ضم وتهويد.. إسرائيل تسابق الزمن لابتلاع سبسطية الأثرية بالضفة

منذ 4 ساعات
ضم وتهويد.. إسرائيل تسابق الزمن لابتلاع سبسطية الأثرية بالضفة

**قال رئيس بلدية سبسطية محمد عظيم لوكالة الأناضول: إن ما يحدث في الموقع الأثري تطور خطير وعمل عدواني. بدأت السلطات الإسرائيلية ببناء ما يسمى بـ”حديقة السامرة” في قلب الموقع الأثري. وتسابق إسرائيل الزمن للسيطرة على الموقع، مستغلة الحماس الدولي للحرب لتأكيد سيادتها على التراث الثقافي والأثري الفلسطيني. **قال مدير عام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، ضرغام فارس، لوكالة الأناضول: “ما يحدث في الموقع الأثري ليس تطويراً، بل ضم وتهويد”. وتعمل إسرائيل على تحويل الموقع الأثري إلى ثكنة عسكرية وحديقة استيطانية، مما يؤدي إلى تغيير طابعه التاريخي.

وتسابق إسرائيل الزمن للسيطرة على موقع سبسطية الأثري، أحد أهم المعالم التاريخية في الضفة الغربية المحتلة. ومن المقرر أن يتم تمويل المشروع من خلال مشروع استيطاني لإنشاء حديقة تحمل اسم “السامرة”. ويرى الفلسطينيون أن هذا المشروع يهدف إلى “ضم وتهويد الموقع”.

وأكد مسؤولان فلسطينيان في لقاءين منفصلين مع وكالة الأناضول، أن السلطات الإسرائيلية بدأت بالفعل بتنفيذ مخطط استيطاني لضم وتهويد موقع سبسطية الأثري شمال الضفة الغربية.

وجاء ذلك بعد أكثر من أسبوع من اقتحام وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت سيلمان، ووزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، ورئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية يوسي داغان، الموقع الأثري في 12 مايو/أيار وإعلانهم عن إطلاق “مشروع بناء حديقة السامرة”.

وبحسب وزارة السياحة الفلسطينية فإن الموقع الأثري في مدينة سبسطية يعود تاريخه إلى العصر البرونزي (3200 قبل الميلاد).

ورصد مراسل وكالة الأناضول فرقاً إسرائيلية تعمل في الموقع الأثري تحت حراسة مشددة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيما أكد مسؤول فلسطيني بدء أعمال الحفر والتنقيب في الموقع.

وبحسب تصريح لرئيس بلدية سبسطية محمد عازم عام 2023، فمن المتوقع أن يغطي هذا المشروع الاستيطاني ما يقارب 1000 دونم، أي ما يقارب 80% من مساحة الموقع.

وقال لوكالة أنباء الأناضول حينها إن بناء الحديقة سيشمل “حفريات وحفر قبور ورصف طرق وتركيب شبكات كهرباء وتسييج المنطقة بالأسلاك الشائكة وإقامة بوابة ونقطة أمنية إسرائيلية”.

تقع بلدة سبسطية على الطريق الرئيسي بين مدينتي نابلس وجنين، على هضبة وسط سلسلة جبلية. وتبلغ مساحتها حوالي 4777 دونماً، وفقاً لبيانات رسمية صادرة عن معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) في دليله السياحي لعام 2014 “بلدة سبسطية”.

وبحسب الأدلة، فقد صادرت السلطات الإسرائيلية في وقت سابق ثمانية دونمات من المدينة لبناء مستوطنة شافي شمرون، التي تم توسعتها في السنوات التالية. تحتوي سبسطية على آثار عربية وكنعانية ورومانية وبيزنطية وفينيقية وإسلامية.

** تطور خطير

وفي حديث لوكالة الأناضول، وصف رئيس بلدية سبسطية محمد عظيم، الأحداث في الموقع الأثري بـ”التطور الخطير والعدوان”.

وقال: “بدأت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ ما يسمى بحديقة السامرة، الواقعة في قلب الموقع الأثري. وهذا يشكل انتهاكًا للقانون الدولي وهو أمر غير مقبول”.

وأكد أن السلطات الإسرائيلية تعمل على تنظيف الموقع من الأعشاب الضارة، وبدأت أعمال الحفر.

وأضاف أن إسرائيل “في سباق مع الزمن للسيطرة على الموقع، وتستغل الهوس الدولي بالحرب لتأكيد سيادتها وسيطرتها على التراث الثقافي والأثري الفلسطيني”.

وأشار عازم إلى أن الشعب الفلسطيني حافظ على هذا الموقع على مر العصور، وأنه يعد من أهم المواقع التاريخية في الضفة الغربية.

وفيما يتعلق بموقع سبسطية الأثري، قال المسؤول الفلسطيني إنه “يضم العديد من المواقع التاريخية، أهمها المقبرة الرومانية، ومقام النبي يحيى ومسجده، وكاتدرائية يوحنا المعمدان، وقصر الكايد، وساحة البازيليكا، والقصر الملكي، والبرج الهلنستي، ومعبد أوغسطس، والمسرح، وشارع الأعمدة، والملعب”.

وبحسب موقع موسوعة القرى الفلسطينية، تعتبر بلدة سبسطية “متحفاً أثرياً” لأن أبرز ما يميزها هو وجود “سور يحيط بالمنطقة الأثرية من جميع الجهات”.

