سياسة الفصل الأسري.. كيف حرمت إدارة ترامب المعتقل الفلسطيني محمود خليل من رؤية مولوده؟

منذ 8 أيام
سياسة الفصل الأسري.. كيف حرمت إدارة ترامب المعتقل الفلسطيني محمود خليل من رؤية مولوده؟

نشرت مجلة تايم تقريرا يكشف أن المواطن الفلسطيني محمود خليل المحتجز في أحد مراكز إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية في لويزيانا، مُنع من حضور ولادة ابنه رغم طلبه الإفراج الإنساني المؤقت لأسباب عائلية.

وأوضحت المجلة أن المسافة أو التحديات اللوجستية لم تكن السبب في هذا الغياب، بل نتيجة قرار مباشر من السلطات الأميركية. ووصف الخبراء هذا الأمر بأنه “جزء من سياسة متعمدة لفصل العائلات”، خاصة في الحالات التي تتعلق بالناشطين الداعمين لقضية وحقوق الفلسطينيين.

قالت الطبيبة الفلسطينية الأمريكية نور عبد الله، زوجة محمود خليل المسجون، في بيان صدر يوم الولادة: “لقد اختارت سلطات الهجرة عمدًا إلحاق المعاناة بي وبمحمود وبطفلنا. لا ينبغي أن يبدأ طفلنا حياته منفصلًا عن والده”.

وأكدت أن نضالها من أجل زوجها لن ينتهي: “سأواصل النضال حتى يعود محمود إلى عائلته. أريده أن يُعلّم ابننا معنى الشجاعة والرحمة، كما عرفته دائمًا”.

وعزت الدكتورة نور عبدالله هذا الرفض إلى نشاط زوجها السياسي، قائلة: “لقد سُرقت منا هذه اللحظات المقدسة، ليس لأن محمود ارتكب جريمة، بل لأنه رفع صوته نصرة لفلسطين”.

كواليس اعتقال محمود خليل

تم اعتقال محمود خليل، طالب الدكتوراه في جامعة كولومبيا، في 8 مارس/آذار بعد مشاركته في احتجاجات طلابية ضد الحرب في غزة. ومنذ ذلك الحين، ظل محتجزا في معسكر اعتقال يبعد أكثر من ألف ميل عن زوجته، رغم أنه لم يتم توجيه أي اتهامات جنائية ضده.

وبحسب التقرير، فإن قضية خليل هي الأبرز بين قضايا الترحيل المثيرة للجدل خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويرى ناشطون في مجال حقوق الإنسان أن هذا بمثابة إحياء لممارسات إدارة ترامب الأولى، التي اتُهمت بإساءة استخدام سياسة فصل العائلات لأغراض سياسية، وخاصة ضد المسلمين والمهاجرين من الشرق الأوسط.

وقالت المحامية في مجال حقوق الإنسان ياسمين طيب: “إن فصل العائلات هو أداة قمعية استخدمتها إدارة ترامب من قبل، ويبدو أنها تلجأ إليها الآن مرة أخرى”. لم يُحتجز محمود خليل في مركز معروف بانتهاكاته صدفة، بل فُصل عمدًا عن زوجته ودعمه الاجتماعي.

مشاكل مماثلة

ووثقت المجلة حالات مماثلة، بما في ذلك حالة باحثة تركية في جامعة تافتس، والتي اعتقلت بالقرب من منزلها في ماساتشوستس في 25 مارس/آذار بعد إلغاء تأشيرتها في أعقاب مشاركتها في كتابة مقال طلابي مؤيد للفلسطينيين.

كما تم اعتقال محسن مهداوي، وهو طالب فلسطيني مقيم دائم، في 14 أبريل/نيسان أثناء مقابلة لتجديد إقامته في فيرمونت بعد مشاركته في احتجاجات طلابية.

وأشارت المحامية في مجال حقوق الإنسان ياسمين الطيب إلى أن استهداف من يدافع عن فلسطين يجب أن يكون مصدر قلق للجميع. وهذا يتجاوز قضايا الهجرة ويمس جوهر حرية التعبير.

وأشار التقرير إلى الأحداث التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، عندما اعتقلت السلطات الأميركية مئات المسلمين والعرب والآسيويين في ظروف وصفتها وزارة العدل الأميركية لاحقا بأنها “قاسية وغير مبررة”. وانقطعت الاتصالات بين السجناء وعائلاتهم بشكل كامل.

