بين شجاعة وتمرد.. ابتهال أبو سعد التي احتجت لتثير ضجة ضد مايكروسوفت

بين الشجاعة والتمرد، كان صوت مهندسة الذكاء الاصطناعي المغربية ابتهال أبو سعد مسموعاً في قاعة مليئة بالخبراء والمهندسين وصناع القرار. لإيقاف خطاب الرئيس التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي في شركة مايكروسوفت الذي قال فيه: “أنتم مثيرو الحروب! توقفوا عن استخدام الذكاء الاصطناعي للإبادة الجماعية!”
ولكن من هي ابتهال أبو سعد؟ كيف وصلت إلى مايكروسوفت قبل الانضمام إلى منصة الاحتجاج؟
مسار أكاديمي استثنائي: من ثانوية مولاي يوسف إلى هارفارد
لم تكن التكنولوجيا مجرد شغف عابر في حياة ابتهال أبو سعد. إنه خيط دقيق يربط طموحاتها منذ سنوات مراهقتها في الرباط. ولدت هناك، في العاصمة المغربية، في عام 1999. التحقت بثانوية مولاي يوسف، إحدى أعرق المدارس العلمية في البلاد، وتخرجت منها في عام 2017 بتخصص الرياضيات.
لكن نقطة التحول الأكثر أهمية جاءت قبل عام من تخرجها، عندما تم نقل ابتهال مؤقتًا من الفصول الدراسية في المدرسة إلى مختبرات التكنولوجيا في الولايات المتحدة. أقيم هذا الحدث في صيف عام 2016 كجزء من برنامج TechGirls الممول من وزارة الخارجية الأمريكية، والذي يهدف إلى تمكين الفتيات في سن ما بين 15 و17 عامًا في مجالات العلوم والهندسة والرياضيات.
خلال هذه الفترة، وثّقت ابتهال تجاربها في فيديو قصير نُشر على يوتيوب: “كانت تجربة غيّرت حياتي. أتاحت لي اكتساب خبرة من خلال زيارة شركات التكنولوجيا ومختبرات الهندسة في الولايات المتحدة، والالتقاء ببعض شركات التكنولوجيا الرائدة عالميًا. خلال هذه الفترة، اكتسبت مهارات أستخدمها اليوم لتغيير واقع المعرفة التكنولوجية في مجتمعي”.
لكن التأثير لم يكن تقنيًا فحسب، بل ثقافيًا أيضًا: “استفدتُ من التبادل الثقافي مع فتيات من جنسيات مختلفة. ولأول مرة، شعرتُ أن لي صوتًا، وأن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداةً للتغيير الحقيقي”.
وبعد عودتها إلى المغرب، لم تنتظر حتى تخرجت من المدرسة الثانوية لبدء مسيرتها المهنية. أسست مع زملائها منتدى “IT Weekend”. تعليم الفتيات من الأسر ذات الدخل المنخفض أساسيات البرمجة. وشاركت بعد ذلك في Technovation Challenge، وهو برنامج دولي يعمل على تدريب الفتيات على استخدام التكنولوجيا لحل المشكلات في مجتمعاتهن من خلال تطبيقات الهاتف المحمول.
وواصلت عملها الاجتماعي أثناء دراستها في جامعة هارفارد، حيث حصلت على منحة دراسية لدراسة علوم الكمبيوتر مع التركيز على الذكاء الاصطناعي. شاركت في برنامج محو الأمية الرقمية في جامعة ولاية بوسطن، حيث قامت بتعليم الأطفال أساسيات البرمجة.
وفي مشروع أكثر طموحًا، شاركت في تأسيس Resintibus، وهي منظمة غير ربحية تعمل على حفظ وتوثيق السجلات الطبية الرقمية للاجئين.
