ورقة براك.. هل تقايض واشنطن سلاح حزب الله بمستقبل لبنان؟

منذ 3 ساعات
ورقة براك.. هل تقايض واشنطن سلاح حزب الله بمستقبل لبنان؟

منذ اتفاق الطائف، ظلّ سلاح حزب الله من أكثر القضايا حساسية في السياسة اللبنانية. ففي كل أزمة كبرى، يختفي أحيانًا ليعود للظهور.

لكن بعد الحرب المدمرة في عام 2024، أصبح هذا السلاح محور مفاوضات عامة تقودها واشنطن تحت ضغط دولي غير مسبوق.

قد تُعيد “ورقة باراك”، وهي خطة أمريكية مُفصّلة لنزع سلاح حزب الله مقابل انسحاب إسرائيلي وضمانات دولية، تشكيل موازين القوى في لبنان. فهل دخل البلد فعلاً مرحلة نزع السلاح؟

توماس باراك وصحيفته في بيروت

1_1_11zon

زار توماس باراك، السفير الأمريكي لدى تركيا والممثل الخاص لسوريا، بيروت لأول مرة في 19 يونيو/حزيران 2025. وحمل معه خارطة طريق أمريكية مفصلة من ست صفحات لعرضها على المسؤولين اللبنانيين. وتضمنت الخطة، المعروفة باسم “ورقة باراك”، مطالب واضحة بنزع سلاح حزب الله وجميع الفصائل المسلحة في لبنان بشكل كامل بحلول نهاية عام 2025 (نوفمبر/تشرين الثاني 2025).

في المقابل، تَعِد الخطة الأمريكية بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة المتبقية، ووقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان. علاوة على ذلك، من شأن تنفيذ نزع السلاح أن يُمهّد الطريق أمام الدعم المالي الدولي لإعادة إعمار المناطق اللبنانية التي دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وهو دعمٌ تقول واشنطن إنها لن تُقدّمه طالما احتفظ حزب الله بسلاحه.

تضمنت ورقة باراك أيضًا عناصر أوسع لإعادة هيكلة الشؤون الإقليمية والداخلية للبنان، بما في ذلك تسريع الإصلاحات المالية والاقتصادية، ومراقبة الحدود والمعابر للحد من التهريب. ولضمان تنفيذ الاتفاق المقترح، دعت الخطة إلى إنشاء آلية تراقبها الأمم المتحدة لضمان إطلاق سراح السجناء اللبنانيين من السجون الإسرائيلية، بالتوازي مع إحراز تقدم في نزع السلاح. كما طالبت واشنطن الحكومة اللبنانية باعتماد قرار بالإجماع يلتزم بنزع السلاح كعنصر أساسي في أي اتفاق نهائي.

حدد المبعوث الأمريكي الأول من يوليو/تموز 2025 موعدًا نهائيًا للقيادة اللبنانية للرد رسميًا على هذه المقترحات. وأعلن أنه سيعود إلى بيروت للاستماع إلى تعليقاتها. وبدأت بيروت على الفور بمراجعة الوثيقة، وشكلت لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن رئاسة الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب لصياغة رد لبناني موحد. وفي الكواليس، تواصل رئيس مجلس النواب نبيه بري – وهو حليف لحزب الله – مباشرةً مع قيادة الحزب لضمان مشاركتهم في صياغة الموقف. ووفقًا لتقارير صحفية، لم يتردد حزب الله في التعاون مع اللجنة، ووافق على بدء محادثات، لكنه لم يقدم أي التزام أو وعد بنزع سلاحه.

الجدل الداخلي ورد الفعل الأول لحزب الله

2_2_11zon

ما كان لافتاً للنظر في الوثيقة هو توقيتها مع مطالبة واشنطن لبنان بتبني قرار رسمي يلتزم علناً بتنفيذها. هذا المزيج من المشاركة السياسية والدعم العسكري والاقتصادي وضع الدولة اللبنانية في موقف حرج. وبينما التزم حزب الله الصمت العلني بشأن المقترح، بدأت المناقشات تغلي خلف الكواليس. دخل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مشاورات مباشرة مع حزب الله، ووافق على المشاركة في صياغة رد لبناني موحد.

