السلام مقابل الأرض.. هل تقبل أوكرانيا بشروط روسيا لإنهاء الحرب؟

في ظل التصعيد المستمر على الجبهة الشرقية، وضعت روسيا شرطًا أساسيًا لإنهاء الحرب: الاعتراف الدولي بسيادتها على الأراضي الأوكرانية التي احتلتها منذ بدء عمليتها العسكرية في فبراير/شباط 2022. ومع ذلك، تعتبر أوكرانيا هذه الأراضي “أراضي محتلة” وترفض الاعتراف بها كجزء من السيادة الروسية. وتؤكد أن هذا المطلب يمثل “خطا أحمرا” لا يجوز تجاوزه.
ومع تزايد تعقيد الوضع على الأرض وعلى الصعيد الدبلوماسي، زادت الولايات المتحدة من ضغوطها على روسيا وأوكرانيا وهددت بالانسحاب من جهود الوساطة إذا لم يتم تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات. هل ستتنازل أوكرانيا عن أراضيها مقابل السلام أم ستتنازل روسيا عن شروطها الأساسية؟
يقول الدكتور رامي أبو شمسية عضو الحزب الوطني الأوكراني إن سيادة أوكرانيا على كامل أراضيها هي “خط أحمر” وأنها لن تقبل أي تنازل عنها. وأشار أيضاً إلى أن هناك إجماعاً بين السكان على رفض أي تنازلات فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014. ويشير إلى أن هناك مقترحات غربية سابقة بشأن إمكانية تقديم تنازلات إقليمية لإنهاء الحرب. ومع ذلك، تعتقد كييف أن أي حل يجب أن يحافظ على وحدة أراضي البلاد وسيادتها الكاملة.
هل تتنازل أوكرانيا عن أراضيها لروسيا؟
وبينما تواصل روسيا تصعيدها العسكري عبر القصف واحتلال المزيد من الأراضي، يرى أبو شمسية، في حديثه لايجي برس، أن موسكو تلقت بعض الدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأيام الأخيرة. ومع ذلك، فإن اتفاقيات التعاون الأخيرة بين واشنطن وكييف، وخاصة في مجالات الاستثمار والمعادن، عززت توجه البلاد نحو أوكرانيا.
وفي تحليله للوضع، قال الدكتور رامي أبو شمسية إنه من الممكن أن يتوصل الجانبان إلى حل وسط يتضمن الاعتراف بشبه جزيرة القرم كأرض روسية مقابل منح الحكم الذاتي لمناطق أوكرانية أخرى تسيطر عليها موسكو في المستقبل.
وفي هذا السياق، تقترح أوكرانيا مبادرة وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، تبدأ خلالها مفاوضات مباشرة مع موسكو تحت رعاية أميركية أو أوروبية أو تركية. وتؤكد كييف أن المحادثات المستقبلية يجب أن تبدأ دون شروط مسبقة. وأكد أبو شمسية أن قواته لن تتنازل عن أي أرض حتى بدون دعم الولايات المتحدة، وأنها مستعدة لمواصلة القتال ضد القوات المسلحة الروسية.
وفيما يتعلق بإمكانية انسحاب الولايات المتحدة من دور الوساطة، لا يعتقد أبو شمسية أن ذلك سيحدث. وأكدت واشنطن أنها ستواصل المفاوضات بين موسكو وكييف، “لكنها ستحاول الضغط على روسيا من خلال تشديد العقوبات”، مؤكدة أن واشنطن ليس لها الكلمة الأخيرة بشأن التنازلات الإقليمية.
هل تتخلى روسيا عن مبادئها الأساسية؟
وقال أحد أعضاء الحزب الوطني الأوكراني ردا على سؤال: “إذا فعلت روسيا هذا، فسيكون ذلك بمثابة انتحار سياسي للرئيس فلاديمير بوتين بعد أن تكبدت قواته المسلحة خسائر فادحة في الحرب”، وأضاف: “هل يمكن لموسكو أن تتخلى عن شرطها الأساسي المعلن لإنهاء الحرب، وهو الاعتراف الدولي بسيطرتها على الأراضي الأوكرانية؟”.