بعد تخرجها، وصلت ابتهال أخيرًا إلى مايكروسوفت في عام 2022، وهو إنجاز توج سنوات من التميز. وفي أقسام الذكاء الاصطناعي، وجدت دعوتها في تطوير أدوات المراقبة وتحليل البيانات على Microsoft Azure، حيث أتيحت لها الفرصة للعمل على مشاريع طموحة كانت تحلم بها منذ المدرسة الثانوية.
الاحتجاج ضد مايكروسوفت: لحظة المواجهة
سادت أجواء احتفالية خلال احتفالات شركة مايكروسوفت بالذكرى الخمسين لتأسيسها، حيث أعلنت الشركة عن تحديثات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي. وكان الحضور ممتازا وكان الجميع ينتظر بفارغ الصبر كلمة الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي في الشركة مصطفى سليمان. ولكن ما حدث في تلك اللحظة كان مفاجئا تماما.
وفي مقطع فيديو انتشر سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، اقتربت ابتهال أبو سعد من منصة الاحتفال وقالت بصوت عالٍ للحضور: “عيب عليكم”، في إشارة إلى سليمان. وتابعت: “يدّعون استخدام الذكاء الاصطناعي لأهداف خيرية، لكن مايكروسوفت تبيع أسلحة الذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي. لقد قُتل 50 ألف شخص، ومايكروسوفت تساهم في الإبادة الجماعية في منطقتنا”.
حاولت إحدى المنظمات إبعادها عن الفعالية، إلا أنها استمرت في الاحتجاج. ورد سليمان على احتجاجها قائلاً: “شكرًا لك على احتجاجك، لقد سمعتك”. لكن أبو سعد تابع: “هناك دماء على يديك وعلى أيدي مايكروسوفت ككل”. وفي لفتة رمزية، ألقت بالكوفية الفلسطينية على المسرح للتعبير عن دعمها للشعب الفلسطيني قبل أن يتم إخراجها من الحدث.
لم يعد بإمكاني أن أبقى صامتًا: صرخة من داخل مايكروسوفت
ولم تكتف ابتهال ابو سعد باحتجاجها العلني. وفي صباح اليوم التالي، كشفت في رسالة بالبريد الإلكتروني اطلع عليها موقع The Verge، عن أسباب قرارها بالتحدث: “لم يعد بإمكاني الصمت بعد أن اكتشفت أن تكنولوجيا مايكروسوفت تُستخدم لدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي”، بدأت.
وأضافت أنها فوجئت بالعقد الذي وقعته الشركة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية بقيمة 133 مليون دولار، والذي يتضمن، بحسب تحقيق لوكالة أسوشيتد برس، تخزين كميات هائلة من البيانات عبر مايكروسوفت أزور. وبالنسبة لهم، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالتعاون التقني، بل “بالمساهمة المباشرة في مراقبة الفلسطينيين”.
واتهم أبو سعد أيضًا شركة مايكروسوفت بقمع الآراء المعارضة داخل الشركة. وأشار إلى فصل موظفين نظما احتجاجًا بشأن القضية نفسها: “لقد صدمتني صور الأطفال الأبرياء المغطاة بالرماد والدماء، ودموع الآباء المفجوعين، وتدمير عائلات ومجتمعات بأكملها. في الوقت نفسه، يُمكّننا عملنا في مجال الذكاء الاصطناعي من هذه المراقبة والقتل”.
وأضافت أنها عندما انضمت إلى قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، كانت متحمسة لتطوير التكنولوجيا من أجل الخير. لكن الواقع فاجأها: “لم أكن أعلم أن مايكروسوفت ستبيع عملي للجيش والحكومة الإسرائيليين للتجسس على الصحفيين والأطباء وعمال الإغاثة، ولقتل عائلات مدنية بأكملها. لو كنت أعلم أن عملي سيساعدهم في التجسس على المكالمات الهاتفية ونسخها لاستهداف الفلسطينيين تحديدًا، لما انضممت إلى تلك المنظمة وساهمت في الإبادة الجماعية”.
