هل تنقذ “الهدنة الإنسانية” الفلسطينيين في غزة من “المجاعة”؟

وفي ظل حالة من الحذر، أعرب الفلسطينيون في قطاع غزة عن تفاؤلهم بشأن وقف إطلاق النار الإنساني أحادي الجانب الذي أعلنته إسرائيل، والذي ينص على استئناف تسليم المساعدات التي توقفت بشكل كامل منذ مارس/آذار الماضي.
وتحدث عدد من الفلسطينيين في قطاع غزة لبي بي سي عن وقف إطلاق النار، وفعاليته في إنقاذ سكان غزة من المجاعة، والعقبات المحتملة التي قد تنشأ في المستقبل والتي قد تمنع وصول المزيد من المساعدات.
وقالت مصادر إعلامية على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي لبي بي سي إن نحو 100 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية وصلت إلى معبر كرم أبو سالم صباح الأحد، حيث تم تفريغ حمولتها للتفتيش قبل نقلها إلى قطاع غزة.
وأضافت المصادر أنها رصدت شاحنات إضافية قادمة من مدينة العريش شمال سيناء باتجاه معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، على ما يبدو استعدادا لدخولها القطاع.
وقال مراسل بي بي سي في اسطنبول رشدي أبو العوف إن سكان غزة رحبوا بحذر بالتقارير التي تحدثت عن وقف إطلاق نار مؤقت لأسباب إنسانية للسماح بتدفق المساعدات إلى القطاع المحاصر، لكن كثيرين يعتقدون أن المساعدات يجب أن تكون بداية لحل أوسع وأكثر استدامة للأزمة المتصاعدة.
أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيفتح ممرات إنسانية للسماح بدخول قوافل الغذاء والدواء إلى غزة بعد تحذيرات من المجاعة وأسابيع من الضغوط الدولية.
تفاصيل حول “وقف إطلاق النار” الإسرائيلي
أعلن الجيش الإسرائيلي، بدء “تعليق تكتيكي محلي للأنشطة العسكرية لأسباب إنسانية” في مناطق معينة من قطاع غزة، ويدخل حيز التنفيذ اعتبارا من الأحد حتى إشعار آخر.
ويستمر التعليق يوميا من الساعة السابعة صباحا حتى الخامسة مساء بتوقيت غرينتش، ويشمل منطقة المواصي ومدينة غزة ودير البلح، في حين “تستمر العمليات الهجومية ضد المنظمات الإرهابية”، بحسب إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي على منصة X.
وأوضح أدرعي أن القرار جاء بعد نقاشات مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتم تحديد “ممرات آمنة” من الساعة السادسة صباحاً وحتى الحادية عشرة ليلاً لتسهيل دخول قوافل المساعدات.
وذكرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية أن القرار اتخذ في إطار “وقف إطلاق نار إنساني طويل الأمد” ردا على الانتقادات الدولية المتزايدة للوضع الإنساني في قطاع غزة.
أفادت الوكالة أن القرار اتُخذ خلال جلسة تشاورية صغيرة استضافها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وضمت وزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير الخارجية جدعون ساعر. في حين غاب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي أعرب عن استيائه من القرار.
رحب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، الأحد، بتوفير طرق برية آمنة للقوافل الإنسانية إلى قطاع غزة، وأكد أن الأمم المتحدة ملتزمة بالوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجوعى.
طعام منتهي الصلاحية
وقالت رشا الشيخ خليل، وهي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 39 عاما من مدينة غزة، لبي بي سي: “بالطبع لدي بعض الأمل مرة أخرى، ولكنني أشعر بالقلق أيضا من أن المجاعة ستستمر حتى بعد توقف القتال”.
وأضافت: “قافلة مساعدات أو بضع عمليات إنزال جوي لن تكفي. نحن بحاجة إلى حل حقيقي لإنهاء هذا الكابوس وهذه الحرب”.
أعربت نيفين صالح، وهي أم لستة أطفال، عن مخاوفها الخاصة بشأن جودة الغذاء، قائلة: “الأمر لا يتعلق فقط بكمية الطعام، بل بجودته أيضًا”.
لم نتناول فاكهة أو خضارًا طازجة واحدة منذ أربعة أشهر. لا دجاج، ولا لحم، ولا بيض. كل ما لدينا هو معلبات، غالبًا ما تكون منتهية الصلاحية، ودقيق.
وقال رامي طه، الذي يعيش في وسط غزة، لبي بي سي: “زوجتي وأحد أطفالي الخمسة يعانون من مرض الاضطرابات الهضمية (عدم تحمل الجلوتين في القمح والشعير والشوفان والحبوب الأخرى)”.
قبل الحرب، كنت أشتري لهم منتجات خالية من الغلوتين. الآن لا يوجد أي منها. أضطر إلى نقلهم إلى المستشفى كل بضعة أيام لإعطائهم المحاليل”.
“هذا ليس حلاً دائماً. إنه مثل إعطاء مريض السرطان مسكنات للألم دون علاجه”، هذا ما قاله أحمد طه، صاحب متجر في شمال غزة.
شهود عيان
قال شاهد عيان من غزة لبي بي سي: “بينما كنا جالسين، سمعنا ضجيجًا هائلًا، وظننا أنهم سيُسقطون علينا قنابل نووية. لكننا رأينا مظلات تسقط من الأعلى. ركضنا نحوهم كأي شخص آخر، وقفز الناس على إحداها”.
“حصلتُ على كيس سكر وزنه سبعة كيلوغرامات، لكننا نقول للعالم إن كل ما نريده هو الخلاص. لا نريد طعامًا ولا أي شيء آخر. بالله عليكم، أنقذونا”، أضاف وهو يبكي.
وتابع باكيًا: “لقد فقدت عائلتي بأكملها في الحرب. لم يعد أحد منهم، فأنقذونا”.
قال شاهد عيان آخر: “أُلقيت المظلات، فاندفع الناس نحوها. وخلال التدافع، سقط صبي تحت المظلة وأصيب في وركه. وهو الآن مشلول. الله وحده يعلم ما سيحدث له”.
وأكد شخص ثالث: “فوجئنا بسماع صوت غريب في المنطقة. ذهبنا للتحقق، وأدركنا أن أمرًا سيئًا قد حدث. سقطت المظلات في كل مكان”.
وأضاف: “في غضون خمس دقائق، عُثر على ستة ملايين شخص في المنطقة. لا نعرف من أين جاء هؤلاء الأشخاص. هل أُنزلوا بالمظلات؟ لم نتمكن حتى من رؤية محتويات المساعدات… هذا مُهين ومُخزٍ”.
وقال مسؤول في برنامج الغذاء العالمي في مصر لبي بي سي: “الشاحنات التي غادرت من الجانب المصري باتجاه معبر كرم أبو سالم الحدودي لا تزال عند معبر الحدود بين إسرائيل وغزة ولم تصل بعد إلى قطاع غزة”.
وبناء على المعلومات التي توفرت لها بعد ظهر الأحد، ذكرت أن البرنامج سيصدر المزيد من التفاصيل عندما تصبح متاحة.
أعلنت وزارة الصحة في غزة أن عشرات الأشخاص يموتون بسبب سوء التغذية. وقدّرت الوزارة يوم الأحد عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية منذ بدء الحرب بـ 133 حالة، معظمها في الأسابيع الأخيرة.
ونفت إسرائيل ما وصفته بـ”الاتهام الكاذب بالتجويع المتعمد” في قطاع غزة.
“هذا ليس وقف إطلاق النار”
قال أحد سكان غزة لبي بي سي: “أعتقد أن وقف إطلاق النار هذا ليس سوى صورة تجميلية للاحتلال أمام العالم. الهدف منه إظهار أنه أصبح إنسانيًا ويسعى للعودة إلى الإنسانية بعد الجرائم التي ارتكبها بحق شعبنا. وهذا يشمل المراكز الإنسانية التي أنشأها بهدف إذلال شعبنا وإذلاله”.
