“تصميم” أطفال خارقين: ما هي تقنية “تحسين النسل” التي اعتمدها إيلون ماسك؟

في خريف عام ٢٠٢١، أنجبت شيفون زيليس توأمًا من إيلون ماسك عبر التلقيح الاصطناعي. وسيرزق الرئيس التنفيذي لشركة نيورالينك المليارديرة بطفلين آخرين في عامي ٢٠٢٤ و ٢٠٢٥ .
وُلِد واحد على الأقل من أطفال ماسك الأربعة عشر بعد اختيار جنيني دقيق يعتمد على تقييم وراثي يُعرف باسم “درجة المخاطر الجينية المتعددة”، وهي تقنية تقدمها شركة ناشئة في وادي السيليكون تدعى Orchid Health .
هذه التقنية التي بدأ العمل بها سنة 2019 بتكلفة عالية جدا ، تسمح للنساء اللواتي يرغبن في الإنجاب بتحديد احتمال إصابة طفلهن بأمراض مزمنة في المستقبل وبالتالي الوقاية منها .
هذه التقنية تَعِدُ العالم بأطفال أصحاء تمامًا (ومن منا لا يرغب في ذلك؟)، لكنها تطرح أيضًا أسئلةً مهمة تتجاوز إنقاذ البشرية من أمراض المستقبل : هل نواجه زمنًا تُصمَّم فيه الخوارزميات للأطفال؟ هل ستصبح التقنية المصممة للوقاية من الأمراض وسيلةً لاختيار سمات “الأطفال الخارقين”؟ هل سيصبح التكاثر نتيجةً للجينات الانتقائية المسبقة واستخراج البيانات ، مما يُفاقم عدم المساواة والظلم بين الناس منذ لحظة الحمل؟
ما هو الفحص الجيني الشامل للأجنة؟
تعتمد هذه التقنية على تحليل كامل الحمض النووي للجنين، أي دراسة الخريطة الوراثية بأكملها ، والتي تتكون من حوالي ثلاثة مليارات جزء ، من خلال عدد صغير جداً من خلاياه .
وبدمج أداة تسمى تقييم المخاطر الجينية المتعددة ، وهي طريقة إحصائية لتقدير احتمال إصابة الطفل بأمراض معقدة مثل السرطان أو السكري أو الفصام ، فإن هذا النهج يعد بتوفير معلومات جينية دقيقة ومبكرة حول الحالة الصحية المحتملة للطفل، حتى قبل الولادة .
بخلاف الاختبارات الجينية التقليدية، التي تُركز على الأمراض النادرة الناتجة عن طفرة جينية واحدة، تُحلل تقنية تقييم المخاطر الجينية المتعددة (PGRA) مجموعات من المتغيرات الجينية لتقييم خطر الإصابة بأمراض شائعة. إنها ليست تشخيصًا، بل تنبؤًا قائمًا على الاحتمالات .
من رواد هذا المجال شركة أوركيد هيلث، وهي شركة ناشئة مقرها وادي السيليكون أسستها الباكستانية الأمريكية نور صديقي. تزعم الشركة أنها تقدم خدمات فحص الأجنة الأكثر شمولاً في السوق، حيث تُقيّم الأمراض أحادية الجين والحالات المعقدة باستخدام خوارزميات خاصة .
اليوم، يتم تقديم خدمات الأوركيد في أكثر من 100 عيادة أطفال الأنابيب في الولايات المتحدة .
وفقًا لتقرير حديث نشرته صحيفة واشنطن بوست، يتزايد الطلب على هذه الخدمة. ومع تزايد الوصول إلى قواعد بيانات جينومية واسعة، قد يتطور الوعد التكنولوجي بـ”اختيار” أطفال أصحاء من خيال علمي إلى ممارسة روتينية في عيادات الخصوبة .
ممارسة الجنس من أجل المتعة واختبار الأجنة للتكاثر
وتقول صديقي إنها تمتلك “رؤية طموحة تعتمد على خوارزميات تم تطويرها خصيصًا وتحليلات جينومية للقضاء على الأمراض والمعاناة” لدى الأطفال في المستقبل .
تقوم شركتها الناشئة بفحص الأجنة بحثًا عن آلاف الأمراض المحتملة، مما يسمح للآباء المتوقعين بالتخطيط لأسرهم بناءً على كمية غير مسبوقة من المعلومات حول أطفالهم .
في حين أصبح من الممارسات الشائعة في العقود الأخيرة أن يتم اختبار النساء الحوامل والأزواج الذين يخضعون لتكنولوجيا الإنجاب المساعد بحثًا عن اضطرابات وراثية نادرة ناجمة عن طفرات في جين واحد، مثل التليف الكيسي، أو التشوهات الكروموسومية مثل متلازمة داون، فإن شركة أوركيد هي أول شركة تدعي أنها قادرة على تسلسل الجينوم الكامل للجنين، والذي يتكون من 3 مليارات كروموسوم .
وتستخدم الشركة خمس خلايا جنينية فقط لدراسة أكثر من 1200 مرض نادر ناجم عن جين واحد، وتسمى الأمراض أحادية الجين .
وتستخدم الشركة أيضًا خوارزميات تم تطويرها خصيصًا لإنشاء ما يسمى “درجات المخاطر المتعددة الجينات”، وهي أدوات تقيس قابلية الطفل المستقبلي الجينية للإصابة بأمراض معقدة في وقت لاحق من حياته، مثل الاضطراب ثنائي القطب، والسرطان، ومرض الزهايمر، والسمنة، والفصام .