التزم الحزب الصمتَ العلني تجاه اقتراح باراك في النصف الثاني من يونيو. ومع ذلك، مع اقتراب الموعد النهائي للرد، شدد قادته موقفهم، وأكدوا رفضهم الرضوخ للضغوط الأمريكية والإسرائيلية. في 30 يونيو/حزيران 2025، قبيل انتهاء المهلة، ألقى الأمين العام الشيخ نعيم قاسم خطابًا متلفزًا شديد اللهجة، أكد فيه حق الحزب والشعب اللبناني في قول “لا” لأمريكا و”لا” لإسرائيل.

واتهم قاسم واشنطن وإسرائيل بمحاولة استغلال الوضع الراهن لفرض واقع جديد في لبنان والمنطقة يخدم مصالحهما، ودعا كل اللبنانيين إلى عدم دعم أميركا وإسرائيل في تنفيذ مخططاتهما.

الجولة الثانية من الوساطة: ورقة لبنانية معدلة

3_3_11zon

عاد توماس باراك إلى بيروت مطلع يوليو/تموز 2025، وتحديدًا يوم الاثنين 7 يوليو/تموز، لتلقي الرد اللبناني الرسمي. وقدّمت السلطات اللبنانية للمبعوث الأمريكي وثيقة ردّ تتضمن تعديلات وضمانات مضادة تُحدّد الرؤية اللبنانية لتنفيذ خارطة الطريق. وقدّم الرئيس جوزيف عون شخصيًا لباراك “أفكارًا لحل شامل” تُمثّل الموقف اللبناني الموحّد.

كما وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري خريطة طريق مفصلة ومتدرجة لنزع سلاح حزب الله، تندرج في إطار المقترح اللبناني وتتضمن خطوات عملية لتطبيقه.

ركّز الرد اللبناني على مبدأ التزامن والتبادلية في تنفيذ أي اتفاق: لن يُناقش مصير سلاح حزب الله إلا في إطار عملية مرتبطة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان والوقف النهائي للهجمات الإسرائيلية. وأكد رئيس الوزراء نواف سلام في مؤتمر صحفي عقب لقائه باراك أن النقاش ركّز على “الخطوات المترابطة بين الانسحاب الإسرائيلي من لبنان ونزع سلاح حزب الله”.

أكد سلام أن الحد من بيع الأسلحة للدولة وتوسيع نطاق سلطة الدولة مبدأ توافقي لبناني كرسه اتفاق الطائف. وذكّر بأن حزب الله جزء من الدولة اللبنانية (وقد أيد نوابه إعلان الحكومة)، مما يؤكد ضرورة التوصل إلى حل توافقي داخلي. في الوقت نفسه، أدان سلام الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب والبقاع، مؤكدًا رفض لبنان القاطع لهذه الاعتداءات، وتكثيف بيروت اتصالاتها العربية والدولية لوقفها.

وبحسب سلام، تضمن الرد المكتوب الذي تلقاه باراك ملاحظات من الرئيس والحكومة ورئيس مجلس النواب. وهذا يُظهر تنسيقًا غير مسبوق بين الرؤساء الثلاثة بشأن هذه القضية المعقدة. وكشف سلام أيضًا أن باراك، كخطوة أولى، قدّم مقترحًا لآليات لتعزيز وقف إطلاق النار وضبط الأسلحة تدريجيًا في الجنوب، ربما من خلال تعزيز دور اللجنة الثلاثية لوقف إطلاق النار وتوسيع صلاحيات الجيش اللبناني في الجنوب. وأكد سلام موقف لبنان القائل بأن قرار الحرب والسلم يعود للدولة وحدها.

كان رد فعل المبعوث الأمريكي حذرًا ولكنه إيجابي تجاه رد الفعل اللبناني. وعقب لقائه بالرئيس عون، عقد باراك مؤتمرًا صحفيًا أعرب فيه عن “رضاه البالغ” و”سعادته البالغة” بالرد اللبناني. ووصف باراك الرد بأنه مدروس بعناية ويتضمن خطة مشتركة للخطوات التالية. وأضاف: “الآن يجب التطرق إلى التفاصيل… جميعنا ملتزمون بدراسة التفاصيل وإيجاد حل”، معربًا عن تفاؤله الكبير بإمكانية تحقيق ذلك. كما أفاد المكتب الرئاسي اللبناني على منصة “المنصة العاشرة” (تويتر سابقًا) أن الرئيس عون قدم لباراك “رؤية شاملة للحل”. وأصدر مكتب رئيس مجلس النواب نبيه بري بيانًا وصف فيه لقاءه مع باراك بأنه “بناء ويراعي مصالح لبنان وسيادته… ويأخذ في الاعتبار مطالب حزب الله”.

