وثيقة الأخوة الإنسانية.. كيف تجسدت صداقة البابا فرانسيس مع شيخ الأزهر؟

أعلن الكاردينال كيفن فاريل، رئيس دائرة شؤون الكرسي الرسولي في الفاتيكان، وفاة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في بيان صباح اليوم الاثنين.
“في صباح هذا الاثنين، عند الساعة 7:35 صباحًا، عاد أسقف روما، فرانسيس، إلى بيت الآب. لقد كرّس حياته كلها لخدمة الرب وكنيسته”، قال فاريل.
عانى البابا من ضيق في التنفس وتلقى عمليات نقل دم بعد أن أظهرت الاختبارات انخفاض مستويات الصفائح الدموية، وهي ضرورية لتخثر الدم.
وجه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رسالة إلى البابا فرنسيس خلال أزمته الصحية وتمنى له الشفاء العاجل.
وجاء في رسالة الإمام أحمد الطيب: “أسأل الله أن يمن على أخي العزيز البابا فرنسيس بالشفاء العاجل وأن يمنحه الصحة والعافية ليواصل مسيرته في خدمة الإنسانية”.
لقد أدرك الدكتور أحمد الطيب والبابا فرنسيس دورهما الإنساني تجاه البشرية جمعاء، وأراد الله تعالى أن يتزامن تنصيبهما في وقت يعاني فيه العالم من مشاكل وأزمات وتحديات عديدة محلياً ودولياً. في ظل الحروب الأهلية، وأزمات اللاجئين، والإرهاب، وتآكل القيم الأخلاقية في كل المجالات، وتلاشي صوت العقل في السياسة والأعمال والمجتمع والإعلام، وصعود الخطاب اليميني المتطرف، ينجرف العالم في بحر عاصف يهدد بتدمير القيم الإنسانية، بحسب الموقع الرسمي للأزهر الشريف.
• الأزهر والفاتيكان: خلافات الماضي وجسور التقارب
أصبحت العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم الإسلامي متوترة في سبتمبر/أيلول 2006 عندما ألقى البابا محاضرة في إحدى الجامعات الألمانية أعرب فيها عن اعتقاده بأن “الإسلام ميال إلى العنف ويفتقر إلى العقلانية”.
في ذلك الوقت، اقتبس البابا بنديكت السادس عشر فقرة من حوار يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومفكر فارسي. فتذكر كلام الإمبراطور: «أرني ما الجديد الذي قدمه محمد، ولن تجد إلا أشياء شيطانية وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الإيمان بالسيف». وأعرب البابا بنديكت السادس عشر مرارا وتكرارا عن أسفه لردود الفعل على خطابه، لكنه لم يقدم الاعتذار الصريح الذي طالب به المسلمون في ذلك الوقت.
واستأنف الأزهر والفاتيكان الحوار بينهما في عام 2009 لتعزيز العلاقات بين المؤسستين الدينيتين. لكن التوترات تصاعدت مجددا في يناير/كانون الثاني 2011 بعد زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر. أدان تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، ودعا إلى حماية المسيحيين في مصر بعد الهجوم الذي أسفر عن مقتل 23 شخصًا. واعتبر الأزهر هذه التصريحات تدخلا في الشأن الداخلي المصري، خاصة وأنها جاءت في سياق ما وصفه بـ”الهجمات السلبية المتكررة على الإسلام” من قبل البابا السابق.
وفي أعقاب ذلك أعلن الأزهر تعليق العلاقات مع الفاتيكان إلى أجل غير مسمى، مما أدى إلى خلاف استمر عدة سنوات. وعاد الحوار إلى الواجهة بعد تولي البابا فرنسيس رئاسة الفاتيكان عام 2013 وعمله على بناء جسور جديدة للتواصل مع الأزهر وتعزيز العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
• اللقاء الأول.. بناء الجسور لا الجدران
في مايو/أيار 2016، استضاف الفاتيكان لقاءً تاريخياً بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا فرانسيس. وكان هذا أول لقاء رسمي بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والإمام الأكبر شيخ الأزهر بعد سنوات من القطيعة.
وشكل اللقاء مرحلة جديدة من الحوار بين الإسلام والمسيحية. وناقش الجانبان سبل تعزيز السلام العالمي ومحاربة التطرف الديني ونشر ثقافة التسامح والتعايش بين الشعوب.
حظي الإمام الطيب باستقبال حار في الفاتيكان. وأكد خلال اللقاء أن التواصل بين الأزهر والفاتيكان أمر بالغ الأهمية لمعالجة الأزمات العالمية. وأكد البابا فرنسيس على أهمية التعاون مع الأزهر الشريف باعتباره مرجعاً إسلامياً كبيراً، مشيراً إلى أن العالم يجب أن يبني الجسور وليس الجدران.
بعد اللقاء التاريخي الأول بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا فرانسيس، التقى بابا الفاتيكان مرة أخرى في مايو 2016 لتعزيز الحوار والسلام العالمي. في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، استقبل البابا فرنسيس الإمام الأكبر شيخ الأزهر في المقر البابوي بالفاتيكان، حيث ناقشا سبل تعزيز السلام ومكافحة التطرف والعنف. وتناول اللقاء قضايا الصراع الطائفي والاضطهاد الديني والعنصرية، وأكد على أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش. واتفق الجانبان على تكثيف الحوار الحضاري بين الشرق والغرب وتنسيق الجهود بين الأزهر والفاتيكان لترسيخ قيم السلام وحماية الإنسانية من العنف والتطرف.
أعرب البابا فرنسيس عن فخره بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وجهوده الواسعة لنشر قيم السلام والمحبة في العالم.
وفي أعقاب اللقاء، دعا البابا فرنسيس الإمام الطيب إلى الغداء في منزله الخاص، مما يعكس العلاقة العميقة والاحترام المتبادل بين الزعيمين الدينيين.
• زيارة القاهرة
في 28 أبريل 2017، التقى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، البابا فرانسيس الثاني بابا الفاتيكان، في مكتبه بمشيخة الأزهر خلال زيارته للقاهرة.
• الأخوة الإنسانية
وفي فبراير/شباط 2019، استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين، بهدف تحفيز الحوار حول التعايش والإخاء بين الناس وسبل تعزيزهما على مستوى العالم. ويهدف المؤتمر إلى مكافحة التطرف الفكري وآثاره السلبية، وتعزيز العلاقات الإنسانية، وإيجاد أسس جديدة للعلاقات بين أبناء الديانات والمعتقدات المختلفة على أساس احترام التنوع.
وتزامن المؤتمر مع الزيارة المشتركة لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية، إلى دولة الإمارات.
ووقع على وثيقة المؤتمر أكثر من 400 من الزعماء والممثلين الدينيين والشخصيات الثقافية والفكرية من مختلف أنحاء العالم.
وأكدت الوثيقة على أهمية الحوار بين الأديان كوسيلة لنشر السلام ورفض كل أشكال العنف والتطرف التي تمارس باسم الدين. كما يدعو إلى احترام حرية المعتقد والفكر ويؤكد على مبدأ المساواة بين جميع الناس بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسهم.
وتضمنت الوثيقة التزاما بحماية حقوق المرأة والطفل، ودعم التعليم والتنمية، وتعزيز العدالة الاجتماعية والتضامن بين الشعوب.
وحظيت الوثيقة باهتمام دولي كبير، واعتمدتها الأمم المتحدة، التي أعلنت يوم الرابع من فبراير/شباط يوما عالميا للأخوة الإنسانية، مؤكدة على دورها في تعزيز ثقافة الحوار والتسامح بين الأديان.