ننشر نص كلمة السيسي خلال القمة الإسلامية الطارئة بالدوحة

منذ 2 ساعات
ننشر نص كلمة السيسي خلال القمة الإسلامية الطارئة بالدوحة

حضر الرئيس عبد الفتاح السيسي القمة العربية الإسلامية في العاصمة القطرية الدوحة، والتي تناولت الاعتداء الإسرائيلي على دولة قطر الشقيقة.

صرح المتحدث الرسمي باسم الرئيس، السفير محمد الشناوي، بأن القمة ركزت على العدوان الإسرائيلي الأخير، وأكدت على وحدة الصف العربي والإسلامي في رفض هذا الانتهاك الصارخ للسيادة العربية. كما أكد على أهمية تضافر الجهود لمنع انزلاق المنطقة إلى مزيد من الصراع والعنف، لما قد يؤدي إليه من تفاقم التوتر وعدم الاستقرار.

وأشار المتحدث الرسمي إلى أن الرئيس ألقى كلمة خلال القمة عبر فيها عن رؤية مصر تجاه التطورات الراهنة، ودعمه الثابت للوحدة العربية الإسلامية، ورفضه أي مساس بسيادة الدول أو تهديد أمنها واستقرارها.

وفيما يلي نص كلمة السيد الرئيس: “بسم الله الرحمن الرحيم”. أخي صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية والإسلامية الشقيقة، أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، حسين إبراهيم طه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي.

أود في البداية أن أتقدم بخالص الشكر لأخي صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وللدولة الشقيقة قطر، على استضافة هذه القمة المهمة. تنعقد هذه القمة في توقيت حرج، في ظل التحديات الجسيمة التي تواجهها المنطقة. تسعى إسرائيل إلى تحويل هذه المنطقة إلى ساحة مفتوحة لعدوانها، مما يُعرّض استقرار المنطقة بأكملها للخطر، ويُشكّل انتهاكًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين، وللقواعد الراسخة للنظام الدولي.

وأود أيضاً أن أعرب لقيادة وشعب قطر الشقيق عن تضامن مصر الكامل ودعمها لأشقائها في مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم على الأجواء والأراضي القطرية، والذي يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويشكل سابقة خطيرة وتهديداً للأمن القومي العربي والإسلامي.

أود أن أؤكد أن هذا العدوان يُظهر بوضوح أن الممارسات الإسرائيلية تتجاوز كل المنطق السياسي والعسكري وتتجاوز كل الخطوط الحمراء. وأدين بشدة هذا العدوان الإسرائيلي على سيادة وأمن دولة عربية تلعب دورًا محوريًا في جهود الوساطة مع مصر والولايات المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإنهاء الحرب والمعاناة غير المسبوقة للشعب الفلسطيني الشقيق.

كما أحذر من أن السلوك الإسرائيلي المنفلت الذي نشهده، والذي يزعزع استقرار المنطقة، من المرجح أن يؤدي إلى تصعيد الصراع ودفع المنطقة إلى دوامة تصعيد خطيرة. وهذا أمر مرفوض وغير مقبول.

تدعو مصر المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية لضمان عدم تكرار هذه الاعتداءات، ولإنهاء الحرب الإسرائيلية الوحشية. وهذا يتطلب المحاسبة اللازمة للمسؤولين عن هذه الانتهاكات الصارخة، ووضع حد لـ”الإفلات من العقاب” الذي أصبح سائدًا في الممارسات الإسرائيلية.

لقد بات واضحًا أن النهج العدواني للجانب الإسرائيلي يهدف عمدًا إلى إفشال جميع فرص التهدئة والتوصل إلى اتفاق يضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى والمختطفين. ويشهد هذا النهج أيضًا على غياب الإرادة السياسية لدى إسرائيل لاتخاذ خطوات جادة نحو السلام في المنطقة.

إن غطرسة إسرائيل الجامحة وتعنتها المتزايدة تستدعي منا، كقادة للعالمين العربي والإسلامي، أن نتعاون على إرساء أسس ومبادئ تعبر عن رؤانا ومصالحنا المشتركة. ولعل اعتماد مجلس جامعة الدول العربية لقرار “الرؤية المشتركة للأمن والتعاون الإقليمي” خلال اجتماعه الوزاري الأخير يُشكل نواة نبني عليها، ويؤدي إلى توافق عربي وإسلامي على إطار للأمن والتعاون الإقليمي، ويضع آليات التنفيذ اللازمة لمعالجة الظروف الدقيقة التي نمر بها. وينبغي أن يتم ذلك بما لا يمنع الهيمنة الإقليمية من طرف واحد، أو فرض اتفاقيات أمنية أحادية الجانب تُقوّض أمن واستقرار الدول العربية والإسلامية.

