خبراء: الضغوط الغربية على المحكمة الجنائية الدولية تهديد خطير للعدالة

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية والمدعية العامة فيها، بعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. المدير السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش: الهجمات على المحكمة غير مسبوقة وقد تهز العدالة الدولية. – الخبير الأمريكي مارك كيرستن: بعض هذه التصرفات أدت إلى مغادرة أشخاص طيبين للمحكمة وترك وظائفهم. سوزان أكرم، باحثة في جامعة بوسطن: العديد من الدول تستعد لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل.
“تهديد خطير لمستقبل العدالة الدولية” هكذا وصف خبراء قانونيون الضغوط والتهديدات التي وجهها الغرب ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في أعقاب تحقيقه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ويوجد اسما المحكمة والمدعية العامة على قائمة العقوبات الأميركية بعد صدور مذكرات اعتقال في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ضد نتنياهو ووزير دفاعه المقال يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
لتقييم الضغوط التي يواجهها خان، التقت وكالة أنباء الأناضول مع كينيث روث، المدير السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش والأستاذ الزائر في جامعة برينستون، ومارك كيرستن من جامعة فريزر فالي في كندا، وسوزان أكرم، أستاذة حقوق الإنسان في جامعة بوسطن. يأتي ذلك في أعقاب تحقيق نشره موقع ميدل إيست آي قبل نحو أسبوع، والذي سلّط الضوء على حملة الترهيب ضد المحكمة ومدعيها العام.
**هجوم “غير مسبوق”
وأكد خبراء تحدثوا للأناضول أن حملة الضغط على خان تشكل أحد أخطر التهديدات لنظام العدالة الدولي، ودعوا الدول إلى اتخاذ خطوات عاجلة لحماية المحكمة الجنائية الدولية.
وقال كينيث روث، المدير السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش: “لقد وصلت الهجمات على المحكمة الجنائية الدولية إلى مستوى غير مسبوق يهدد بهز أسس العدالة الدولية”.
وأضاف: “إن ما فعله (الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية يمكن اعتباره جريمة بموجب نظام روما، وسيتم محاسبة المسؤولين عنها جنائيا في المحكمة”.
وأشار إلى أن “العقوبات التي فرضها ترامب على المحكمة منعت موظفيها من الوصول إلى النظام المصرفي”، داعياً “الاتحاد الأوروبي إلى حماية المحكمة والحسابات المصرفية لموظفيها”.
وفيما يتعلق بالإجراءات الأميركية، قال روث: “لقد تجاوز ترامب خطوطا لم يتم تجاوزها من قبل، خاصة بعد أن وجهت المحكمة اتهاما مباشرا لنتنياهو”.
وأضاف: “إن الأمر لا يتعلق بالمبادئ، بل يتعلق بدعم تل أبيب في الوقت الذي ترتكب فيه الحكومة الإسرائيلية جرائم حرب وإبادة جماعية واسعة النطاق في غزة”.
وفي منتصف فبراير/شباط، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على خان، بعد أيام فقط من توقيع ترامب على أمر تنفيذي يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لإصدارها مذكرة اعتقال بحق نتنياهو.
وزعم ترامب في بيان في ذلك الوقت أن المحكمة الجنائية الدولية “تهاجم الولايات المتحدة وحلفائها المقربين مثل إسرائيل بشكل غير مبرر وغير قانوني”.
“محاولات الترهيب”
من جانبه، قال الباحث مارك كيرستن: “إن العقوبات المنهجية والضغوط على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية من شأنها أن تسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه للعدالة الدولية”.
وأوضح أن “هذه الهجمات تلحق الضرر بالمحكمة ولديها القدرة على التسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها”.
وتابعت: “بعض هذه الإجراءات أدت إلى مغادرة أشخاص جيدين للمحكمة وعملهم، أشخاص كان بإمكانهم أن يلعبوا دورا هاما في التحقيق وملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية”.