وأضاف: “هذا إجراء تكتيكي، لأن وقف إطلاق النار لا يشمل جميع المناطق، بل مناطق معينة يسمح بدخول المساعدات إليها”.
وأكد: “وقف إطلاق النار ليوم واحد لا يكفي. أعتقد أن الهدف هو نشر 200 شاحنة لإضفاء صورة أجمل”.
قال آخر: “هذا ليس وقف إطلاق نار إطلاقًا، لأنهم أعلنوا وقف إطلاق النار لعدد محدد من الساعات. إنه ليس وقف إطلاق نار لأن أكثر من 70% من قطاع غزة لا يزال تحت السيطرة اليهودية، ولن يعود النازحون إلى ديارهم. فما الهدف إذن من وقف إطلاق النار هذا؟ إنه مجرد محاولة لتضليل العالم بأننا قدمنا مساعدات، لكن هذا لم ولن يُجدي نفعًا”.
وأضاف: “لو استمرت الشاحنات التي تحملها بالعمل لمدة عام، لَاحتجنا إلى ألف شاحنة يوميًا لمدة شهر كامل لمجرد إيصال الغذاء إلى الناس. نريد أن تصل المساعدات، ولكن يجب أيضًا توزيعها بشكل سليم”.
وقال أحد سكان غزة لبي بي سي: “بالطبع، هذا ليس وقف إطلاق نار ولا هدنة. إنه وقف إطلاق نار تكتيكي في بعض المناطق حيث سيسمح الاحتلال للشاحنات بنقل قوافل المساعدات عبر ما يدعي أنه ممر إنساني”.
وأشار إلى أن “هذا اليوم بالتأكيد لن يكون كافيا، لكن القوة المحتلة أرادت فصل جهود الإغاثة عن العمليات العسكرية وبالتالي خلق صورة إيجابية مختلفة تماما عما يحدث على الأرض”.
وأكد أن هذا “ليس النهج الصحيح، بل يجب تنفيذه عبر المؤسسات الدولية والأممية، كما كان الحال قبل وقف إطلاق النار مطلع هذا العام”.
قالت امرأة فلسطينية من غزة لبي بي سي: “بالطبع، وقف إطلاق النار واتفاقيات السلام الإنسانية لا تكفي، فنحن نتحدث عن شعب يعاني من الجوع منذ أكثر من عام ونصف. منذ استئناف الحرب، شهدت مناطق شمال وجنوب ووسط قطاع غزة مجاعة حقيقية”.
وأضافت: “يجب السماح بدخول نحو 600 شاحنة إلى قطاع غزة يومياً، وهذا لا يكفي لسكان غزة الذين يعانون من الجوع منذ عدة أشهر”.
وتابعت: “نأمل أن يكون وقف إطلاق النار الإنساني فأل خير للجميع وأن تستمر المساعدات في التدفق عبر المنظمات الدولية ويتم توزيعها على الناس بالطريقة الصحيحة”.
“التواطؤ في ارتكاب الجرائم الدولية”
ودعا المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك الدول يوم الأحد إلى ممارسة كل الضغوط الممكنة على إسرائيل “لإنهاء المجازر في قطاع غزة بشكل دائم”.
وأعرب تورك عن اعتقاده بأن “فشل الدول في ممارسة نفوذها من شأنه أن يرقى إلى مستوى التواطؤ في ارتكاب الجرائم الدولية”.
وأكد أن حكومات العالم يجب أن تتخذ خطوات ملموسة لضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها وتوفير ما يكفي من الغذاء والضروريات الأساسية المنقذة للحياة لشعب قطاع غزة.
وقال فولكر تورك: “لقد أصبحت غزة مسرحاً لهجمات مروعة وقاتلة وتدمير شامل، حيث يتضور الأطفال جوعاً أمام أعين العالم”.
وأشار إلى أن “مراكز توزيع المساعدات الفوضوية والعسكرية التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية بدعم من الولايات المتحدة وسلطات الاحتلال الإسرائيلي تفشل تماما في إيصال المساعدات الإنسانية بالكمية والحجم المطلوب”.