وفي ختام رسالتها، سلطت الضوء على الاستخدام المتزايد لهذه التقنيات، مشيرة إلى أن اعتماد الجيش الإسرائيلي على أدوات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت وOpenAI قد زاد بمقدار 200 ضعف في مارس 2025 مقارنة بالوقت الذي سبق 7 أكتوبر 2023. وأكدت أن هذه الأدوات “تدعم أكثر مشاريع الجيش حساسية وسرية، بما في ذلك بنك تارجت وسجل السكان الفلسطينيين”.
وأخيرًا، سألت موظفي الشركة: “بغض النظر عن انتماءاتكم السياسية، هل هذا هو الإرث الذي نرغب في تركه؟ هل العمل على أسلحة الذكاء الاصطناعي القاتلة أمرٌ يمكنكم إخبار أطفالكم عنه؟ هل نريد أن نكون على الجانب الخطأ من التاريخ؟”
إيقاف حساب ابتهال أبو سعد.. هل هو بداية حظرها من مايكروسوفت؟
ورغم أن شركة مايكروسوفت لم تصدر حتى الآن بيانا رسميا بشأن الحادث، فإن ابتهال أبو سعد قالت لوكالة أسوشيتد برس إنها لم تتلق أي اتصال من إدارة الشركة منذ الحادث.
ومع ذلك، أكدت أنها وزميلتها فانيا أجراوال، التي انضمت إلى احتجاجها، فقدتا الوصول إلى حسابات العمل الخاصة بهما ولم تتمكنا من تسجيل الدخول مرة أخرى. ويثير هذا تكهنات بأن الشركة قد تتخذ خطوات غير معلنة قد تؤدي إلى فصلهم أو تجميد وضعهم الوظيفي.
حماس تشيد بشجاعة أبو سعد
وفي بيان تضامني مع الحركة، أشادت حماس بموقف أبو سعد ووصفته بأنه “شجاع”، واعتبرته “نموذجا للأصالة الإنسانية والمبدأ الأخلاقي الذي يرفض التواطؤ في الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين”.
ووصفت الحركة تصرفات أبو سعد بـ”البطولية”، وقالت إنها كشفت “تواطؤ شركات التكنولوجيا الكبرى مع آلة الحرب الإسرائيلية”. ودعت أيضاً كافة موظفي الشركات الداعمة للاحتلال إلى الاقتداء بأبو سعد ورفض هذه الشركات.
ولم تكتف حماس بالتعبير عن دعمها لهذا الموقف، بل دعت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى اتخاذ خطوات جادة لمحاسبة هذه الشركات على تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني.
ردود الفعل المؤيدة لموقف أبو سعد
انتشر بسرعة مقطع فيديو لاحتجاج ابتهال أبو سعد عبر كافة منصات التواصل الاجتماعي، ما أثار تفاعلا غير مسبوق من المستخدمين مع استئناف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة.
وعلى صعيد الدعم المؤسساتي للفلسطينيين، حظيت وقفة أبو سعد الاحتجاجية بدعم من حساب صدى الاجتماعي المتخصص بحماية المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي. وقال في تغريدة: “موقف أبو سعد يؤكد شراكة شركات التكنولوجيا الكبرى، وأبرزها مايكروسوفت وجوجل وأمازون، في توفير الأدوات والتقنيات المستخدمة في العدوان المستمر على غزة، والتي قد ترقى إلى التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب”.
وانتشرت الحادثة أيضًا إلى موقع LinkedIn، وهي منصة تتعامل بشكل خاص مع الأعمال والتوظيف. وفي الساعات التي تلت الحادثة، لاحظ المستخدمون اختفاء حساب ابتهال أبو سعد فجأة من المنصة، مما أثار تساؤلات حول من كان مسؤولاً عن ذلك. ودعا كثيرون موقع LinkedIn، الذي تملكه مايكروسوفت بالكامل منذ عام 2016، إلى الشفافية وشرح أسباب حذف الحساب.