وقد قامت كيرستن بتقييم التأثيرات بعيدة المدى للتدخل السياسي على النحو التالي: “لقد كان هناك دائمًا تدخل سياسي من جانب دول (لم تسمها) في عمل المحكمة، ولكن لم يكن هذا التدخل علنيًا وكثيفًا ومؤثرًا إلى هذا الحد من قبل”.
وقالت أستاذة حقوق الإنسان سوزان أكرم: “إن التهديد الذي تواجهه العدالة الدولية وصل إلى مستويات غير مسبوقة، لكن نظام روما يوفر للمحكمة الأدوات اللازمة لمواجهة هذه التدخلات”.
ورغم تزايد التهديدات، قال أكرم: “كانت محاولات ترهيب المدعين العامين والشهود موجودة دائما، لكن المستوى الحالي من التهديدات، وخاصة من جانب حكومات مثل إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، غير مسبوق”.
وأكدت أن “المادة 70 من نظام روما تعطي المحكمة سلطة اتخاذ الإجراءات في حالات التدخل”، مضيفة: “للمحكمة الحق في مقاضاة أي شخص يهدد أو يمنع أحد موظفيها من أداء واجباته، وكذلك أي شخص يعاقب موظفاً بسبب أداء واجباته الرسمية”.
وعن قضايا مماثلة سابقة قال أكرم: “هناك العشرات من القضايا التي باشرت فيها المحكمة تحقيقات وأصدرت أوامر اعتقال بحق من عرقل سير العدالة”.
وشددت على “ضرورة عقد دورة خاصة لجمعية الدول الأطراف في المحكمة لمعالجة هذه التهديدات واتخاذ تدابير أكثر فعالية لحماية المحكمة وموظفيها”.
واختتمت أكرم كلمتها بالتأكيد على السياق الدولي المتغير، قائلةً: “لقد ولّى زمنُ رضوخ العديد من الدول لمطالب الولايات المتحدة وإسرائيل. أعتقد أن المزيد والمزيد من الدول مستعدة لتحدي واشنطن وتل أبيب”.
**بحث من قبل ميدل إيست آي
وكشف تحقيق أجراه موقع ميدل إيست آي أن خان واجه ضغوطا شديدة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل بسبب نشاطه القانوني ضد تل أبيب.
وبحسب التحقيق، فإن الضغوط على خان زادت منذ أبريل/نيسان 2024، عندما بدأ في إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بسبب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة والنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.
كشف التحقيق أن وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد كاميرون هدد بانسحاب بلاده من المحكمة الجنائية الدولية في حال صدور مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين. وفي اتصال هاتفي مع خان، نُقل عنه قوله: “سيكون لهذا القرار تأثير القنبلة الهيدروجينية”.
كشف التحقيق أن خان تلقى إحاطة أمنية حول أنشطة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) في لاهاي بهولندا. أثار ذلك مخاوف بشأن سلامته الجسدية، وسلط الضوء على مدى التهديد المباشر لاستقلاليته كمدعٍ عام.
وأشار إلى أن اتهامات التحرش والاعتداء الجنسي الموجهة ضد خان كانت نتيجة لحملة تشويه ممنهجة، مشيرا إلى أن المدعية كانت موظفة في المحكمة وتعاونت مع مفتشية الأمم المتحدة خلال هذه الإجراءات.
وكشف التحقيق أن زميل خان المقرب، توماس لينش، الذي لعب دورا محوريا في التحقيق وكان متورطا بشكل مباشر في العملية، قدم لاحقا التماسا إلى إدارة المحكمة لإزالة خان من التحقيق.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، من قتل وتجويع وتدمير وتشريد، متجاهلة الدعوات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
خلّفت المجزرة الإسرائيلية في قطاع غزة 61,430 قتيلاً و153,213 جريحًا، معظمهم من الأطفال والنساء. كما فُقد أكثر من 9,000 شخص، وشُرد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين.