إهانة النساء تحت مظلة الكوميديا: لماذا تتمسك بعض الممثلات بالنمط نفسه؟

منذ 2 ساعات
إهانة النساء تحت مظلة الكوميديا: لماذا تتمسك بعض الممثلات بالنمط نفسه؟

في السنوات الأخيرة، تصاعد الجدل في السينما المصرية حول تصوير المرأة في الأفلام الكوميدية، حيث أصبحت الشخصيات النسائية في كثير من الأحيان موضع ضحك من خلال الإهانات المباشرة أو المبطنة.

يتجلى ذلك في مشاهد تتراوح بين السخرية والتنمر والضرب والتحرش. تبدو هذه الأساليب مألوفة على الشاشة، لكنها تعكس إصرارًا على الحفاظ على أنماط متكررة تُقلل من قيمة المرأة وتُحوّلها إلى مجرد وسيلة لإضحاك الجمهور.

مع أن هذه الظاهرة ليست بجديدة في تاريخ السينما، إلا أنه من الملاحظ مؤخرًا تزايد انتشارها وتنوع أشكالها. وأصبحت إهانة المرأة جزءًا أساسيًا من الكوميديا. وتُعد أعمال تامر حسني خير مثال على ذلك. فنادرًا ما يخلو فيلم من مشاهد تُهين البطلة وتُسخر منها. ويمكن ملاحظة هذا النهج أيضًا في أعمال محمد رمضان وأحمد عز وغيرهما من النجوم.

* الصور النمطية المتكررة

تُجسّد المرأة في هذه الأفلام أسلوبًا نمطيًا. فهي عادةً امرأة جميلة وفقًا لمعايير الجمال المقبولة اجتماعيًا، لكنها في الوقت نفسه وعاءٌ صُممت شخصيته لاستقبال تصرفات البطل (الرجل) وإسقاط كلماته ونكاته وحركاته عليها لأغراض فكاهية.

تتميز الشخصية أيضًا بصفات خاصة: فهي امرأة سطحية وفارغة، تنجذب إلى التحرش اللفظي ومحاولة انتهاك خصوصيتها، وتضحك على التنمر والسخرية، وتنشأ علاقة عاطفية مع من يحاولون السيطرة عليها. تشترك في هذه الصفات شخصيات مثل عفاف في فيلم “إعادة تشغيل”، وحبيبة في فيلم “بحبك” (كلاهما من إخراج تامر حسني)، ونبيلة في مسلسل “السيب وأنا السيب”، وكراميلة في فيلم “الشاطر” مع أمير كرارة. جميع هذه الأدوار أدّتها هنا الزاهد، لكن هذا لا يعني أنها الممثلة الوحيدة التي رضخت لهذا الدور. قدّمت أسماء جلال مشاهد مماثلة في الجزء الأخير من فيلم “أولاد رزق” (تأليف صلاح الجهيني)، المرأة المجنونة التي تُسيطر عليها هرموناتها، واستهدفت معظم مشاهدها التخفيف من حدة الحبكة وإضفاء لمسة كوميدية على الفيلم.

إن ذكر تامر حسني في هذا السياق لا يعني خروجه عن دوره، فتامر ليس مجرد ممثل في الأعمال، بل يكتبها ويشارك في صناعتها ويطرح أفكارها. ونلاحظ أن تامر لا يتفاعل عادةً مع البطلة أمامه، إلا لإضحاكها بالسخرية، فهذا أسلوبه المعتاد منذ أفلامه الأولى “عمر وسلمى” حتى الآن، ويضع فعل (التحرش) ضمن المشهد الدرامي في سياق كوميدي محبب لدى النساء.

* الكوميديا وأجساد النساء

إن مشكلة السخرية من النساء والتحرش بهن ليست جديدة، ولا تقتصر على أفلام تامر حسني أو الشخصيات التي جسدتها هنا الزاهد، فقد ظهرت في العديد من الأفلام السابقة، وخاصةً أفلام عادل إمام ومسرحيات سمير غانم.

عادةً ما تتفاعل الشخصيات النسائية بإيجابية مع هذه الأفعال، وتقع لاحقًا في حب البطل، كما حدث في أول لقاء بين هناء وتامر في فيلم “أحبك”، حيث تحرش بها لفظيًا، وفي مشاهد أخرى تضمنت ضربًا. نجد أمثلة كثيرة على ذلك في فيلم “إعادة تشغيل”. في مشهد واحد فقط، لا يتجاوز مدته دقيقة واحدة في الفيلم، تتلقى عفاف (الشخصية التي تؤديها هناء) لكمتين في وجهها دون سبب.