عند هذه النقطة، بدا أن لبنان والولايات المتحدة قد وجدا أول أرضية مشتركة بينهما: التزمت الدولة اللبنانية مبدئيًا باتفاقية محدودة زمنيًا وحصرية للحد من الأسلحة، لكنها طالبت بضمانات صارمة للانسحاب الإسرائيلي ووقف الأعمال العدائية قبل عملية نزع السلاح وأثناءها. وشملت هذه الضمانات إطلاق سراح السجناء اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل، وتأمين الدعم الدولي لتعزيز الجيش اللبناني كبديل أمني.

وبحسب التقارير الصحفية، تتضمن الخطة اللبنانية المنقحة ثمانية مطالب أساسية طرحها الرئيس عون في المفاوضات مع باراك. أهم هذه المطالب انسحاب إسرائيلي كامل إلى ما وراء الحدود المعترف بها دوليًا، ووقف جميع أشكال العدوان الإسرائيلي برًا وبحرًا وجوًا، بما في ذلك الاغتيالات، وإطلاق سراح السجناء اللبنانيين. في المقابل، تلتزم بيروت ببسط سيادتها على كامل أراضيها من خلال استعادة أسلحة جميع الجماعات – وعلى رأسها حزب الله – وتسليمها للجيش اللبناني، الذي سيكون الوحيد المخول بحمل السلاح. كما طلب لبنان دعمًا دوليًا طويل الأمد للجيش، يصل إلى مليار دولار سنويًا على مدى عشر سنوات، لتعزيز قدراته إلى جانب قدرات قوى الأمن الداخلي. كما طلب عقد مؤتمر دولي للمانحين هذا الخريف لدعم إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي.

مع ذلك، ظلّ موقف حزب الله العلني ثابتًا، دون تنازلات، وإن كان مع بعض التحفظات. وعقب الاجتماعات، أصدر الشيخ نعيم قاسم (الذي أصبح الآن وجه قيادة الحزب) بيانًا يوم الأحد 6 يوليو/تموز، حدّد فيه رؤية الحزب: يجب على إسرائيل أولًا الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار – الانسحاب من الأراضي المحتلة، ووقف جميع أشكال العدوان، وإطلاق سراح الأسرى – وعندها فقط يُمكنهم الانتقال إلى “المرحلة الثانية”، التي ستشمل مناقشة استراتيجية دفاع وطني تتضمن “سلاح المقاومة”. كما كرّر قاسم رفض الحزب الاستسلام تحت وطأة التهديدات: “لن نستسلم ولن نلقي سلاحنا ردًا على التهديدات الإسرائيلية”. وفي خطاب آخر بُثّ مساء 30 يوليو/تموز، كرّر قاسم أن سلاح حزب الله مُصمّم لقتال إسرائيل ولن يُستخدم محليًا. وجادل بأن أي مطالبة حالية بنزع سلاح حزب الله تخدم أهداف إسرائيل.

رغم أن واشنطن فهمت الرسالة اللبنانية المشروطة، إلا أنها حاولت تسويق الخطة كصفقة شاملة ينبغي تنفيذها بسرعة. وأكد توماس باراك صراحةً للجانب اللبناني أن نزع سلاح حزب الله لن يؤدي إلى تهميشه سياسيًا.

قال باراك في بيان: “على حزب الله أن يدرك أن له مستقبلًا، وأن المسار المقترح ليس موجهًا ضده فقط”. في الوقت نفسه، حذّر باراك القيادة اللبنانية من التباطؤ، قائلاً: “المنطقة تتطور بسرعة جنونية، وستتخلفون عن الركب”. وأشار إلى الحوار غير المسبوق بين سوريا وإسرائيل بعد سقوط نظام الأسد. وأعرب عن اعتقاده بأنه، كما توصلت دمشق إلى اتفاقيات ما بعد الحرب، يجب على بيروت ألا تفوّت فرصة إحياء الحوار بشأن سلاح حزب الله قبل فوات الأوان. وكشفت مصادر دبلوماسية في واشنطن أن بيروت قد لا تتاح لها هذه الفرصة مجددًا، وأنه يجب اتخاذ قرار تاريخي الآن.

