“بريكست أمريكي”.. ترامب يراهن على التعريفات الجمركية لإعادة صياغة الاقتصاد

في خطوة تاريخية قد تعيد تشكيل الاقتصاد الأميركي والعلاقات التجارية العالمية، يركز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل رئيسي على فرض الرسوم الجمركية – وهي الخطوة التي دعا إليها لعقود من الزمن، حسبما ذكرت صحيفة الغارديان.
ويأتي هذا التحول الجذري في السياسة التجارية بعد سنوات من التحذيرات والوعود، ويبدو أن ترامب يسعى إلى تحقيق رؤيته الطموحة التي يمكن أن تعيد تشكيل النظام الاقتصادي العالمي. ويقارن بعض المراقبين هذه الخطوة بخروج الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إذ قد يكون للقرار عواقب بعيدة المدى على الولايات المتحدة والعالم.
أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 و50 بالمئة على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، مما أثار قلق الحكومات والمستثمرين في جميع أنحاء العالم. وأشار ترامب إلى أن هذا التغيير لم يكن مفاجئا، مؤكدا أنه كان يدافع عن هذه السياسة لعقود من الزمن.
وقد تسبب الإعلان عن هذه التعريفات في أضرار جسيمة لأسواق الأسهم، مما دفع بعض المراقبين إلى مقارنة سياسات ترامب بـ”إعلان الاستقلال الاقتصادي” ومقارنتها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لهذه السياسة، أكد ترامب، الذي أعيد انتخابه بناء على وعد بجعل أميركا عظيمة مرة أخرى من خلال الرسوم الجمركية، أن هذا النهج كان جزءا من رؤيته المستمرة منذ عقود.
وفي بداية ولايته الثانية، تمكن ترامب من تنفيذ هذه السياسة بشكل جدي، متجاهلاً التحذيرات من أن هذه الاستراتيجية قد تأتي بنتائج عكسية على الاقتصاد الأميركي. ورغم تأكيده على استخدام التعريفات الجمركية لتحفيز الاقتصاد الأميركي وإنعاش التصنيع خلال حملته الانتخابية، فإن تصرفات إدارته بعد انتخابه كانت أكثر محدودية مما كان متوقعا، وركزت في البداية على عدد محدود من البلدان مثل الصين وكندا والمكسيك.
وفي حين تضررت الصين بشدة من الرسوم الجمركية، فإن فرض الرسوم الجمركية في كندا والمكسيك واجه العديد من التحديات والتأخيرات الكبيرة في تنفيذ هذه التدابير. وعلى الرغم من رفع الرسوم الجمركية على بعض السلع مثل الصلب والألمنيوم، فإن سياسة ترامب التجارية اتسمت بالتهديدات والخطابات، وغالبا دون اتخاذ إجراءات ملموسة.
وفي يوم الأربعاء، الذي وصفه ترامب بأنه “يوم التحرير”، حاول الرئيس الأمريكي التوصل إلى حل واضح بعد أسابيع من التردد وعدم اليقين، وأعلن عن فرض الرسوم الجمركية المضادة التي وعد بها في السابق. وعلى الرغم من معارضة العديد من خبراء الاقتصاد والشركات الكبرى، قرر ترامب أن يتبع غرائزه في هذه القضية.
وفي خطاب مثير للجدل، تناول ترامب التاريخ الأمريكي واستشهد بفرض ضريبة الدخل في عام 1913 باعتبارها السبب وراء التغيرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد. وأشار إلى أنه كان من الممكن تجنب الكساد الأعظم لو ظلت التعريفات الجمركية قائمة.
لكن العديد من المؤرخين ينتقدون هذا النهج ويزعمون أن قانون سموث-هالي لعام 1930، الذي زاد التعريفات الجمركية على مئات السلع المستوردة، يعتبر أحد العوامل التي ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية في ذلك الوقت. في غضون ذلك، يتوقع ترامب أن تؤدي هذه السياسة إلى “عصر ذهبي” جديد للاقتصاد الأميركي، مع خلق ملايين الوظائف الجديدة وزيادة كبيرة في الصادرات وعائدات الرسوم الجمركية.
ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك كبيرة بشأن الآثار الطويلة الأجل لهذه التدابير. وبحسب بعض التقديرات، فإن هذه التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة لأسرة أمريكية بنحو 3800 دولار سنويا. ويعني هذا أن هذه الإجراءات قد تصبح واحدة من أكبر زيادات الضرائب في تاريخ الولايات المتحدة.
وخلصت الصحيفة إلى أنه إذا نجحت سياسات ترامب التجارية، فقد تصبح إدارته من بين الأكثر نجاحا اقتصاديا في التاريخ الأميركي الحديث. ولكن إذا أثبتت هذه السياسة عدم فعاليتها، فإن الأميركيين أنفسهم قد يعانون من أسوأ العواقب، لأنهم انتخبوه بناء على وعده بخفض تكاليف المعيشة.