«حب التناهي شطط- خير الأمور الوسط».. ننشر نص خطبة الجمعة المقبل

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة الأولى في جميع محافظات الجمهورية على النحو التالي: “الحب كثرة، والأفضل اعتدال”.
وأوضحت الوزارة أن الهدف من الخطبة هو توعية الجمهور بقيم الاعتدال والتوازن، باعتبارها من أسباب تحقيق الأمن والاستقرار. يُذكر أنه في الخطبة الثانية لإحدى المحافظات سيتم تخصيص خطبة للحديث عن مخاطر المخدرات على الفرد والمجتمع. كما ألقيت خطبة ثانية في عدد من المحافظات حول رعاية الإسلام للأشخاص ذوي الإعاقة وضرورة تكريمهم واستثمار طاقاتهم.
ونص الخطبة الأولى في جميع المحافظات إلا واحدة:
والحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد كما تقول، ولك الحمد خير مما نقول. سبحانك لا نحصي ثناءك. أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله واحد، فريد، صمد. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفوه من خلقه، وحبيبه وخليله، الذي ملأ عينيه من جمالك، وقلبه من جلالك، حتى فرح وسر، ونصر وغلب. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وقائدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وثم:
إن جمال الدين يتجلى في بساطته وخفته، ورحمته ولطفه. فهو مصدر السعادة، وأصل الطمأنينة، ومصدر الهدوء والسلام والأمان. إن الدين ليس مجرد كلام صاخب أو لفتات شكلية، بل هو جيد في روحه وأهدافه، وفي قوانينه وأخلاقه، وفي قدرته على لمس القلب بالاعتدال والتسامح دون إفراط أو نقصان. وإليكم يا أحبائي هذا النص القرآني الذي يبرر هذا النهج الفريد: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}.
أيها الناس، اعلموا أن حب الكمال والحد هو إفراط وانحراف، وأن الاعتدال والتوازن هو أفضل الأشياء. كم من إنسان اجتهد في عبادته وأجهد نفسه بما لم يطلب منه! كم من إنسان وصل في زهده و زهده إلى حد فقدان حقوقه و حقوق أهله! كم من جماعة ذهبت بعيداً في شعاراتها حتى تحولت إلى تعصب أعمى ينكر الأمة ويفرقها! ألم يبلغ هذا القول لمحمد مسامع الساعين إلى الكمال والتمام: “والله إني لأتقاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سبيلي فليس مني”.
أيها الكريم، انظر إلى هذا النداء الحازم الحاسم لكل من يفرض على الناس نمطاً معيناً من العبادة: لا تضيقوا بالرأي إذا اتسع، ولا تبغضوا الناس في دين الله، واجتهدوا في دولة النبوة الشريفة، واتبعوا هدي محمد الرائع. اعتني بنفسك بشكل خاص واشعر بنعمة النجاح الإلهي. توجه إلى ربك من باب التواضع والانكسار والحاجة واطلب العون والمساعدة. وإذا أحسست بالدهشة في نفسك، فقل بقلبك ولسانك: اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
أيها الناس، اعلموا أن الإسلام جاء ليحررنا من قيود الجاهلية وأغلالها، وليس ليفرض علينا قيوداً جديدة باسم الدين والتدين. وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الأعمال أدومها وإن قلّت، وأن الله لا يمل حتى نمل، وأن الدين يسر ولن يغلب أحد دينه إلا غلبه. لذلك لا تثقل نفسك، وإلا فسوف يثقل عليك. إذا شدد القوم على أنفسهم شدد الله عليهم. هذه هي الوصايا النبوية التي عنوانها هذه الكلمات المضيئة: “حب التطرف هو الإفراط… والأفضل هو الاعتدال”.
عباد الله، تأملوا معي الصورة الجميلة التي يرسمها لنا القرآن الكريم عن عباد الرحمن أهل الجنة والرضوان: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك وبين ذلك حالاً). هكذا ينبغي أن تكون عبادتنا، وهكذا ينبغي أن يكون سلوكنا في جميع مناحي حياتنا: معتدلاً، عادلاً، منصفاً، لا إسراف ولا نقصان، فلا نكلف النفس ما لا طاقة لها به. وهذا سيجعلك ضعيفاً في أداء واجباتك، وستصاب روحك بالملل والتعب. لا مجال للتعصب في الآراء، ولا للشدة في الفتاوى، ولا لتقييد ما خلق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. أفضل شيء هو الاعتدال!