وأكد أن “إسرائيل قتلت أكثر من ألف شخص منذ نهاية مايو/أيار الماضي أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء”.
وأشار إلى أن “ممارسات قوات الاحتلال أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 200 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي ما يقارب 10% من سكان قطاع غزة”، وأكد: “لن ننسى أبداً أن 300 من زملائنا استشهدوا نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية”.
وأكد أنه أدان مرارًا أحداث السابع من أكتوبر، وكذلك أفعال حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى. ومع ذلك، جدد إدانته “لحجم ومدى القتال والدمار والبؤس الذي عانى منه الفلسطينيون في قطاع غزة منذ ذلك الحين”، وحذّر من “ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وأشار إلى أنه أكد في وقت سابق على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وفقا لإجراءات محكمة العدل الدولية.
“المفاوضات لم تتوقف”
في هذه الأثناء، قال مصدر مصري مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إن إيصال المساعدات من مصر إلى قطاع غزة سيتم بالتنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي من خلال “مفاوضات مباشرة بين البلدين”.
لكنّه قال لبي بي سي إنّ “وقف إطلاق النار الإنساني كان في المقام الأول فكرة أميركية” ووصفه بأنّه “بروفة لما هو آت”.
وتوقع المصدر أن تستأنف مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال الأسبوع الجاري.
وأكدت القاهرة والدوحة في بيان مشترك أن المفاوضات لم تتوقف رغم مغادرة الوفدين الإسرائيلي والأمريكي وسوف تستأنف هذا الأسبوع.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير خلف تميم لقناة إكسترا نيوز المحلية يوم الأحد: “إن جهود مصر في هذه القضية تنتهج ثلاثة مسارات متوازية: المسار الأمني، الذي يشمل الجهود الرامية إلى تحقيق وقف شامل لإطلاق النار والهدنة؛ والمسار السياسي، الذي يتألف من مواصلة حشد الدعم الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ والمسار الإنساني، الذي يهدف إلى ضمان تدفق المساعدات إلى قطاع غزة على الرغم من العقبات التي تضعها إسرائيل”.
قالت مصادر طبية فلسطينية في مستشفى الشفاء بمدينة غزة ومستشفى العودة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، إن 20 مواطناً على الأقل، بينهم تسعة أطفال، استشهدوا منذ فجر الأحد، بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي قرب موقع زيكيم شمال غرب غزة، وقرب موقع نتساريم وسط قطاع غزة.
وبذلك يرتفع عدد الشهداء في قطاع غزة منذ فجر الأحد إلى 41 شهيداً، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وقال شاهد العيان أبو سمير حمودة (42 عاما) لوكالة فرانس برس إن جيش الاحتلال أطلق النار على مواطنين “أثناء محاولتهم الاقتراب من الحاجز العسكري الإسرائيلي” في منطقة زيكيم شمال غرب منطقة السودانية.
وفي رد على سؤال لوكالة فرانس برس، قال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في الأمر.
وفي بيان منفصل، قال إنه يواصل عملياته في غزة، قائلاً إنه يستهدف أعضاء “خلية إرهابية زرعت عبوة ناسفة لمهاجمة الجنود”، على حد تعبيره.
وأضاف الجيش الإسرائيلي أن سلاح الجو هاجم “أكثر من 100 هدف إرهابي في قطاع غزة” خلال 24 ساعة.
في غضون ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل جنديين من لواء جولاني 51 في خان يونس، جنوب قطاع غزة، يوم الأحد. وقد أصيبت مركبتهما المدرعة بانفجار. ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن الانفجار ناجم عن عبوة ناسفة زرعها مسلح خرج من نفق. ولا يزال الحادث قيد التحقيق.
أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عبر تويتر مقتل الجنديين، بالإضافة إلى وفاة جندي ثالث متأثرًا بجراحه. وقال: “لقد فقدنا ثلاثة من خيرة شبابنا في سبيل أمن دولتنا وإطلاق سراح رهائننا”.