأطباء الشباب ووزارة الشؤون الاجتماعية لم يُسفر عن حلٍّ مُجدٍ. وأمرت الوزارة الأطباء بمواصلة عملهم في وظائفهم الحالية. وأصدرت المنظمة لاحقًا بيانًا قالت فيه: “سيؤثر هذا القرار على تقدمهم الأكاديمي ومؤهلاتهم العلمية، وسيُواصل محاولات تقليص حقوقهم وتقييد حريتهم في التنقل”.
اتهامات متبادلة
بعد فشل اتفاقٍ يُلبي المطالب، تبادل الطرفان الاتهامات بعرقلة حل قضية الأطباء الشباب. وفي بيانٍ صدر عقب المفاوضات، أدانت منظمة الأطباء الشباب خطاب وزير الشؤون الاجتماعية، قائلةً إنه تضمن “تهديدًا صريحًا باتخاذ إجراءات قانونية” ضد الوفد المفاوض إذا استمرت الاحتجاجات.
ويؤكد المكتب الوطني لجمعية الأطباء الشباب التونسيين أنه “لا توجد نية حقيقية للتفاوض من طرف السلطة التنظيمية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة وإجبار الأطباء الشباب على اختيار الهجرة رغما عنهم”.
دعا المكتب الإقليمي للنقابة العامة لأطباء المستشفيات الجامعية والصيادلة وأطباء الأسنان رؤساء الأقسام إلى عدم الانصياع لضغوط الجهات الرقابية، وعدم إدراج أسماء الأطباء المبتدئين الذين لم يختاروا مراكز التدريب ولم يباشروا العمل في المستشفيات الجامعية ضمن خططهم للاستمرار. واعتبروا أن هذه الممارسة تُمثل مخالفة واضحة لقوانين تدريب الأطباء المبتدئين، التي تنص على أن مدة التدريب ستة أشهر، وتعتمد على اختيار الطبيب المبتدئ لمكان العمل.
نظراً لأن هذا الإجراء المطلوب قد يستلزم المسؤولية القانونية والأخلاقية عن أي تهديد للسلامة الجسدية للسكان.
قال دكار إن الأطباء الشباب منهكون من عملهم في المستشفيات العامة. وأضاف: “رسالتنا هي أن تُسمع همومهم ليتمكنوا من مواصلة عملهم وخدمة المواطنين بشكل أفضل. نحث الوزارة على أخذ مطالبهم على محمل الجد وعدم الاستهزاء بها”.
وأشار إلى التهديد الذي أطلقه وزير الشؤون الاجتماعية خلال جلسة التفاوض باستقدام أطباء من الصين، ووصف تصرفات وزارة الشؤون الاجتماعية بأنها تجاهل لمطالب الأطباء الذين تقدموا بطلباتهم منذ ما يقارب ثلاثة أشهر.
إلا أن رئيس ديوان وزير الصحة مبروك عون الله أكد أن الوزارة “استجابت لمعظم مطالب منظمة الأطباء الشباب ودفعت 90 في المئة من بدلات العمل الإضافية”، لكنه أشار إلى أن “الأطباء الشباب ظلوا متمسكين بمنهجية صرف الدعم المالي وأكدوا على خطواتهم اللاحقة حتى اجتماع التفاوض المقبل…”.
سعيد: إجراءات عاجلة في القطاع الصحي
مع تصاعد الخلاف بين منظمة الأطباء الشباب ووزارة الصحة، تدخل الرئيس التونسي قيس سعيد، داعيا إلى “اتخاذ إجراءات عاجلة في القطاع الصحي وإنشاء منظومة قانونية جديدة تحمي حقوق وكرامة الأطباء ومساعدي الأطباء والعمال”.
وأكد خلال لقائه وزير الصحة مصطفى الفرجاني على حق التونسيين في الاستشفاء، ودعا إلى بناء المرافق العامة في أسرع وقت ممكن لحماية الحقوق الإنسانية والدستورية للتونسيين، أي حقهم في الرعاية الطبية، على حد تعبيره.
هجرة الأطباء
وتواجه تونس هجرة حادة للأطباء الشباب بسبب انخفاض الأجور مقارنة بالدول الأخرى، ونقص المعدات الطبية في المستشفيات العامة، وأعباء العمل المرهقة.
وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة في العام 2024 إلى أن نحو 4 آلاف طبيب غادروا البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، في حين يبلغ عدد الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء نحو 29 ألف طبيب.
يغادر ثمانون بالمائة من الأطباء الشباب حديثي التخرج تونس سنويًا. وتُعد دول الاتحاد الأوروبي وجهاتهم الرئيسية، حيث تُعدّ ألمانيا وفرنسا الوجهتين الأكثر شعبية، تليها دول الخليج وكندا.
ويتجاوز عدد الأطباء المهاجرين سنويا عدد خريجي كليات الطب التونسية والذي يقدر بنحو 900 طبيب سنويا.
ويستكمل طلاب الطب أيضًا امتحانًا تخصصيًا ثم يبدأون عدة سنوات من التدريب العملي المستمر في المستشفى كطبيب مساعد، والذي يستمر ما بين 3 إلى 5 سنوات اعتمادًا على التخصص.
يعمل الأطباء الجدد في فترة التدريب لساعات طويلة في المستشفيات، ويخضعون لمراحل تدريب وامتحانات مختلفة قبل حصولهم على ترخيصهم. يقول دكار: “يعمل الطبيب الشاب لساعات طويلة جدًا، تصل إلى 120 ساعة أسبوعيًا، وبأجر زهيد جدًا”.