تشرح العديد من المقالات الأكاديمية والأطروحات النسوية كيف تُعزز هذه المشاهد الصورة النمطية للمرأة التي يُمكن إهانتها في أي وقت. على سبيل المثال، وجدت دراسة نفسية (نُشرت في مايو 2015) أن النكات الجنسية المهينة لا تُثير الضحك فحسب، بل لها أيضًا آثار نفسية مباشرة على النساء. في الدراسة، التي أجراها الباحث توماس فورد وفريقه، شاهد رجال ونساء مقاطع كوميدية؛ بعضها كان محايدًا، والبعض الآخر احتوى على محتوى جنسي ساخر أو مُسيء. وكانت النتائج كما يلي:

كانت النساء اللاتي شاهدن النكات الجنسية أكثر عرضة لرؤية أنفسهن بناءً على مظهرهن، كما لو كان الآخرون يحكمون على أجسادهن.

كما عانوا من مستويات متزايدة من “مراقبة الجسد”، وهو انشغال دائم بمظهرهم وكيف تبدو أجسادهم للآخرين. في المقابل، لم يحدث هذا التأثير لدى الرجال الذين شاهدوا نفس المقاطع.

يؤكد الباحثون أن الأمر ليس بالأمر الهيّن. فوفقًا لـ”نظرية التشييء”، فإن هذه التجارب اليومية – حتى لو بدت خفيفة أو سخيفة – تُعزز شعور المرأة بأن قيمتها تعتمد على شكل جسمها. وقد يؤدي هذا لاحقًا إلى مشاكل أعمق، كالقلق وتشتت الانتباه، وحتى ضعف الأداء في مواقف حياتية مختلفة.

وجد الباحثون أن “النكات الجنسية ليست بريئة كما نعتقد. إنها تُسهم في ثقافة تُقيّم فيها النساء بناءً على أجسادهن لا عقولهن”.

التأثير الثقافي هو أن الكوميديا، التي يُفترض أن تتجاوز الحدود وتُنشئ الحرية، تُصبح آليةً تُعيد إنتاج السيطرة على الجسد. فبدلاً من تحرير المرأة بالضحك، يُذكَّر أن قيمتها الاجتماعية تُختزل في جاذبيتها الجسدية.

* خطاب سينمائي لا يحاول الخروج عن الشكل.

تُعلّق آية منير، الناشطة النسوية ومؤسسة مبادرة “المرأة الخارقة”، على هذا الموضوع قائلةً: “في مجتمعنا، ثمة تصور سائد بأن الأنوثة والحنان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالتبعية للرجال والغباء. وتربيتنا تعكس هذه الأفكار المفروضة علينا”. أما إهانة هنا الزاهد في إطار مسرحي كوميدي، فلا يقتصر الأمر على هنا الزاهد فقط، فهي ببساطة تمتلك الصفات الجسدية للمرأة الجميلة، والتي يمكن ربطها بصفات تُفيد الصور النمطية الاجتماعية. ومن بين الممثلين الذين يُكرّسون هذه الصور النمطية بشكل متكرر تامر حسني ومحمد رمضان وأحمد العوضي. إلا أن تامر فريد في هذا الصدد. فهو يعكس في أفلامه صفات الرجل الواثق، المثقف، والمتعلم. ولإبراز هذه الصفات، يختار ممثلةً يعكس من خلالها الجانب الأنثوي الذي نسبه المجتمع للمرأة: الغباء والضعف والقيود. ويربط هذه الصفات بالصفات المعاكسة التي تُميّز الرجال من خلال مشاهد تُكرّس هذا المعنى مرارًا وتكرارًا. التباين: هي غبية، وهو ذكي، هي محدودة، وهو لا حدود له. في المشاهد… أُخرجت هذه المشاهد من سياق دراما الفيلم، وبطبيعة الحال، تحمل هذه المشاهد دلالات عنيفة، لأننا في مجتمعنا نُطبّق على العديد من الأفعال التي تُصنّف تحت مسمى العنف. يستخدم هذه الأفعال كأدوات كوميدية، ومن خلال هذا العنف، يُعزز ضعف المرأة في المشهد، لأن العنف يُولّد التوتر اللازم للمشهد.

