جولة ترامب الخليجية.. ماهو تاريخ زيارات الرؤساء الأميركيين للسعودية؟

يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولة خليجية جديدة، تبدأ بالسعودية وتستمر حتى 2020، تليها زيارة إلى قطر والإمارات.
وتتضمن الزيارة المشاركة في القمة المقررة في الرياض يوم 14 مايو/أيار الجاري، والتي سيحضرها أيضا رؤساء دول وحكومات مجلس التعاون الخليجي. ومن المقرر أن يركز اللقاء على مناقشة القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب في قطاع غزة، ومستقبل المفاوضات النووية مع إيران، والعلاقات الاقتصادية.
يُشار إلى أن الزيارة إلى السعودية لها أهمية خاصة على أجندة ترامب، إذ كانت ستصبح زيارته الخارجية الأولى في ولايته الثانية، لو لم يضطر لحضور جنازة البابا فرنسيس في روما نهاية أبريل/نيسان الماضي.
وكانت المملكة أيضًا أول وجهة دولية له خلال ولايته الأولى في عام 2017، كاسرًا بذلك تقليدًا غير رسمي حيث قام الرؤساء السابقون بزيارة كندا أو المكسيك أو المملكة المتحدة أولاً.
وتتزامن الزيارة مع انعقاد قمة استثمارية كبرى في الرياض في 13 مايو/أيار المقبل، يحضرها رؤساء تنفيذيون لشركات أميركية كبرى مثل بلاك روك، وآي بي إم، وكوالكوم، وألفابت. وتأتي الجولة في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى تجديد علاقتها الاستراتيجية مع أحد أقدم حلفائها في المنطقة، بعد فترة من الانفراج خلال رئاسة جو بايدن.
ولفهم عمق العلاقة بين البلدين، يتناول هذا التقرير تاريخ الزيارات الرئاسية الأميركية للمملكة على مدى ثمانية عقود:
روزفلت والملك عبد العزيز: لقاء عزز العلاقات على مياه قناة السويس
في 14 فبراير 1945، شهدت قناة السويس حدثاً تاريخياً عندما التقى الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن السفينة يو إس إس كوينسي في البحيرات المرة.
وقد وضع هذا الاجتماع، المعروف باسم “قمة كوينسي”، الأساس للتحالف الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. وناقش الرئيسان قضايا رئيسية مثل مستقبل فلسطين، وضمان سيادة المملكة، والتعاون في مجالات الأمن والطاقة.
وصل الملك عبد العزيز إلى نقطة الالتقاء على متن السفينة الحربية يو إس إس مورفي، في رحلة مسافتها 1200 كيلومتر (745 ميلاً) من جدة. ورغم أن السفينة كانت تحتوي على طعام يكفي لمدة 60 يوماً، إلا أن الملك رفض تناوله لأنه كان مجمداً، وأصر على إحضار الأغنام للذبح وفقاً للشريعة الإسلامية. كما نصب خيمة عربية على متن السفينة، وأقام مع رفاقه الصلوات الخمس، كما شهد باري مكارثي، أحد العمال الأميركيين على متن السفينة، في مقال نشر في مجلة لايف في 19 مارس/آذار 1945.
عند وصوله إلى كوينسي، التقى الملك عبد العزيز بالرئيس روزفلت، الذي كان قعيدًا على كرسي متحرك بسبب شلل أصابه في سن التاسعة والثلاثين. بدأ اللقاء بنكتة لطيفة قال فيها روزفلت: “أنت أكثر حظًا مني لأنك تستطيع المشي على قدميك”. أجاب الملك: “لا يا صديقي، أنت أكثر حظًا. سيأخذك كرسيك المتحرك إلى أي مكان تريده، وأنت تعلم أنك ستصل إليه. أما أنا، فساقاي تضعفان أكثر فأكثر.”
واستمر اللقاء بين رئيسي الدولتين خمس ساعات، وناقشا مواضيع مختلفة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. عارض الملك عبد العزيز توطين اليهود في فلسطين واقترح منحهم أراضٍ في البلدان التي اضطهدتهم.
ودعا الملك أيضا الرئيس الأميركي إلى ضمان استقلال المملكة وحمايتها من الغزوات الخارجية، مؤكدا أهمية الحفاظ على سيادة بلاده.