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فلنعمل على أن تكون عبادتنا نورًا ينير طريقنا، وليس قيودًا تقيد أرواحنا. فلنكن في مقدمة المهتمين بالحفاظ على ثوابت ديننا والتمسك بالمنهج الإسلامي النبيل فهو القدوة الحسنة والمقياس الذي نقيس به أعمالنا. الطريق الوسط هو طريق الخلاص وطريق السعادة في العالمين. وهذا يخلق التوازن بين حاجات النفس والجسد، وبين حقوق الفرد والجماعة، وبين العمل للدنيا والعمل للآخرة. (الخطبة الثانية – جميع محافظات الجمهورية ما عدا واحدة)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن:
أيها النبيل، الشرف طريق الصالحين، وقيمة عظيمة من قيم الدين. أكرم الآخرين تنال رضا ربك. واعلم أن من يستحق التكريم والاحترام وشفاء القلوب المكسورة هو شعبنا الحبيب العازم. وهم أمراء يخدمهم الصالحون، ورعايتهم واجب ديني ووطني وإنساني يؤكد قيم الإسلام السمحة التي جاءت لضمان كرامة الإنسان وتحقيق الرضا والسعادة له.
عباد الله، انظروا إلى العناية الإلهية بالأشخاص ذوي الإعاقة. لقد حررهم القرآن الكريم من الهم والضيق والضيق، كما قال تعالى: {ليس على الأعمى ولا الأعرج ولا المريض حرج}. وقد وضعت الشريعة الإسلامية السمحة لهم تسهيلات وأنظمة خاصة تراعي ظروفهم وتراعي مشاعرهم. وبما أن الالتزامات القانونية قد خففت عنهم، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء. إذن أيها النبلاء، اتبعوا هذه النعمة وهذا الفرج، وادعموا هذا الشعب النبيل العازم، واستثمروا طاقاتكم لتكونوا عنصراً فعالاً وثاقباً في البناء والتقدم والنهضة والتنمية لبلدنا الحبيب.
أيها الناس الكرام، ذوو العزم، فإن أنبلهم صلى الله عليه وسلم جعلهم عماد النصر والرزق حين قال: (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) إن هذه الكلمات المضيئة تتغلب على الضعف الفطري، وتبهرنا بالقوة المكتسبة، وتؤكد دور هذه الفئة المباركة في بناء المجتمعات.
يا أبا حنون وأم حنونة، إذا كان في بيتك أحد مصمم وبطولي، فافرح! في بيتك كنز يشفع لك يوم القيامة. فيقول: يا رب ارحمهما كما ارحماني. أكرمهم كما كرموني. {فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان}
ونص الخطبة الثانية في إحدى المحافظات:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن:
يا أيها الناس، المخدرات مرض عضال يدمر النفس البشرية، ويسلبها قوتها، ويحول حياتها إلى رماد. وينتشر ويؤثر على المجتمع بأكمله ويخلف وراءه الخراب والدمار. إذن، أيها الناس الأعزاء، احذروا من هذا السرطان الذي يذبل زهرة شبابنا ويقوض نسيج مجتمعنا. ألم نسمع هذا النداء الإلهي: {ولا تُهلِكُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ وَأَحْسِنُوا}. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
أيها الناس الأعزاء، أليس من حقنا أن نسأل: ما الذي يدفع بعض شبابنا إلى الوقوع في براثن هذا المستنقع الفاسد؟ هل هو اليأس؟ أم الفراغ؟ أم هو بسبب ضعف الوازع الديني والأخلاقي؟ كيف تستغل هذه السموم جزءاً ثميناً من أطفالنا الذين هم عماد المستقبل وأمل الغد؟ كيف ينخدعون بالأوهام الكاذبة والمتعة اللحظية التي سرعان ما تتحول إلى جحيم لا يطاق؟!
عباد الله، علموا أبناءكم أن المخدرات وحوش قاسية تلتهم النفس، وتسرق الإرادة، وتدمر الطموح، وتحول المتعاطي تدريجيا إلى كائن هامشي لا يرى في الحياة إلا فرصة للحصول على جرعة أخرى. تأملوا هذا التهديد المؤلم من محمد: “لقد أخذ الله تعالى عهداً على من يشرب المسكرات أن يسقيه من طينة شابال”. قالوا يا رسول الله ما طينة خبال؟ قال: «عرق أهل النار أو عصارة أهل النار».
هذه رسالة إلى المدمن: أنت إنسان يحمل في داخله كنزًا مخفيًا من المهارات والمواهب. إنهم قصة نجاح لم توصف من قبل. لا تدع هذه السحابة السوداء تحجب شمسك، لأن الحياة بجمالها الحقيقي تنتظرك خارج سجن الوهم الذي اخترته لنفسك. واعلم أن لك ربًا يقول عن نفسه تعالى: (ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا).