زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان خارج السباق الرئاسي: حكم قضائي صارم أم إقصاء سياسي؟

في تطور سياسي وقانوني كبير، حكمت محكمة فرنسية على زعيمة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان، بالسجن أربع سنوات، اثنتان منها يمكن تنفيذها بواسطة سوار إلكتروني في الكاحل، وغرامة قدرها 100 ألف يورو. والأهم من ذلك أنها مُنعت من المشاركة في الانتخابات لمدة خمس سنوات. وهذا يستبعدها أيضًا من الانتخابات الرئاسية لعام 2027.
**تفاصيل القضية وحكم المحكمة
وجاء الحكم في إطار قضية المساعدين البرلمانيين لحزب الجبهة الوطنية (التجمع الوطني حاليا). تتعلق القضية بمزاعم مفادها أن مساعدين برلمانيين تم توظيفهم في مناصب حزبية باستخدام أموال البرلمان الأوروبي، وهو ما اعتبرته المحكمة إساءة استخدام للأموال العامة. وفي القضية، تمت إدانة 23 شخصًا آخرين، بمن فيهم مسؤولون سابقون في الحزب، فيما تمت تبرئة شخص واحد فقط.
وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن المحكمة قررت تطبيق الاستبعاد السياسي بشكل فوري. وهذا يعني أنه حتى لو استأنفت لوبان الحكم، فلن تتمكن بعد الآن من الترشح في أي انتخابات. واعتبر أنصارها هذا بمثابة ضربة قاتلة لطموحاتها السياسية.
**لوبان ترد: «الأهداف السياسية والديمقراطية في خطر»
ردت مارين لوبان على الفور. وظهرت في نشرة الأخبار المسائية على قناة IF1 الفرنسية ووصفت الحكم بأنه “قرار سياسي” يهدف إلى عرقلة مسيرتها السياسية. ووصفت ذلك بأنه “يوم أسود للديمقراطية الفرنسية”. وأكدت أنها ستستأنف الحكم، ودعت إلى عملية استئناف سريعة لإلغاء الحكم، الأمر الذي قد يعني نهاية مسيرتها السياسية.
وأضافت لوبان بلهجة مليئة بالتحدي: لن أستسلم، سأواصل النضال حتى النهاية. يستخدمون القضاء كسلاح سياسي للإطاحة بي، لكن في النهاية الشعب الفرنسي هو من سيحسم الأمر.
**بارديلا يدعو إلى التعبئة الشعبية والدعم الأوروبي القوي
ووصف جوردان بارديلا، زعيم التجمع الوطني، الحكم بأنه “إعدام سياسي” وانتهاك صارخ للديمقراطية، ودعا إلى “حشد سلمي للسكان” للاحتجاج على محاولة القضاء إسكات المعارضة. كما أطلق الحزب عريضة لجمع توقيعات من أنصاره ضد الحكم.
وفي المقابل، حظيت لوبان بدعم قوي من حلفائها في أوروبا الشرقية. وكتب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على موقع X (تويتر سابقًا): “أنا أقف مع مارين!” ووصفت موسكو الحكم بأنه “انتهاك لمبادئ الديمقراطية”.
**الانقسام الداخلي وردود الفعل المختلطة
وفي فرنسا، أثار الحكم انقساما سياسيا حادا. ورأى بعض السياسيين أن القرار له آثار غير مسبوقة على الحياة السياسية.
صرح لوران ووكييه، رئيس الحزب الجمهوري: “في ظل الديمقراطية، ليس من الطبيعي منع زعيم سياسي من الترشح لمنصب. إنها عقوبة قاسية واستثنائية”.
وقال جان لوك ميلينشون، زعيم اليسار الراديكالي: “يجب على الشعب أن يقرر اختيار قادته، وليس القضاء”. وأكدت مارين تونديلييه، زعيمة حزب الخضر، أنه يجب احترام قرار المحكمة: “مارين لوبان مواطنة مثل أي مواطن آخر ويجب محاسبتها على أفعالها”.
المجلس الأعلى للقضاء يحذر من المساس باستقلال القضاء.
ردا على مزاعم تسييس القضاء، أصدر المجلس الأعلى للقضاء بيانا نادرا أعرب فيه عن “قلقه العميق” إزاء الهجمات على استقلال النظام القضائي، وأكد أن القرارات القضائية يجب أن تحترم وتكون خالية من التوترات السياسية.
**هل يعني الحكم النهاية السياسية للوبان؟
ورغم شدة الحكم، فإن استئناف مارين لوبان قد يغير النتيجة، خاصة إذا نجح فريقها القانوني في إلغاء الحكم أو تعديله. ولكن إذا فشلت هذه المحاولة، فإن المشهد السياسي الفرنسي سيترك فراغا كبيرا في أقصى اليمين، وربما يفتح الباب أمام وجوه جديدة، وأبرزها جوردان بارديلا، الذي ينظر إليه باعتباره خليفة محتملا للوبان كزعيم للتجمع الوطني.
وتساءلت الصحيفة الفرنسية: “هل يعكس هذا الحكم مزيدا من المساءلة للسياسيين أم أنه محاولة لاستبعاد لوبان قانونيا من السباق الرئاسي؟”