عسلية بمليم الوقية.. كيف كان المشهد الأول في مشوار عادل إمام الفني؟

منذ 2 شهور
عسلية بمليم الوقية.. كيف كان المشهد الأول في مشوار عادل إمام الفني؟

يحتفل الفنان عادل إمام اليوم 17 مايو بعيد ميلاده الـ85. ولد عام 1940 في حي الخليفة بالقاهرة لعائلة من قرية المنصورة استقرت في القاهرة لأن والده الرقيب محمد إمام اضطر إلى الانتقال بسبب عمله في مصلحة السجون.

ذات مرة سأل رئيسه في العمل، الذي كان برتبة لواء ويعمل وكيل وزارة الداخلية: “هل أنت فعلاً والد الفنان عادل إمام؟” تردد الأب قليلاً قبل أن يجيب، لكن النبرة الودية التي سمعها في صوت اللواء جعلته يقول: “نعم، عادل هو ابني”. وتفاجأ الأب عندما تحدث اللواء بإعجاب كبير عن عادل وأعماله التي وصفها بالعظيمة.

رغم غيابه عن الشاشات لأكثر من خمس سنوات، إلا أن عيد ميلاد عادل إمام لا يزال يحمل أهمية خاصة، كما عبر عنه محبوه، بدءاً من أجداده وصولاً إلى جيل الشباب اليوم. هؤلاء هم المعجبون الذين شهدوا صعوده قبل أكثر من 65 عامًا، وغيرهم ممن ولدوا في ظله وشهدوا تأثيره الذي لم يتضاءل. وظل في الصدارة مع تغير الأذواق، دون أن يحل محله نجم جديد أو يتلاشى الضوء من حوله، كما تملي قوانين الزمن عادة.

ضجيج المولد: إطلاق نجم لم يلاحظه أحد

 

في ذكرى ميلاده نتذكر أجواء المشهد الأول الذي قدمه عادل إمام في مسيرته الفنية، بعد أن أثقلته تجاربه المسرحية في المدرسة والجامعة وانخراطه في الأدب العالمي. ويبدو المشهد، كما يصفه أشرف بيدس في كتابه «عادل إمام: المنتصر يستمر»، طوفاناً من الناس تمتزج وجوههم في الزحام، خليطاً من الفقراء والأعيان، المشردين والصفوة، الذين قدموا من كل قرية وحارة ومدينة، لا يفرقون بين خير وشر، بين محتاج وملذ، كلهم في مهرجان واحد كبير مليء بالحياة بألوانه الصاخبة وضجيجه العالي.

في قلب هذا المشهد السخيف، حيث لا يفصل الضوضاء إلا المزيد من الضوضاء، تظهر صورة صبي صغير يشق طريقه عبر كل ذلك، لا تحركه سوى موهبته وأحلامه، ومزيج من الخوف الطبيعي من الفشل. لم يكن اسمه معروفًا، ولم تكن لديه سيرة ذاتية، فقط ملامح الوجه التي تشير إلى أن شيئًا ما كان يحدث بداخله وموهبة بدأ البعض يشعرون بها سرًا. كان ظهوره الأول على المسرح بالصدفة عندما حصل على دور صغير.

وفي الخلفية، تم إعداد المولد النبوي: لافتات ملونة، وخيام، وشموع، وأضواء ساطعة، ومضخات، وطبول، وأصوات متداخلة، ومزامير تنفخ في الهواء. وفي وسط هذه الفوضى المنظمة، يركض صبي حاملاً صندوقاً من الحلوى على رأسه، ويصرخ: “لدي عسل بسعر مليلتر واحد لكل أونصة”.

لا أحد يسمعه، لا أحد ينتبه إليه، لكنه يواصل طريقه، وتمر الأعوام، ويقام عيد آخر، ثم آخر، لكن الصبي لم يعد يبيع الحلوى. هذه المرة هو محور المشهد ويؤدي كل المهن على المسرح: اللص والضابط، الحرفي والمحتال، الرجل الصالح والرجل الشرير، الكاهن والمتشرد، الطبيب والمريض، المحامي والمتهم، المتسول والوجه، الشيخ والكاهن، العاطل عن العمل والزعيم. لم يترك أي دور دون أن يمسه، ليس بالتقليد، بل بتغيير الهويات.

الموهبة والصبر

البداية كانت سيئة وتحتاج إلى أكثر من مجرد موهبة: الكثير من الصبر والإرادة التي لا تتخلى عن صاحبها في منتصف الطريق. لم يكن الأمر مجرد صدفة، بل كانت رحلة طويلة بدأت على الهامش وتسللت تدريجيًا إلى التيار الرئيسي حتى جاء الوقت الذي بدأت فيه الطائرات تقل المعجبين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب فقط لرؤية هذا الرجل على المسرح. لم يكن العرض تجاريًا، بل كان احتفالًا بالفن المنضبط والنظيف والمتطور، والذي يمكن الوصول إليه من قبل أولئك الذين يبحثون عن المتعة دون ابتذال والضحك دون سطحية.

كما يقول بيديس، لم يكن الأمر سهلاً ولا صعباً. كان الصراع الحقيقي هو بناء الطريق نفسه، وليس مجرد المشي عليه. كانت رحلة عادل إمام بمثابة “طقوس كاشفة” ترشد أولئك الذين يرغبون في تغيير واقعهم. وهو مثال للموهبة التي لم تتسرع في الأمور بل تطورت بثبات حتى أصبحت “رمزاً لبلدها”.

النور الذي تأخر

يصفه المؤلف بأنه “واحد من أولئك الذين يأتون من الخلف، من الخلف، وربما أبعد، من أماكن لا تُلاحَظ، من خلف الصورة حيث تختبئ ظلال زائفة. ومع ذلك، لم يكن ظلًا، بل نورًا ظهر متأخرًا فقط. إذا دققتَ النظر في الصورة، ستكتشف أن الحقيقة الوحيدة فيها هي التي تأتي بهدوء وثقة ودون صراخ”.


شارك