وفي نهاية اللقاء قدم روزفلت للملك عبد العزيز كرسيا متحركا يشبه كرسيه وخريطة للبيت الأبيض تعبيرا عن تقديره واحترامه. وبحسب تقرير في مجلة المجلة السعودية، أهدى الملك أيضا للرئيس الأميركي سيفا مرصعا بالألماس، وأحزمة من الحرير، وعطوراً لزوجته إليانور، وعنبراً من البحر الأحمر.
نيكسون: أول رئيس أمريكي يزور المملكة
في يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون جدة، ليصبح أول رئيس أمريكي يزور المملكة العربية السعودية رسميًا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وجاءت الزيارة بعد أشهر قليلة من حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وفي أعقاب أزمة النفط التي اندلعت بسبب قرار الملك فيصل بن عبد العزيز وقف صادرات النفط إلى الولايات المتحدة والدول التي تدعم إسرائيل.
وكان برفقة نيكسون في زيارته وزير خارجيته الشهير هنري كيسنجر. وتضمنت أجندة المحادثات أمن الطاقة العالمي، وتأثير مقاطعة النفط، وسبل استعادة الاستقرار في أسواق الطاقة، ومستقبل القضية الفلسطينية في ضوء التغييرات العميقة التي أحدثتها الحرب.
وأقيمت مأدبة رسمية للرئيس الأميركي في جدة، حيث أعرب نيكسون عن تقديره لقيادة المملكة في العالم العربي وأشاد “بحكمة الملك فيصل” – وهي العبارة التي كانت تستخدم على نطاق واسع في وسائل الإعلام في ذلك الوقت. وفي لفتة دبلوماسية ملحوظة، منح الملك فيصل نيكسون وشاح الملك عبد العزيز، وهو أعلى وسام في المملكة العربية السعودية، مؤكداً بذلك أهمية العلاقات على الرغم من التوترات الناجمة عن مقاطعة النفط.
بوش الأب: زيارة إلى الظهران حول موضوع الحرب والردع
في نوفمبر/تشرين الثاني 1990، وبعد ثلاثة أشهر تقريباً من غزو العراق للكويت، قام الرئيس الأميركي جورج بوش الأب بزيارة عاجلة واستثنائية إلى المملكة العربية السعودية. كانت هذه واحدة من أهم الزيارات التي قام بها رئيس أمريكي على مر العصور، وجاءت في خضم الاستعدادات لعملية عاصفة الصحراء.
والتقى بوش بالملك فهد بن عبد العزيز في الرياض وبحث معه الترتيبات الخاصة بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لتحرير الكويت والتنسيق العسكري والأمني المطلوب لهذه المهمة. وخلال اللقاء، شكر بوش المملكة على قرارها التاريخي بالسماح بتمركز قوات أميركية على أراضيها. وقد اعتبرت هذه الخطوة في ذلك الوقت بمثابة تحول استراتيجي في العلاقة بين البلدين.
وكان من بين الأحداث البارزة زيارة إلى قاعدة الظهران الجوية، حيث التقى بوش بالجنود الأميركيين المتمركزين هناك وشاركهم وجبة عيد الشكر وهم يرتدون الزي العسكري غير الرسمي. وقد استحوذت هذه اللحظة على اهتمام وسائل الإعلام الدولية، وأصبحت صورة بوش وهو يؤدي التحية للقوات من على منصة عالية واحدة من أبرز رموز القيادة الأميركية في التحالف الدولي في الخليج.
ورافقت الزيارة رسائل قوية إلى العالم مفادها أن الولايات المتحدة والمملكة متحدتان في الحرب ضد الغزو العراقي. كما أرسل بوش رسائل مباشرة إلى صدام حسين مفادها أن الانسحاب أو الهزيمة أمر لا مفر منه إذا لم تنسحب القوات العراقية من الكويت.
وفي وقت لاحق، في عام 1992، عاد بوش إلى المملكة واجتمع مع الملك فهد لمناقشة فترة ما بعد الحرب. وشكر المملكة على دورها في استقرار المنطقة. وفي هذه الزيارة الثانية، منحه الملك فهد قلادة الملك عبد العزيز، أعلى وسام سعودي، تقديراً لدوره في حماية الأمن في الخليج.