زيارة حاسمة واجتماع حكومي مبكر

4_4_11zon

رغم الأجواء الإيجابية الحذرة التي سادت مطلع يوليو/تموز، ظلت عدة نقاط خلافية جوهرية عالقة في الأسابيع التالية. أصرّ لبنان على إعطاء الأولوية للأمن مقابل السلاح – أي عدم نزع سلاح حزب الله قبل الانسحاب الكامل ووقف إطلاق النار – بينما رفضت إسرائيل أي ربط لالتزامها بإجراءات حزب الله الأولية. ووفقًا لتقارير صحفية، نقلت الولايات المتحدة رفض إسرائيل لمقترح “الانسحاب أولاً” إلى بيروت، مما ضغط على واشنطن لتليين الموقف اللبناني داخليًا. في غضون ذلك، واصلت إسرائيل قصفها اليومي، مما أبقى التوترات مرتفعة وزاد الشكوك حول نواياها.

في نهاية يوليو/تموز 2025، سافر باراك إلى بيروت للمرة الثالثة لتقديم الرد الأمريكي الرسمي على المقترحات اللبنانية. وأوضح باراك للمسؤولين اللبنانيين أن بلاده لن ترسل مبعوثين آخرين أو تضغط على إسرائيل لوقف هجماتها إذا لم تلتزم الحكومة اللبنانية بسرعة وعلنًا بنزع سلاح حزب الله. ووفقًا لتقرير رويترز الصادر في 29 يوليو/تموز، كانت واشنطن بحاجة إلى قرار رسمي من مجلس الوزراء اللبناني يتعهد بنزع سلاح حزب الله قبل استئناف أي مفاوضات أو جهود أمريكية. ونُقل عن مصدر لبناني قوله: “الولايات المتحدة تقول لنا: لن تكون هناك زيارات أخرى لباراك ولن يكون هناك تبادل للأوراق. على مجلس الوزراء اتخاذ قرار، وبعد ذلك يمكننا مواصلة النقاش. لا يمكنهم الانتظار أكثر من ذلك”.

في غضون ذلك، أبلغ باراك رئيس الوزراء نواف سلام صراحةً أن واشنطن لا تستطيع “إجبار” إسرائيل على فعل أي شيء ما لم تلتزم بيروت صراحةً بخارطة الطريق. وبعد اجتماع مع مسؤولين لبنانيين، نشر المبعوث الأمريكي رسالةً حازمةً على تويتر: “طالما أن حزب الله يحتفظ بسلاحه، فالكلام وحده لا يكفي. على الحكومة والحزب الآن الانخراط والتحرك بشكل كامل لتجنب الحكم على الشعب اللبناني بالركود الحالي”. وقد أكد هذا على ضرورة الانتقال من التصريحات إلى الأفعال الملموسة.

أمام هذا الضغط المتزايد، شعرت القيادة اللبنانية أن الوضع على وشك الانفجار. وقد يؤدي عدم تلبية الشروط الأمريكية إلى تصعيد إسرائيلي واسع النطاق، قد يصل إلى حد شن هجمات على الضاحية الجنوبية لبيروت. لذلك، دعا رئيس الوزراء نواف سلام فورًا إلى اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء في 5 أغسطس/آب 2025، لوضع جدول زمني لتطبيق حظر الأسلحة على الدولة. وجاء في الدعوة أن الاجتماع سيناقش “بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها حصريًا من خلال قواتها المسلحة” – وهي عبارة تُفهم على أنها التزام علني بمبدأ نزع سلاح حزب الله وتسليمه للجيش. كما سيتناول الاجتماع “ترتيبات وقف إطلاق النار… بما في ذلك الأفكار الواردة في اقتراح السفير باراك لتنفيذه”.