وأشار أبو شمسية إلى أن أوكرانيا أظهرت مرونة كبيرة بإنهاء الحرب وقبول المطالب الأميركية، لكن روسيا لجأت إلى أساليب الخداع والمماطلة ضد الأميركيين، والمستقبل غير مؤكد. لكن الآن هناك تصعيد لأنه يعتقد أن الحرب يمكن أن تنتهي بحلول نهاية هذا العام.
ويتفق الدكتور محمد فرج الله، رئيس تحرير مجلة “أوكرانيا بالعربية”، مع الدكتور رامي أبو شمسية، في أن أوكرانيا لن تتنازل عن أراضيها التي احتلتها القوات الروسية مقابل إنهاء الحرب.
وقال فرج الله لايجي برس إن أوكرانيا حاربت وضحت لمدة ثلاث سنوات للحفاظ على سلامة أراضيها ووحدتها. ولذلك، فإنها لن ترضخ لمقترح “السلام مقابل الأرض”. لكن كييف وافقت بشكل غير مباشر على أن تظل الأراضي التي تحتلها موسكو تحت الإدارة الروسية، وأن يتمركز مراقبون دوليون هناك. لكن ما يعنيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الاعتراف بالسيادة الروسية المطلقة على هذه الأراضي، وهو الموقف الذي ترفضه كييف.
ويوضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لا يبدي أي نية حقيقية لإنهاء الحرب، بل يحاول فقط التصرف كصانع سلام للمجتمع الدولي. ويشير إلى أن موسكو مسؤولة عن فشل المفاوضات السابقة مع الولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض بسبب تعنتها ورفضها تقديم أي تنازلات.
وفيما يتعلق بالوساطة الأميركية في المفاوضات، يرى فرج الله أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفتقر إلى خطة واضحة لإنهاء الحرب. وقد تم توضيح ذلك بالفعل في تصريحات سابقة، والتي دعت، من بين أمور أخرى، أوكرانيا إلى التنازل عن شبه جزيرة القرم والتخلي بعد ذلك عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي. وأشار إلى أن الضغوط تُمارس حصرياً على كييف وليس على موسكو، معرباً عن اعتقاده بوجود “مؤامرة بين ترامب وبوتين”.
ويختتم الدكتور محمد فرج الله تصريحاته بالإشارة إلى أن قبول “المقترح الضعيف” للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتنازل عن أراضٍ أوكرانية لروسيا من شأنه أن يرقى إلى “سلام سيء” ويشكل مقدمة لحرب شاملة، ومن شأنه أن يشجع موسكو على ضم المزيد والمزيد من الأراضي.
الاقتراح الأمريكي لإنهاء الحرب
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تقدمت في أوائل أبريل/نيسان باقتراح أحادي لإنهاء الحرب. ويؤكد الاتفاق لروسيا الاعتراف الرسمي بسيادة موسكو على شبه جزيرة القرم، والاعتراف الضمني من جانب الولايات المتحدة بسيطرتها على معظم مناطق لوغانسك ودونيتسك وخيرسون، وكذلك على محطة زابوريزهيا للطاقة النووية.
وكان الاقتراح يقضي بمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والتفكير بدلا من ذلك في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما تم اقتراح رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا منذ عام 2014 وتوسيع التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وخاصة في مجالات الطاقة والصناعة.
وفي المقابل، تحصل أوكرانيا على ضمانات أمنية من مجموعة من البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان “ذات التفكير المماثل”، دون إنشاء آلية واضحة لنشر القوة أو التدخل الأمريكي المباشر. عودة جزء صغير من منطقة خاركوف؛ ضمان حرية الملاحة على نهر الدنيبر، الذي يمتد بالقرب من خطوط المواجهة؛ والتعويضات المالية والمساعدات في إعادة الإعمار، دون تحديد مصدر التمويل أو تفاصيل آلية الدفع. ورفضت كييف هذه الخطوة واعتبرتها تحيزا كاملا ضد موسكو.