أعربت الناقدة منار خالد عن التناقض بين الخطاب السائد ومحاولات تحسين وضع المرأة وما تقدمه السينما باستمرار: “في ظل محاولات القضاء على ثقافة الإهانة والعنف ضد المرأة، لا بد أن يتجلى هذا الخطاب نفسه في السينما، إذ روّجت العديد من الأعمال الفنية للعنف ضد المرأة علنًا، بل وداخليًا كأشكال عنف مُقنّعة، ناقلةً خطابًا مُحرّضًا بأشكال لا تُحصى. ومع ذلك، ونظرًا لمواكبة عصره، الذي لم ترتفع فيه نبرة الخطابات الداعية للقضاء عليه، ربما يكون الفن قد ساهم بشكل كبير في انتشار هذا العنف. والأهم هو النظر إلى الحاضر وما نشهده اليوم: استمرار العنف المُمنهج ضد المرأة، وإن كان بانفتاح يتجاوز القناع المُبطّن. ولعل أبرز الأمثلة أفلام تامر حسني، التي تعتمد كليًا على نشر خطاب العنف ضد المرأة، مُختبئةً وراء حقيقة أنها تُوصل رسائل مهمة للشباب والمجتمع. إلا أن الكارثة الأكبر هي إقرار إجبار النساء على أداء أدوار تُسيء إلى صورتهن وصورة المجتمع. النساء عمومًا. أبرز ممثلات هذا المشهد هنّ… حاليًا، هي زاهدة هنا.

أعتقد أن السبب الرئيسي وراء تمسك هنا الزاهد بهذه الأنماط هو غياب الثقافة الكافية لدى كثير من ممثلي جيل اليوم تجاه مسؤوليتهم تجاه مفردات جيلهم. هنا وجيلها أبناء جيل يُسمّي الأشياء بأسمائها، ويُصوّر الأفعال، ويُحرّر الكوميديا من استهزاء الجسد، جيل صنّفها ضمن المفاهيم التقليدية للكوميديا. أما اليوم، فهناك محاولات تقدمية لإخراج كل ما يُهين الإنسان ووضعه في إطاره الصحيح ومسمّاه الصحيح. إن عدم مواكبة هذه المحاولات ليس إلاّ نقصًا في الوعي بالتطور، نتيجة نقصٍ كبير في الثقافة، لا يقتصر على الكتب والقراءة – كما تُصوّره الأفلام النمطية – بل هو ثقافة الوعي بالأحداث الاجتماعية وتطوراتها ولغتها الجديدة. لم تفهم هناء وأخريات أهمية ثقة المرأة بنفسها، ولا يدركن طبيعة الفن، فمشاركتهن في أدوار غير مبنية درامياً ولا تحمل سمات الشخصية الدرامية الحقيقية لا تدل إلا على نقص في الوعي ونقص في الثقافة، رغم محاولاتهن إظهار مهاراتهن التمثيلية. لكن في محطات أخرى من المسلسل، لا يزال المرء يتحرك في مساحة ضيقة جداً ومسيئة للسينما، وينطلق من عقلية أحب أن أسميها عقلية تامر حسني. سواء من رؤيته الخاصة للمرأة أو شكل الكوميديا أو شكل الدراما أو حتى -حتى وإن كنت لا أتفق مع الرسائل الفنية- الرسالة الفنية، فهو يقدم إهانة للمرأة، وتحرشاً صارخاً، وشخصيات بلا بنية، وسيناريوهات غير متماسكة، وكوميديا ضعيفة، وفي النهاية يدّعي ويتفاخر بالرسائل، ويحتضن من لا يفهم شيئاً عن الثقافة والدور الفعال لمهنة التمثيل، مثل هنا الزاهد وغيرها.

واختتمت حديثها بتمنياتها لمستقبل السينما: “أتمنى أن تدرك الممثلات قيمتهن ويقدّرن أنفسهن أكثر، وألا يستسلمن لضغوط الرجال في الصناعة والعمل الفني، التي تُعدّ إهانة مضاعفة واستغلالًا صارخًا لوجودهن وأجسادهن. أتمنى أن تتحرر هناء وسائر الممثلات من هذا العبء، وأن يحاولن تجاوز هذه المراحل الصعبة في مسيرتهن المهنية، ليتمكنّ من المضي قدمًا بتقديم أنفسهن كنساء مهمات، لا كأتباع لرجلٍ استدرجهنّ إلى فيلمه ليُذلّهن بالضرب”.

في هذا السياق، يشرح الناقد الفني محمود عبد الشكور قرار الممثلات باتباع هذه الصورة النمطية: “عادةً ما يتحرك الممثلون والممثلات دون تخطيط أو استعداد نظرًا لقلة الوكلاء المحترفين في مصر الذين يساعدون في عملية الاختيار. ويُعتقد عمومًا أن كل ممثلة تسعى جاهدةً للاختيار وفقًا للمتاح، بناءً على نوعها المفضل، ومن تشعر بالراحة معه من بين من ينتجون أو يمثلون أو يكتبون أو يخرجون هذه الأعمال”.


شارك