انقسام داخلي حاد قبل اجتماع الخامس من أغسطس

5_5_11zon

مع ذلك، لا تزال مواقف الأطراف المختلفة متباينة. جدد حزب الله رفضه تسليم سلاحه وسط الغارات الجوية المتواصلة. وصرح نعيم قاسم بأن الحزب لن يتفاوض على سلاحه قبل انتهاء العدوان، لأن المطالبة الفورية بذلك تخدم مصالح إسرائيل. وحذّر المفتي الجعفري أحمد قبلان من أن نزع سلاح الحزب سيترك لبنان أعزلاً. في غضون ذلك، صعّدت قوى المعارضة من لهجتها. وقال زعيم حزب القوات اللبنانية إن اللحظة تستدعي الحسم لا التردد، بينما وصف النائب جبران باسيل السلاح بأنه عبء وطني.

بينما تستعد الحكومة لما قد يكون أهم اجتماع لها منذ اتفاق الطائف، تراقب العواصم الإقليمية والغربية عن كثب نتائج التصويت وتداعياته. سيمثل نجاح الاتفاق بدايةً لعملية تاريخية لتسليم سلاح حزب الله إلى الدولة. إلا أن الفشل قد يدفع البلاد إلى تصعيد جديد.

من الحرب إلى وقف إطلاق النار غير الكامل

6_6_11zon

في خريف عام ٢٠٢٣، تصاعدت الاشتباكات العسكرية على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية تدريجيًا. وشهدت المنطقة هجمات مدفعية متكررة واشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. إلا أن أشدها وقع في أواخر صيف عام ٢٠٢٤، عقب سلسلة من الهجمات المروعة لحزب الله. ردت إسرائيل بقصف وحشي لقواعد الصواريخ ومراكز القيادة، بالإضافة إلى عملية واسعة النطاق لتدمير معدات لاسلكية يستخدمها عناصر حزب الله. أدت هذه الهجمات، المعروفة إعلاميًا باسم “قنابل النداء”، إلى إصابة آلاف الأشخاص وإعاقة العديد منهم بشكل دائم. بعد أيام، اغتالت إسرائيل عددًا من أعضاء المجلس العسكري لحزب الله، مما شكل تصعيدًا حاسمًا للمواجهة.

لكن نقطة التحول جاءت في سبتمبر/أيلول 2024، عندما قُتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في غارة جوية استهدفت مقرًا محصنًا في الضاحية الجنوبية لبيروت. قصفت إسرائيل لاحقًا الضاحية ومناطق واسعة في الجنوب ووادي البقاع يوميًا. ردّ حزب الله بإطلاق آلاف الصواريخ على الجليل ومرتفعات الجولان ووسط إسرائيل. تلت ذلك معارك عنيفة استمرت أسابيع.

تدخلت واشنطن، بدعم من فرنسا والأمم المتحدة، للتفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار، أُبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. نصّ الاتفاق على انسحاب مقاتلي حزب الله شمال نهر الليطاني، بينما تُنشر القوات المسلحة اللبنانية وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) جنوبًا. في المقابل، تعهّدت إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة المتبقية، ووقف غاراتها الجوية وعملياتها الأمنية.

مع ذلك، لم يكتمل تنفيذ الاتفاق. احتفظت إسرائيل بخمس قواعد عسكرية قرب الحدود لأسباب أمنية، وواصلت شنّ غارات جوية شبه يومية، زعمت أنها استهدفت مستودعات أو أسلحة أو عناصر تابعة لحزب الله. اتهمت السلطات اللبنانية الرسمية إسرائيل بارتكاب أكثر من 3000 انتهاك لشروط وقف إطلاق النار في الأشهر التالية، وأفادت بمقتل أكثر من 230 شخصًا، معظمهم من المدنيين.

وجهت الحرب الأخيرة ضربةً قاسيةً للحزب. فبالإضافة إلى الخسائر في الأرواح والعتاد الميداني، فقد الحزب قيادته المركزية. فبعد اغتيال نصر الله، استُهدف هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي وخليفته المحتمل، بغارة جوية على الضاحية الجنوبية. وسرعان ما ملأ الشيخ نعيم قاسم هذا الفراغ القيادي، وأصبح الأمين العام الفعلي للحزب خلال فترة حرجة، محليًا ودوليًا.

وفي ظل هذا الواقع، عادت مسألة سلاح حزب الله إلى الواجهة مجدداً، وهذه المرة في سياق المفاوضات العلنية التي تقودها واشنطن في إطار الاتفاقات الدولية حول إعادة إعمار لبنان والوضع الأمني في الجنوب.


شارك