أنس الشريف.. صوت غزة الفاضح لإسرائيل (بروفايل)

• اغتالت إسرائيل الصحفي الفلسطيني أنس الشريف وأربعة صحفيين آخرين في قصف استهدف خيمتهم بجوار مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة.
على مدى قرابة عامين، ظل اسم الصحفي الفلسطيني أنس جمال الشريف حاضرًا بقوة في الأخبار العالمية خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة. ليس فقط كمراسل أجنبي لقناة الجزيرة، بل أيضًا كأحد الأصوات القليلة التي كسرت الحصار الإعلامي المفروض على قطاع غزة، ووثقت مشاهد المجاعة والمجازر الإسرائيلية للعالم.
لكن هذا الصوت الذي خرج مراراً وتكراراً من بين الرماد، لم يرق لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي شن مراراً وتكراراً حملات تشويه ضد الشريف، متهماً إياه بالانتماء إلى مجموعات مسلحة، وهو ما نفاه الصحافي الفلسطيني مراراً.
في 10 أغسطس/آب 2025، أسفرت غارة جوية إسرائيلية على خيمة للصحفيين بجوار مجمع الشفاء الصحي غرب مدينة غزة عن مقتل خمسة صحفيين من قناة الجزيرة، من بينهم المراسلان أنس الشريف ومحمد قريقع. وانضم هؤلاء إلى قائمة 237 صحفيًا اغتالتهم إسرائيل منذ بداية الحرب.
وُلد أنس الشريف في الثالث من ديسمبر/كانون الأول عام ١٩٩٦، في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة. نشأ في بيئة وثيقة الصلة بالصراع. قضى طفولته في أزقة المخيم المزدحمة، محاطًا بالأزمات والحروب المتكررة.
التحق بمدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية. في عام ٢٠١٤، بدأ دراسة الإذاعة والتلفزيون في جامعة الأقصى، وأكملها عام ٢٠١٨.
بدأ مسيرته الإعلامية كمتطوع في شبكة الإعلام الشمالية قبل أن يعمل مراسلاً لقناة الجزيرة في غزة، حيث استخدم أسلوب الميدان الذي وضعه في قلب الحدث.
في عام 2024، شهد شمال غزة واحدة من أسوأ فترات الحصار والمجاعة، مع انقطاع كامل للكهرباء والاتصالات وشلل شبه كامل لتوصيل المساعدات.
كان أنس متمركزًا في مخيم جباليا للاجئين ومدينة غزة، محاطًا بالدمار والجوع. من خلال تقاريره، نقل للعالم صورًا غير مسبوقة لأطفال يبكون ليلًا من الجوع، وأمهات يبحثن عن الطعام بين الأنقاض، وخيام مدارس تحولت إلى ملاجئ لآلاف النازحين الذين مزقهم البرد والحشرات والأمراض.
لكسر الحصار الإعلامي، صعد إلى أسطح المنازل والمستشفيات بحثًا عن إشارة إنترنت لبث تقاريره. في أحد تقاريره، وصف الوضع قائلاً: “أكثر ما يؤلمني هنا ليس القصف فحسب، بل أيضًا منظر طفل يبكي جوعًا لأنه لم يأكل شيئًا طوال اليوم”.
ووثق الشريف الهجمات الإسرائيلية على مدارس ومستشفيات الأونروا، بما في ذلك الاستخدام المتكرر والمستهدف للقصف المدفعي في المناطق ذات الكثافة السكانية المدنية الكبيرة.
وتقديراً لشجاعته في توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية ومثابرته على تقديم شهادة قوية عن معاناة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وسط القصف والمجاعة، كرمته منظمة العفو الدولية في أستراليا العام الماضي بجائزة المدافع عن حقوق الإنسان.
لأن تقاريره كان لها تأثيرٌ بالغٌ على الرأي العام، استُهدف من قِبَل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وخلال حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وُجِّهت إليه اتهاماتٌ متكررةٌ بالانتماء إلى حماس لتبرير الهجمات عليه.
في 11 كانون الأول/ديسمبر 2023، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة الصحفي الفلسطيني في مخيم جباليا، ما أدى إلى مقتل والده.
وتعرضت الاتهامات الإسرائيلية لانتقادات حادة من قبل قناة الجزيرة، فضلاً عن منظمات صحفية دولية وفلسطينية، التي زعمت أنها لا أساس لها من الصحة وتهدف إلى إسكات الصحفيين.
وردا على هذه الحملة، غرد الصحافي الشريف قائلا: “شنّ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حملة تهديد وتشهير ضدي بسبب عملي صحافيا في قناة الجزيرة”.
وأضاف: “أؤكد: أنا أنس الشريف صحفي ليس لي أي انتماء سياسي ومهمتي الوحيدة هي نقل الحقيقة على الأرض كما هي دون تحيز”.
كما أدانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير، إيرين خان، الاتهامات والتهديدات الموجهة إلى الشريف في تصريحات صحفية في يوليو/تموز الماضي، مؤكدة حينها أن “هذه التهديدات عرضت حياته للخطر”.
ووصف خان الاتهامات الإسرائيلية للصحفيين بأنهم “إرهابيون” بأنها كاذبة ودعا المجتمع الدولي إلى منع مثل هذه الهجمات، قائلا إن قتل الصحفيين وسجنهم هو استراتيجية لقمع الحقيقة.
وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، أصدرت شبكة الجزيرة الإعلامية بياناً أدانت فيه تحريض الجيش الإسرائيلي ضد صحافييها في قطاع غزة، وخاصة المراسل أنس الشريف.
وأدانت القناة وأدانت حملات التشهير ضد موظفيها منذ أن بدأت بتغطية حرب غزة.
بحسب مراقبين، فإن صوتًا قويًا وشجاعًا كصوت أنس أمرٌ مرفوضٌ من إسرائيل، وهي تشرع في مرحلة جديدة من قمعها لغزة. ويعكس مقتله وزملاءه نية تل أبيب قتل الصحفيين في مدينة غزة قبل بدء احتلالها. وهذا جزء من خطة تدريجية لاحتلال قطاع غزة بأكمله، أقرتها الحكومة الإسرائيلية يوم الجمعة.