العمارة الحديثة صديقة للتكلفة فقط ولا تفهم المناخ.. لماذا بيوتنا أكثر حرارة صيفا وبرودة شتاء من الشوارع؟

منذ 5 ساعات
العمارة الحديثة صديقة للتكلفة فقط ولا تفهم المناخ.. لماذا بيوتنا أكثر حرارة صيفا وبرودة شتاء من الشوارع؟

يلاحظ الكثيرون كل صيف أن منازلهم أكثر دفئًا من الخارج، وفي الشتاء يشعرون ببرودة أكثر من الخارج. ورغم تزايد الاعتماد على أجهزة التدفئة والتبريد، لا يزال الشعور بعدم الراحة قائمًا. هل تغير المناخ هو السبب الوحيد، أم أن المشكلة تكمن في طريقة بناء منازلنا؟

– المواد الحديثة… فعالة من حيث التكلفة فقط

أوضحت آية زكريا، المستشارة المعمارية، أن جذور المشكلة تكمن في المواد المستخدمة حاليًا في البناء، مثل الطوب الأسمنتي والهياكل الخرسانية والواجهات الزجاجية. فهذه المواد لا تتناسب مع المناخ المحلي وليست صديقة للبيئة. وأشارت إلى أن الزجاج تحديدًا يمتص الحرارة ويحتفظ بها في المباني، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المنزل نهارًا والشعور المستمر بالحرارة ليلًا، لصعوبة خروجها.

وأشارت إلى أن نقص التهوية الطبيعية في العديد من المباني الحديثة يُفاقم هذه المشكلة، لا سيما في ظل غياب الرقابة الفنية، وتنفيذ العديد من المشاريع من قِبل المقاولين حصريًا دون إشراك مهندسين متخصصين. ونتيجةً لذلك، لا تُراعى مبادئ التصميم التي تُمكّن من تبديد الحرارة الزائدة صيفًا أو الاحتفاظ بها شتاءً، مما يؤثر سلبًا على جودة المناخ الداخلي.

قلة الوعي… والمجتمع يطالب بالسكن وليس بالجودة

وأشارت إلى أن من أبرز تحديات عصرنا نقص الوعي المعماري والاجتماعي. فالتركيز منصبّ على عدد الوحدات السكنية، دون مراعاة جودتها أو ملاءمتها للبيئة والمناخ. ولا يُولي معظم الناس اهتمامًا كافيًا لعوامل مثل التهوية أو تصميم الغرف، بل يصبح همهم الأساسي هو امتلاك وحدة سكنية مناسبة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية، بغض النظر عن كفاءتها المعمارية أو البيئية.

وأوضحت أيضاً أنه في كثير من الحالات، تحاول الجهات المنفذة إنجاز المشاريع بأسرع ما يمكن دون مراعاة الجوانب التصميمية المتعلقة بالراحة الحرارية أو كفاءة الطاقة.

وأضافت أن استخدام التكييف يعتبر حلاً سريعاً وسهلاً للتغلب على مشاكل الحرارة، لكن في الواقع هذه الطريقة تساهم في تفاقم المشكلة من خلال زيادة استهلاك الكهرباء ورفع درجة الحرارة بشكل عام داخل المنزل وخارجه.

عدم وجود دورات جامعية ورموز إلزامية مفقودة

وأشارت أيضاً إلى أن أحد أكبر التحديات التي تواجه المعماريين في مصر في مجال التصميم البيئي يبدأ على المستوى التعليمي، حيث لا يحظى هذا الجانب باهتمام كاف في المناهج الجامعية.

يُمثل غياب لوائح مُلزمة لحماية المناخ عائقًا رئيسيًا أيضًا. فحتى مع وجود وعي فردي أو تخصص علمي، لا يدعم السوق هذا النهج. ولا توجد معايير تُلزم المصممين والمطورين بمراعاة الاستدامة. كما أن وعي المستخدمين ضعيف. وغالبًا ما تُبنى قرارات الشراء على المظهر الخارجي أو التشطيب، دون مراعاة عوامل مثل التهوية والعزل وتوجيه المبنى. وهناك أيضًا اعتقاد خاطئ بأن هذا النوع من التخطيط أكثر تكلفة، رغم أنه يوفر الطاقة ويُحسّن جودة الحياة على المدى الطويل.

ارتفاع السقف وسمك الجدار هي طرق عزل تم نسيانها.

وأوضحت أن فكرة تكييف الهواء ليست اختراعًا جديدًا. فمن أهم وسائل توفير الراحة الحرارية في العمارة التقليدية الأسقف العالية، التي تسمح للهواء الدافئ بالارتفاع، وتبقي الهواء البارد في مستويات منخفضة، وتقلل الشعور بالحرارة في أماكن المعيشة.