وأشار عازم إلى أن إسرائيل تنوي “سرقة أهم التراث الثقافي” الذي يزوره الفلسطينيون والسياح الأجانب، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي أيضا إلى فقدان العشرات من الفلسطينيين مصادر رزقهم التي تعتمد على السياحة في سبسطية.

وبحسب إحصائيات رسمية، يعيش في المدينة الواقعة شمال نابلس نحو 3500 فلسطيني، بينهم عائلة مسيحية واحدة.

يقول المؤرخون أن مدينة سبسطية كانت تحت حكم الآشوريين، ثم الفرس وأخيراً الرومان، حيث تم فتحها في عام 30 قبل الميلاد. حكمها الملك هيرودس في عام 400 قبل الميلاد. وهو الذي أطلق على المدينة اسم “سبسطي” والذي يعني “المبجل”، ومعظم المباني التي لا تزال قائمة حتى اليوم تعود إلى عهده.

وفي العصر البيزنطي أصبحت سبسطية مركزاً دينياً لوجود قبر يوحنا المعمدان (النبي يحيى بن زكريا عليه السلام).

ويقال إن جثمان النبي يحيى عليه السلام موجود في مزار بالقرب من مسجد قديم في وسط المدينة، بينما رأسه مدفون في العاصمة السورية دمشق.

**تم تسجيله بحجة التطوير

من جانبه، صرّح مدير عام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، ضرغام فارس، قائلاً: “إن ما يحدث في سبسطية هو نتيجة قرارات عدة اتخذتها دولة الاحتلال. ووفقاً لاتفاقيات أوسلو، يجري تسريع هذه الإجراءات للسيطرة على المواقع الأثرية الفلسطينية في المنطقة (ج).”

وأضاف فارس في مقابلة مع وكالة الأناضول للأنباء أن “الحكومة الإسرائيلية خصصت 29 مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 8 ملايين دولار) لتطوير موقع سبسطية الأثري قسراً في عام 2023. في الواقع، هذا ليس تطويراً، بل ضم وتهويد”.

وأوضح أن القرار ينص على فصل الموقع الأثري في المنطقة “ج” عن المدينة، ويهدف إلى مصادرة 1300 متر مربع لبناء ثكنة عسكرية.

وفي هذا السياق قال: “إن إسرائيل تعمل على تحويل المنطقة من موقع أثري إلى ثكنة عسكرية وحديقة استيطانية، مما يغير من طابعها التاريخي”.

وبحسب دليل مدينة سبسطية فإن 2,702 دونماً منها تقع في المناطق المصنفة (ب)، و2,074 دونماً في المناطق المصنفة (ج)، ودونمين فقط في المناطق المصنفة (أ).

وقد قسمت اتفاقية أوسلو الثانية لعام 1995 الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: المنطقة (أ)، التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة؛ المنطقة (ب)، التي تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية والسيطرة المدنية والإدارية الفلسطينية؛ والمنطقة (ج) التي تخضع للسيطرة المدنية والإدارية والأمنية الإسرائيلية. وتشكل الأخيرة نحو 61 في المائة من مساحة الضفة الغربية.

وقال المسؤول الفلسطيني إن إسرائيل قررت ضم جميع المواقع الأثرية في الضفة الغربية في عام 2024 في إطار مساعيها لمنع قيام الدولة الفلسطينية.

وفي يوليو/تموز 2024، أقرت الهيئة العامة للكنيست، بأغلبية أصوات الائتلاف والمعارضة وبدعم من الحكومة، مشروع قانون يوسع صلاحيات سلطة الآثار الإسرائيلية لتشمل الآثار في جميع مناطق الضفة الغربية المحتلة، بحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار).

وبحسب المركز، فإن مشروع القانون، الذي بادر إليه عضو البرلمان عن حزب الليكود أميت هاليفي، “لا يذكر أي مناطق محددة في الضفة الغربية” ويعتبر “قانون ضم زاحف”.

وقال فارس إن فلسطين تعمل بثلاث طرق لمواجهة “التعدي الإسرائيلي” على المواقع الأثرية. الأول هو المجال السياسي، حيث تعمل المنظمة على توثيق الانتهاكات الإسرائيلية ورفع التقارير عنها إلى الهيئات الدولية، بما في ذلك منظمة التراث العالمي التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو).

أما النهج الثاني فيهدف إلى حشد المواطنين لزيارة الموقع الأثري المهدد والعناية به من أجل تأكيد هويتهم الفلسطينية. وأضاف أن المسار الثالث هو المسار العلمي، وفيه يتم عرض المواد والدراسات التي تدحض الرواية الإسرائيلية.

وأشار إلى أن “استكمال بناء الحديقة الاستيطانية سيحرم الفلسطينيين من الوصول إلى الموقع الأثري، وسيتطلب ذلك تذاكر أو تصاريح. وهذا يعني أننا أمام خيار دعم اقتصاد الاحتلال الذي يصادر أرضكم وتاريخكم”، على حد قوله.

وتكثف إسرائيل جهودها للسيطرة على موقع سبسطية الأثري، في الوقت الذي يكثف فيه الجيش ومستوطنوه هجماتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بالتوازي مع الحرب الإبادة في قطاع غزة. وبحسب مصادر فلسطينية، قُتل ما لا يقل عن 969 فلسطينياً، وأصيب نحو 7 آلاف آخرين، واعتقل أكثر من 17 ألف شخص.

منذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة بدعم أمريكي كامل. وقد قُتل وجُرح أكثر من 175 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، كما فُقد أكثر من 11 ألف شخص. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مئات الآلاف من النازحين.


شارك