على إسرائيل أن تدرك أن أمنها لا يتحقق بالعنف والعدوان، بل بالالتزام بالقانون الدولي واحترام سيادة الدول العربية والإسلامية. ولا يجوز المساس بسيادة هذه الدول تحت أي ذريعة، وهذه المبادئ غير قابلة للتفاوض.

لذلك، يجب على العالم أجمع أن يُدرك أن سياسات إسرائيل تُقوّض فرص السلام في المنطقة، وتتجاهل القانون الدولي والأعراف المُستقرة والقيم الإنسانية. إن استمرار هذا السلوك لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على الأمن الدولي.

إلى الشعب الإسرائيلي، أقول: “إن ما يحدث الآن يُقوّض مستقبل السلام، ويهدد أمنكم وأمن جميع شعوب المنطقة، ويحول دون أي أمل في إبرام اتفاقيات سلام جديدة. بل إنه يُخرّب اتفاقيات السلام القائمة مع دول المنطقة. ستكون العواقب وخيمة: ستعود المنطقة إلى أجواء الصراع، وستُبدد الجهود التاريخية للسلام والمكاسب التي تحققت من خلالها. سندفع جميعاً هذا الثمن، دون استثناء. لا تدعوا جهود أجدادنا من أجل السلام تذهب سدىً، وإلا فسيكون كل ندم بلا طائل”.

تُجدد مصر رفضها القاطع للاعتداءات على المدنيين، ولسياسة العقاب الجماعي والتجويع التي تنتهجها إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء خلال العامين الماضيين. وأؤكد هنا أن الحلول العسكرية، وإحباط جهود الوساطة، والاستمرار في فرض الأمر الواقع بالقوة الغاشمة، لن يوفر الأمن لأيٍّ من الجانبين.

وفي هذا السياق، ستواصل مصر دعمها الكامل لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتمسكه بهويته وحقوقه المشروعة وفق القانون الدولي. كما ستعارض مصر أي محاولة للنيل من هذه الحقوق غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان، أو مصادرة الأراضي، أو التهجير، أو أي شكل آخر من أشكال طرد الفلسطينيين من أرضهم، تحت ذرائع ومبررات مرفوضة في أي حال من الأحوال. تُجدد مصر رفضها القاطع لأي مقترحات من شأنها تهجير الفلسطينيين من أرضهم، فهي لا تستند إلى أي أساس قانوني أو أخلاقي، ولن تؤدي إلا إلى تصعيد الصراع وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

لقد آن الأوان للتعامل مع القضية الفلسطينية بجدية وحزم، فهي مفتاح الاستقرار في المنطقة. إن الحل العادل والشامل لهذه القضية المحورية في العالمين العربي والإسلامي يقوم على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

في هذا السياق، أجدد تأكيد أمل مصر في أن يُمثل مؤتمر حل الدولتين، المقرر عقده في 22 سبتمبر/أيلول على هامش الدورة رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، محطةً حاسمةً على طريق التوصل إلى حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، لا سيما من خلال الاعتراف بدولة فلسطين. وأجدد دعوتي إلى جميع الدول التي لم تتخذ هذه الخطوة بعدُ للاعتراف الفوري بدولة فلسطين، لأن هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على حل الدولتين.

نحن في لحظة حرجة، حيث يجب أن تكون وحدتنا ركيزةً أساسيةً في مواجهة التحديات التي تواجه منطقتنا. علينا أن نضمن عدم الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والصراع، وأن نمنع فرض اتفاقيات إقليمية تتعارض مع مصالحنا ورؤيتنا المشتركة.

رسالتنا اليوم واضحة: لن نتهاون مع أي مساس بسيادة بلداننا، ولن نسمح بعرقلة جهود السلام. سنقف جميعًا صفًا واحدًا دفاعًا عن الحقوق العربية والإسلامية، وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة والعيش بحرية وكرامة وأمان.

وأخيرًا، علينا أن نغيّر نظرتنا إلى العدوّ إلينا، حتى يدرك أن لكلّ دولة عربية، تمتدّ من البحر إلى الخليج، مظلةً حاميةً واسعةً تتسع لجميع الدول الإسلامية والمحبة للسلام. ويتطلب تغيير هذه النظرة قراراتٍ وتوصياتٍ حاسمةً، وتطبيقًا جادًا وصادقًا، لردع أيّ معتدٍ وتحذير أيّ مغامر.

في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، لا بد لنا من إرساء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون تُمكّننا جميعًا من مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية الكبرى التي تحيط بنا. إن إنشاء هذه الآلية سيعزز جبهتنا وقدرتنا على مواجهة التحديات الراهنة، واتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أمننا ومصالحنا المشتركة. ومصر، كعادتها، تدعم كل جهد جاد لتحقيق السلام العادل، وتعزيز أمن واستقرار العالمين العربي والإسلامي.


شارك