في المباني الحديثة، تكون الأسقف منخفضة نسبيًا، مما يعمل على تركيز الهواء الدافئ في ذروة الاستخدام اليومي ويزيد من الشعور بالدفء في الغرف.

وأضافت أن الجدران السميكة، التي كانت تُستخدم سابقًا كدعامات للأسقف، تلعب الآن دورًا هامًا في العزل الحراري. فهي تُساعد على تقليل انتقال الحرارة صيفًا والاحتفاظ بها شتاءً، مما يجعل المنازل أكثر راحةً ومتعةً على مدار العام دون الحاجة إلى التبريد أو التدفئة الاصطناعية.

التظليل الطبيعي ومسافات البناء المدروسة جيدًا

كما تناولت إحدى أبرز سمات التخطيط الحضري القديم: التباعد المدروس بين المباني. وفّر هذا ظلًا طبيعيًا داخل المنازل وخفّض من أشعة الشمس المباشرة، مما ساهم في خفض درجات الحرارة في مساحات المعيشة.

وفيما يتعلق بالتخطيط العمراني الحالي، أوضحت أن المباني غالبًا ما تُشيّد على فترات غير مُخطط لها، مما يُعرّض واجهاتها لأشعة الشمس طوال اليوم، رغم افتقارها للعناصر الطبيعية كالأشجار والظلال. وهذا يُزيد من امتصاص الحرارة ويرفع درجة حرارة الجو.

وأكدت الأستاذة آية أن تحقيق التصميم المعماري الفعال لا يتطلب بالضرورة تكاليف إضافية، بل يتطلب فهمًا فنيًا لكيفية توجيه المباني وتوزيع الكتل للسماح بالتظليل الطبيعي، وبالتالي تقليل الاعتماد على تكييف الهواء وتحسين كفاءة الطاقة في المباني.

– لقد فهم العمارة القديمة المناخ.

قالت الدكتورة عبير مراد، دكتورة بكلية الفنون التطبيقية، لـ«الشروق»، إن العمارة القديمة، وخاصة العمارة الإسلامية، تعد من أكثر الطرز المعمارية مراعاة للمناخ والبيئة والثقافة المحلية.

أوضحت أن أساليب البناء القديمة ركزت على تقليل أشعة الشمس المباشرة من خلال انكسارات في الجدران، وتوجيه المباني وفقًا لحركة الشمس، واستخدام المظلات والمشربيات لتظليل الفتحات وتقليل الحرارة. كما شُيّدت المباني من مواد طبيعية كالطين والحجر، والتي، على عكس الخرسانة، توفر عزلًا حراريًا.

الفناء والمشربية… عبقرية وظيفية وجمالية

أشارت الدكتورة عبير أيضًا إلى أن للعناصر الزخرفية وظائف أخرى. فالمشربية، على سبيل المثال، وسيلة مهمة لتلطيف أجواء المنزل وتوفير الخصوصية.

وأشارت أيضاً إلى عدة دلائل على أن العمارة الإسلامية راعت المناخ، مثل الساحات المفتوحة التي تعزز التهوية الطبيعية، وبناء المنازل مع مراعاة التغيرات الموسمية داخل المنزل، بحيث يستخدم الطابق الأرضي في الصيف والعلوي في الشتاء، أو الجهة الشمالية في الصيف والجهة الجنوبية في الشتاء.

نصائح لبناء المنازل وتجديد الشقق

واختتمت آية زكريا حوارها مع الشروق ببعض النصائح البسيطة لمن يخططون لبناء أو تجديد منازلهم.

لقد نصحت كل بناة منازل بمراعاة التهوية الطبيعية، وتوجيه الغرف، واستخدام مواد العزل، وعدم تغطية الواجهة بالكامل بالزجاج. مع ذلك، يمكن لأي شخص يُجدد منزلًا قائمًا على الأقل استخدام مواد العزل والعودة إلى النوافذ الخشبية بدلًا من الألومنيوم أو الزجاج الخالص.

وفي هذا السياق دعت مطوري العقارات إلى مراعاة مفاهيم العمارة البيئية في مشاريعهم، مؤكدة أن التصميم المراعي للمناخ لا يتعارض مع الجمالية أو الحداثة.

وأشارت إلى أنه في بعض الدول العربية هناك محاولات للاستلهام من العمارة التقليدية عند تصميم عناصر معمارية صديقة للبيئة، رغم أن بعض هذه المشاريع لا تزال تعتمد على الحلول الجمالية فقط دون تحقيق التكامل الكامل مع البيئة المحيطة.


شارك