في ذكرى النكبة.. 95 عام مقاومة من عصبة القسام إلى طوفان الأقصى

منذ 4 شهور
في ذكرى النكبة.. 95 عام مقاومة من عصبة القسام إلى طوفان الأقصى

يصادف يوم 15 مايو/أيار ذكرى النكبة، بعد أن استوطنت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية، وهجّرت ملايين الفلسطينيين، وارتكبت أبشع الجرائم خلال فترة احتلالها، بما في ذلك المجازر بحق المدنيين، وتدمير المنازل، ونهب الأراضي. ولكن في مواجهة القوة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، ظل المقاومون الفلسطينيون صامدين ولم يرفعوا أصابعهم عن الزناد. خلال نضالهم الذي استمر 95 عامًا، طالبوا بعودة أماكنهم المقدسة وأراضيهم وإلغاء الاحتلال الإسرائيلي. من عهد كتائب القسام إلى معركة طوفان الأقصى حقق المقاتلون الفلسطينيون مجد المقاومة بأبسط الوسائل.

تستعرض صحيفة الشروق أهم محطات المقاومة الفلسطينية السلمية والعسكرية خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ تأسيس كتائب القسام وحتى بداية عملية طوفان الأقصى. يمكن الاطلاع على معلومات حول هذه الأحداث في كتب “شيخ المجاهدين في فلسطين”، و”القضية الفلسطينية في سيرة بطل”، و”منظمة التحرير الفلسطينية: السياسة والتاريخ”.

*ثورة البراق يوم تحرير المسجد الأقصى

وبعد إعلان الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية، بدأت موجات هجرة المستوطنين. وقد واجهت هذه الحركات الهجرة لأول مرة في منتصف أغسطس/آب 1929، عندما ردد المستوطنون المهاجرون شعارات تدعي ملكيتهم للحائط الغربي، مما أدى إلى اندلاع انتفاضة عربية شاملة ضد العدوان على المسجد الأقصى.

وفي هذه الأثناء، أشعل أهالي القدس والخليل شرارة الثورة، فهاجموا المستوطنات الإسرائيلية وطردوا المئات من الأماكن المقدسة الإسلامية. لكن الشرطة البريطانية تعاونت مع المستوطنين في هجوم مضاد على فلسطين، مما أدى إلى سقوط 116 شهيداً، في حين قتل العرب 132 مستوطناً، قبل أن تسيطر القوات البريطانية على الوضع.

*عز الدين القسام والبندقية الأولى للمقاومة

وبعيداً عن لهيب ثورة البراق، انطلقت في مدينة حيفا جهود منظمة لتحرير البلاد، بقيادة خطيب الجمعة السوري المولد عز الدين القسام. قبل ثورة البراق بعامين بدأ التحضير للمقاومة المسلحة. ولتحقيق هذه الغاية، قام بنشر عدد صغير من العمال والفلاحين، وقام بتدريبهم على استخدام السلاح وتشكيل خلايا المقاومة. أمضى سبع سنوات في التحضير للانتفاضة التي انتهت في عام 1935 بإعلان الحركة المسلحة. وفي تلك الأثناء تراجع عز الدين القسام إلى جبال نابلس، إلا أن القوات البريطانية وعدداً من ضباط الشرطة العربية المتعاونين معها لاحقوا المجموعة المقاومة. ودارت معركة انتهت باستشهاد عز الدين القسام ومقتل 15 جندياً بريطانياً. لكن تأثير عمل ميليشيا القسام الفدائي اتسع وفتح الباب أمام ظهور حركات مقاومة جديدة.

*الثورة الكبرى ونهضة الشعب الفلسطيني

استشهد عز الدين القسام واعتقل زعماء جماعته، لكن الفلسطينيين حصدوا ثمار نضالهم بعد عام في الثورة العربية الكبرى عام 1936، والتي بدأت سلمياً بفضل جهود الفلسطينيين المتعلمين من أبناء المدن، متأثرين باستقلال الدول العربية المحيطة. تأسست اللجنة الوطنية في فلسطين ودعت إلى إضراب عام بدأ في إبريل من نفس العام.