بيل كلينتون: رسائل مطمئنة من مدينة الملك خالد العسكرية
في أكتوبر 1994، قام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية. وفي ذلك الوقت كانت المنطقة لا تزال تعاني من آثار حرب الخليج الثانية، وكانت هناك مخاوف من تجدد التوترات مع النظام العراقي.
واستقبل الملك فهد بن عبد العزيز الرئيس الأميركي في مدينة الملك خالد العسكرية قرب حفر الباطن، وهي قاعدة استراتيجية بنيت بدعم سعودي أميركي مشترك.
وناقش الجانبان خلال الزيارة الوضع في العراق وسبل احتواء أي تصعيد محتمل من جانب صدام حسين.
وتناولت المحادثات أيضا التعاون العسكري والصناعي، بما في ذلك عقد الطائرات الذي وقعته المملكة لاحقا مع شركتي بوينج وماكدونيل دوغلاس، بقيمة تقترب من ستة مليارات دولار.
الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما هو الشخص الذي زار المملكة العربية السعودية أكثر من غيره. خلال فترتي ولايته، التقى الملك عبد الله مرتين والملك سلمان مرتين خلال زياراته الأربع للمملكة.
ولعبت زيارة أوباما الأولى إلى المملكة العربية السعودية في يونيو/حزيران 2009 دوراً مهماً في مذكراته “الأرض الموعودة”، والتي وصف فيها ملاحظاته وانطباعاته خلال لقائه بالملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتجاربه الأولى في المملكة.
كتب أوباما: “وصلتُ إلى الرياض، حيث كان من المقرر أن ألتقي بالملك عبد الله، خادم الحرمين الشريفين وأقوى قائد في العالم العربي. لم أزر المملكة من قبل، وفي حفل الاستقبال الرسمي في المطار، كان أول ما لاحظته عدم وجود نساء أو أطفال على مدرج المطار أو في صالاته. لم أرَ سوى صفوف من الرجال، معظمهم بشوارب سوداء، يرتدون الزي العسكري أو الثوب والغترة التقليديين”.
وصل إحباط المملكة إلى ذروته بعد أن توسط أوباما في اتفاق عام 2015 بين إيران، منافستها الإقليمية، وست قوى عالمية، والذي كبح طموحات طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات. وتنظر دول الخليج العربية إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديدا، في حين تصر طهران على أنه يخدم أغراضا سلمية بحتة.
وفي 27 يناير/كانون الثاني 2015، قطع أوباما زيارته للهند وسافر إلى الرياض لتقديم تعازيه في وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز. والتقى خلال هذه الزيارة بالملك سلمان بن عبد العزيز الذي اعتلى العرش مؤخراً.
دونالد ترامب: رقصة العرضة واستقبال استثنائي في الرياض
وعلى النقيض من الأجواء الحذرة التي سادت خلال رئاسة باراك أوباما، حظي الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستقبال رسمي غير عادي خلال زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية في مايو/أيار 2017، وهو ما عكس رغبة مشتركة في فتح فصل جديد بين الرياض وواشنطن.
وشارك ترامب في رقصة العرضة التقليدية ووقع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية واسعة النطاق بقيمة إجمالية بلغت 110 مليارات دولار خلال زيارته، مع التركيز على صفقات الأسلحة والتعاون الاستثماري الطويل الأجل.
ومن أبرز المشاهد الرمزية التي تناولتها وسائل الإعلام العالمية ظهوره مع الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية. في افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) في الرياض، وضعوا أيديهم على بلورة لامعة، رسالة رمزية لمحاربة الإرهاب والتطرف.
بايدن: أجواء متوترة وزيارة باردة
لم يحظ الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفس الترحيب الذي حظي به سلفه دونالد ترامب خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في يوليو/تموز 2022.
وظهرت الأجواء المتوترة بشكل واضح خلال حفل الاستقبال، عندما تم استقبال بايدن في جدة بمصافحة قبضة اليد من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بدلاً من المصافحة الرسمية التقليدية. وقد أثارت هذه اللفتة اهتماما كبيرا في وسائل الإعلام الدولية، واعتبرت بمثابة إشارة إلى فتور العلاقات.