زمن زياد.. قديش كان فيه ناس عن رمزية زياد رحباني الثقافية وتأثيره على عصره

رحل الفنان اللبناني الشهير زياد الرحباني عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا موسيقيًا ومسرحيًا وفكريًا ثريًا للجمهور اللبناني والعربي. كان عمره 69 عامًا. زياد هو ابن الفنانتين الراحلتين فيروز وعاصي الرحباني، ويُعتبر من أهم رواد الغناء والمسرح السياسي اللبناني.
شخصية زياد غنية ثقافيًا، فهو يمتلك حسًا فنيًا وإرثًا إبداعيًا، بالإضافة إلى موقف سياسي ذي آراء مثيرة للجدل. هذه التفاصيل المتشابكة في شخصيته تجعله مثيرًا للاهتمام للجمهور، الذي يرغب في معرفة المزيد عنه. من أهم الكتب التي تُعنى بمعرفة المزيد عن زياد كتاب “زمن زياد… كم كان عدد الناس؟” لطلال شتوي.
صدر كتاب “زمن زياد… كم عاش فيه؟” عن دار الفارابي للنشر في أكتوبر 2016. اختار المؤلف العنوان من مقولة للشاعر جوزيف حرب عام 1993: “زياد الرحباني يلتقي بكل من قدم إلى هذه الأرض”. شكّلت هذه المقولة نقطة انطلاق لمجموعة قصص متنوعة عن شخصيات عاشت في زمن زياد، وهي جملة يفتتح بها شتوي الكتاب.
يؤكد شتاوي أن الكتاب ليس سيرة ذاتية لزياد الرحباني، بل هو سرد روائي لحياة أشخاص عاشوا في بيروت لعقود. من خلالهم، تُجسّد الموسيقى والسياسة، والثقافة وخيبة الأمل، والفرح والحزن، في قالب سردي وثائقي يجمع بين الأسلوب الوثائقي والسرد السيرة الذاتية والسرد الروائي.
يقدم الكتاب قصصًا وحكايات من أشخاص لم يلتقوا زياد شخصيًا، لكن قصصهم تقاطعت مع فنه وفكره في أوقات وأماكن مختلفة في بيروت والعواصم المجاورة. وهذا يوضح مدى امتداد تأثير زياد خارج مدينته. وهكذا، يقدم شتوي زياد ليس فقط كرمز موسيقي بارز، بل يضعه أيضًا في سياق اجتماعي وثقافي أوسع، يمتد من سبعينيات القرن الماضي إلى مطلع الألفية الجديدة.
أيقونة ثقافية
في هذا الكتاب، لا يظهر زياد الرحباني كشخصية، بل كشخصية ثقافية. لا يتحدث الناس عنه مباشرةً، بل يتفاعلون مع أفكاره وأغانيه ومسرحياته وتعبيراته الساخرة ومواقفه السياسية من خلال حياتهم الشخصية.
يختار شتوي شخصيات النص بحيث تتوافق تجاربهم مع السياق السياسي الذي تنتقده أعمال زياد: انهيار فترة ما بعد الحرب، الشعور بالخيانة من قبل المنظمات السياسية، انهيار الطبقة المتوسطة، فقدان الأمل، ولكن من دون التخلي عن السخرية.
هذه الأنماط الثقافية – هياكل القيم والمعتقدات والعادات والرموز التي تُحدد سلوك الناس وفهمهم للعالم من حولهم – تجعل زياد حاضرًا في أعماق الزمان، حتى في غيابه الجسدي. إنه روحٌ مشتركة بين الجميع. كما يُصوّر النص زياد رمزًا لمواقف ورغبات جيله، الذي شهد الحرب ورأى الموت في كل مكان.