وبعد شهر واحد، تطور الأمر إلى حركة عصيان مدني استمرت ستة أشهر وكلفت الحكومة البريطانية خسائر بلغت ثلاثة مليارات جنيه مصري. ولم تقتصر الانتفاضة على المظاهرات والإضرابات. وخرج إلى الشوارع نحو ألف مقاتل بقيادة كتائب عز الدين القسام والمتطوعين العرب بقيادة فوزي القطجي. قاموا بتنفيذ ما مجموعه 4000 عملية عسكرية، قُتل فيها، حسب الإحصائيات البريطانية، أكثر من 100 مستوطن وجندي بريطاني. ولم تهدأ الانتفاضة إلا في شهر أكتوبر/تشرين الأول بعد أن وعدت أربع دول عربية بحل مشكلة هجرة المستوطنين ونهب الأراضي الفلسطينية بالوسائل السياسية.

وفشلت الجهود العربية لوقف تدفق المهاجرين اليهود، وفي سبتمبر/أيلول 1937 اندلعت ثورة أخرى، ولو أنها كانت مسلحة، مما أدى إلى توسع حركات المقاومة مع ظهور حركة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني. وسيطر المقاومون على شمال ووسط فلسطين، ومعظم مدينتي القدس والخليل، وقتلوا ما لا يقل عن 250 مستوطناً. وفي هذه المرحلة من الثورة اكتسب رمز الكوفية أهمية كبيرة. وقد كانت هذه الشارة وسيلة لتحديد هوية المقاومين المسلحين، وكان يرتديها أغلب الفلسطينيين لتضليل القوات البريطانية التي كانت تلاحق الثوار.

*جيش الجهاد المقدس هو درع القدس في وجه الاحتلال.

وترتبط سلسلة النضال الفلسطيني بالثورات والانتفاضات. وكما أثمرت كتائب القسام بعد عام من استشهاد قائدها، فإن حركة الجهاد المقدس التي انبثقت من الثورة الكبرى بقيادة عبد القادر الحسيني أثمرت مرة أخرى في النضال النهائي ضد تقسيم فلسطين عندما عاد الحسيني من فلسطين عام 1947. وكان الهدف تحقيق الأراضي الفلسطينية بعد قرار التقسيم. وخاضت حركة الجهاد الإسلامي عدة معارك بين القدس والخليل، أدت إلى طرد مجموعات المستوطنين. كما نجح الجيش في صد هجمات العصابات الصهيونية على عدة قرى فلسطينية وتنفيذ هجمات انتقامية على المستوطنات. لكن جهود جيش الجهاد الإسلامي سرعان ما تراجعت بعد استشهاد الحسيني في معركة القسطل إثر اشتباك عنيف مع العصابات الصهيونية.

*منظمة التحرير الفلسطينية تحيي المقاومة من جديد.

كما تراجع دور الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال بعد نكبة عام 1948، وانتقل الصراع إلى الجيوش العربية التي حاربت جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربي 1967 و1973. وفي هذه الفترة تأسست منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تضم جميع فصائل المقاومة.

ومع انتشار مقاتلي الحركة في جنوب لبنان، بدأت مرحلة جديدة من المقاومة في أوائل سبعينيات القرن العشرين، عرفت بالإنزالات البحرية. ونفذ المقاومون عدة عمليات أبرزها عملية فندق السافوي، وعملية دلال المغربي، والعملية البحرية في القدس. وتكبدت الدولة المحتلة مئات الضحايا وتدهور الوضع الأمني نتيجة لهذه العمليات التي تجاوزت الهجمات البحرية. وشملت هذه العمليات اختطاف طائرات ومهاجمة إسرائيليين في دول أوروبية. لكن بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وترحيل مقاتلي المقاومة الفلسطينية من لبنان، تراجعت هذه العمليات.