قالت منى إيجي، المعالجة النفسية المشرفة في منظمة روه كير، وهي منظمة يديرها مسلمون مخصصة للرعاية النفسية، إن فقدان وجود الزوجة أثناء الولادة يمثل صدمة نفسية لها عواقب طويلة الأمد. وهذه ليست لحظة إنسانية حاسمة مسروقة من الأب فحسب، بل من الطفل أيضاً، الذي يبدأ حياته في غياب واعٍ للحضور الأبوي.

وذكر التقرير أن إدارة الهجرة والجمارك لديها السلطة القانونية لمنح الإفراج المؤقت لأسباب إنسانية، لكنها رفضت الطلب في قضية محمود خليل دون مبرر كاف.

وقال المحامي باهر عزمي، مدير الشؤون القانونية في مركز الحقوق الدستورية، إن “رفضكم السماح لمحمود برؤية ابنه حديث الولادة هو تعبير عن قسوة لا حدود لها”. “إن الأمر لا يتعلق بقانون، بل هو عمل واضح من أعمال الانتقام.”

ترامب يحذر من دعم القضية

أعربت منظمات حقوقية عن قلقها إزاء التصريحات الرسمية التي أدلى بها ترامب في وثيقة للبيت الأبيض. وجاء في البيان: “نبلغ جميع السكان الذين شاركوا في الاحتجاجات الجهادية بأننا سنعثر عليهم ونُرحّلهم. كما سأقوم فورًا بإلغاء تأشيرات الطلاب المؤيدين لحماس في الجامعات التي استهدفتها الجماعات المتطرفة”.

رسالة مؤثرة

وفي سياق مماثل نشرت صحيفة الغارديان البريطانية رسالة مؤثرة من الدكتورة عبلة عبدالله، الشابة وزوجة محمود خليل، وجهتها له أثناء وجوده في السجن. تمثل هذه الرسالة واحدة من أقوى الشهادات الإنسانية وتوثق ما وصفه بالثمن الذي يجب على المرء أن يدفعه مقابل قول الحقيقة للسلطة.

وكتبت عبد الله في رسالتها، في إشارة إلى حملها بطفلها الأول، الذي ولد لاحقًا في غياب والده: “كل ركلة، كل انقباضة، كل حركة صغيرة أشعر بها في داخلي تذكرني بالعائلة التي أردنا تكوينها معًا”.

وتابعت: “ومع ذلك، يجب أن أشرع في هذه الرحلة العميقة وحدي، بينما تجلسون خلف القضبان كضحايا لظلم لا يطاق”.

وأوضحت أن محمود لم توجه إليه أي تهمة بارتكاب أي جريمة، لكن إدارة ترامب أرادت ترحيله على أساس نص قانوني نادر الاستخدام يسمح بترحيل غير المواطنين الذين يُعتبرون تهديدًا للسياسة الخارجية.

وأكدت أن الاضطهاد الموجه لزوجها كان نتيجة مباشرة لنشاطاته السياسية السلمية. دفاعا عن الحقوق الفلسطينية.

وفي رسالتها، أعربت عبدالله عن فخرها الشديد بخليل، ووصفته بالرجل الذي يجسد كل ما كانت تريده في شريك حياتها وأب أبنائها.

وأضافت: “ماذا عساي أن أطلب أكثر من رجلٍ يدافع بثباتٍ عن حرية شعبه؟ شجاعتك لا حدود لها، واليوم أنا معجبٌ أكثر من أي وقتٍ مضى بعزيمتك.”

وانتقدت بشدة ما اعتبرته حملة قمع من جانب الحكومة الأميركية على الأصوات المؤيدة للفلسطينيين بحجة مكافحة معاداة السامية، وأشارت إلى أن الجامعات، من جانبها، لم تكن تحمي طلابها بل كانت متواطئة من خلال الصمت. وكتبت: “إن سجنهم الظالم دليل على أنك أثرت عليهم وكشفت رواياتهم”.

واختتمت رسالتها برسالة تحدٍّ وصمود: “سنلتقي قريبًا، ولكن حتى ذلك الحين، سأواصل النضال من أجلكم، ومن أجلنا، ومن أجل عائلتنا. أعلم أن روحكم لا تُقهر، ولن تُهزموا، وستخرجون أقوى. أنا متأكدة من أنكم عند إطلاق سراحكم سترفعون أيديكم وتهتفون: فلسطين حرة”.


شارك