إن صديقتي، التي تأمل في إنجاب أربعة أطفال باستخدام الأجنة التي يتم فحصها في أوركيد، تدعو إلى فكرة أكثر جذرية تكتسب زخماً في عالم التكنولوجيا: وهي أن تكنولوجيات الخصوبة المتطورة بشكل متزايد والتي يسهل الوصول إليها من شأنها أن “تحل تدريجياً محل الجنس كطريقة مفضلة للتكاثر “.
“الجنس من أجل المتعة وفحص الأجنة من أجل التكاثر “، هذا ما قالته صديقتي في مقطع فيديو شاركته على موقع X (تويتر سابقًا).
وتشير إلى أن الوقت يقترب عندما يصبح من الطبيعي للأزواج اختيار أجنتهم من جدول بيانات، كما يفعل عملاؤها الحاليون، حيث يبلغ خطر الإصابة بأمراض القلب 1.7 مرة أعلى من المتوسط العام مقابل خطر الإصابة بالفصام 2.7 مرة أعلى .
شكوك حول دقة الاختبارات
وعلى الرغم من الوعود العظيمة التي قدمتها شركة أوركيد، فإن العديد من العلماء لديهم شكوك جدية حول دقة الاختبارات .
إن تسلسل الجينوم بأكمله لخمس خلايا جنينية فقط هو تقنية حساسة، ويقول الخبراء في جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا إن أخطاء كبيرة يمكن أن تحدث بسبب “تكبير” المادة الوراثية، مما قد يؤدي إلى تحريف النتائج .
كما تم انتقاد تطبيق تقييم المخاطر الجينية المتعددة باعتباره “غير ناضج سريريًا”، خاصة وأن دقته في الأجنة من أصل غير أوروبي انخفضت بسبب “التحيز في قواعد البيانات الجينية المتاحة”.
يعتقد بعض الخبراء أن الاختلافات الطفيفة بين الخوارزميات المستخدمة من قبل الشركات المختلفة قد تؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا، حيث لا يوجد معيار علمي موحد لضمان الموثوقية .
أجندة يمينية؟
ويربط البعض هذا الاتجاه المتزايد في تكنولوجيا الإنجاب بالحركة المؤيدة للولادة في الولايات المتحدة، والتي يروج لها العديد من الشخصيات في اليمين الأمريكي .
وأشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن أوركيد هي جزء من حركة ثقافية أوسع نطاقاً حيث تؤكد شخصيات مؤثرة في واشنطن ووادي السيليكون على أهمية الأبوة والأمومة .
وقد صرح نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس وإيلون ماسك والمستثمر الملياردير المحافظ بيتر ثيل، وهو أحد الرعاة الرئيسيين لشركة أوركيد، مرارا وتكرارا بأن انخفاض معدلات المواليد “يهدد مستقبل الدول الصناعية” وأن “الناس بحاجة إلى إنجاب المزيد من الأطفال لمواجهة هذا التراجع “.
وفي هذا السياق، فإن الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض في فبراير/شباط الماضي والذي يدعو إلى توسيع نطاق الوصول إلى علاجات التلقيح الاصطناعي له أهمية أيضاً .
العودة إلى “علم تحسين النسل”؟ 
يزعم العديد من النقاد أن استخدام تقنيات فحص الأجنة المبنية على تقييمات الجينات المتعددة يفتح الباب أمام شكل جديد من أشكال “التحسين النسلي التكنولوجي”، حيث يتم استخدام الوسائل العلمية لاختيار أو استبعاد سمات وراثية معينة ، بهدف خلق أفراد يعتبرون “أفضل” وراثياً .
إن هذه الرؤية لها تاريخ مثير للجدل، حيث ارتبط مفهوم “تحسين النسل” تقليديا بالمحاولات الاستبدادية للسيطرة على التكاثر البشري، سواء من خلال منع إنجاب الأطفال من قبل الجماعات التي تعتبر “أدنى” أو من خلال تعزيز خصوبة الجماعات التي تعتبر “متفوقة”.
ورغم أن هذا المشروع لم يعد يحمل طابعاً قسرياً، إلا أن التقنيات الحديثة تعمل على إحياء هذا المنطق، ولكن بشكل فردي وطوعي، تحت عنوان “الحرية والاختيار” .
وتتجاوز المخاوف الجانب الأخلاقي لتشمل البعد الاجتماعي أيضاً: إذ يمكن أن تؤدي مثل هذه الممارسات إلى تعزيز الشعور بالتفوق الجيني بين مجموعات معينة وتعميق الفوارق الطبقية، لأن هذه التقنيات متاحة فقط للأثرياء القادرين على “ تشكيل “ أطفالهم .
إن التركيز على خصائص معينة، مثل الذكاء أو الطول، يمكن أن يعزز أيضًا المعايير الضيقة للقيمة الإنسانية ويستبعد أولئك الذين لا يستوفون تلك المعايير قبل الولادة .
لكن القائمين على هذا المشروع ينفون أي علاقة بين المشروع وهذه الإتهامات .
ويزعم هؤلاء الأفراد، ومن بينهم نور صديقي، أن التلقيح الاصطناعي واجه حتى في بداياته في سبعينيات القرن العشرين موجة من الانتقادات والاتهامات، حيث اعتبره البعض شكلاً من أشكال “لعب دور الإله”.
“ ولكن مع مرور الوقت، أصبحت هذه التقنية شائعة ومقبولة على نطاق واسع وتستخدم اليوم لتحسين فرص الحمل لدى النساء اللاتي يواجهن صعوبة في الحمل، دون الاعتراضات التي نشأت عند تقديمها .”