*انتفاضة الحجارة وبداية النجاح الحقيقي للفلسطينيين

ومع خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وتوقف عملياتهم العسكرية، بدأ فصل جديد في تاريخ المقاومة. ولكن في عام 1987 وقع حدث آخر في تاريخ المقاومة. بدأت الأحداث بمجزرة ارتكبها مستوطن في قطاع غزة عندما دهس عدداً من العمال، ما أثار غضب الفلسطينيين. انطلقت شرارة ثورة الحجارة بشكل عفوي في قطاع غزة، حيث استخدمت المظاهرات الحجارة والإطارات المشتعلة لتعطيل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وانتقلت الانتفاضة إلى مدن الضفة الغربية. وفي عام 1988، تطورت الانتفاضة إلى حركة عصيان مدني ألحقت خسائر فادحة بالدولة المحتلة. ومن أهم ثمار الانتفاضة، على الرغم من سلميتها، ولادة حركة حماس، التي بدأت كجهاز أمني لملاحقة الجواسيس. وتطور الأمر إلى حركة مقاومة تولت زمام المقاومة بعد انسحاب مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية. ومن أهم إنجازات الانتفاضة مؤتمر أوسلو الذي قرر انسحاب القوات المحتلة من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنح أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة حق الحكم الذاتي.

*انتفاضة الأقصى وعودة البندقية إلى الواجهة

عندما قام رئيس الوزراء أرييل شارون بتدنيس المسجد الأقصى، ارتكبت الدولة المحتلة خطأ أدى إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة. ولكن هذه المرة لم تكن الأمور سلمية، حيث تزايدت قوة حماس ونفوذها، وأدت سلسلة من الهجمات الانتحارية إلى تقويض أمن المستوطنات.

وبدأت حماس والجهاد الإسلامي بتطوير الأسلحة، وظهرت صواريخ القسام. بدأت حركات المقاومة بقصف المستوطنات بالمدفعية البدائية. وأدت هذه الهجمات إلى الانسحاب الكامل من قطاع غزة، وسيطرة حماس على القطاع، وتحويله إلى قاعدة لشن هجمات ضد دولة الاحتلال.

*غزة صخرة هدمت أحلام الاحتلال

وأصبح قطاع غزة قاعدة لحركات المقاومة المختلفة، وبعد أقل من عام من الانسحاب الإسرائيلي اندلعت مواجهات عسكرية مباشرة بعد أن أسرت حركات المقاومة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وأدى ذلك إلى اندلاع حرب بين قطاع غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي في عام 2006، تلتها حرب أكثر شمولاً في عام 2008 انتهت بانسحاب إسرائيلي. وواصلت حركات المقاومة تطوير قدراتها حتى تمكنت من مهاجمة تل أبيب ومناطق عميقة داخل الأراضي المحتلة بالصواريخ بعيدة المدى عام 2012، ثم دخلت في صدام مباشر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب عام 2014، حيث تكبد جيش الاحتلال في هذه الحرب أكثر من 70 قتيلاً في عمليات خاصة نفذتها المقاومة الفلسطينية.

*انتفاضة السكاكين والصحوة في الضفة الغربية

وحتى عام 2015، تركزت أنشطة المقاومة المسلحة في قطاع غزة. وبعد ذلك استمرت هجمات المستوطنين في الضفة الغربية وبدأت انتفاضة السكاكين. وشهدت المنطقة العديد من عمليات الطعن، وتطورت الهجمات العفوية التي نفذها الشباب الفلسطيني إلى حركات مسلحة منظمة. وظهرت مجموعات قتالية مثل كتيبة طولكرم، وكتيبة نور الشمس، وكر الأسود، وغيرها من المجموعات التي شنت عمليات عسكرية خاصة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين لمنع التوغلات الإسرائيلية في الضفة الغربية وإحباط المشاريع الاستيطانية. وأصبحت المعسكرات معاقل تنطلق منها الهجمات العسكرية.

*طوفان الأقصى يجرف دولة الاحتلال

في تاريخ النضال الفلسطيني كان الحدث الحاسم مقدراً في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023: حيث ألحقت حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خسائر غير مسبوقة بدولة الاحتلال، من قتلى وأسرى وتدمير مستوطنات وخسائر اقتصادية. واستمرت حركات المقاومة لمدة عامين ونصف، نجحت خلالها في إحباط المحاولات الإسرائيلية للسيطرة الكاملة على قطاع غزة. وركز جيش الاحتلال جهوده على قتل المدنيين رداً على ذلك، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 100 ألف شخص.


شارك