عاصفة سياسية في النمسا بعد توقيع رايسنجر بيانا يدين إسرائيل ويدعو لوقف حرب غزة

وقال دبلوماسي عربي لصحيفة الشروق: “إن توقيع وزير الخارجية على بيان ينتقد تل أبيب يعد خطوة استثنائية في دولة تضع أمن إسرائيل في مركز عقيدتها السياسية”.
أثار توقيع وزيرة الخارجية النمساوية بيات ماينل-ريزينجر إعلانًا دوليًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة وينتقد رفض الحكومة الإسرائيلية تقديم المساعدات الإنسانية جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية في فيينا. ووسط خلافات داخلية حادة، صدرت إدانة صريحة من إسرائيل، التي اعتبرت هذه الخطوة “خدمةً لحماس”.
وقال دبلوماسي عربي مقيم في فيينا لصحيفة الشروق: “في دولة وضعت أمن إسرائيل في مركز عقيدتها السياسية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن توقيع وزير الخارجية على بيان ينتقد تل أبيب يعد خطوة غير عادية وربما حاسمة”.
من صباح الثلاثاء إلى الأربعاء، تصدرت عناوين الصحف النمساوية ما وصفه البعض بـ”الانحراف المفاجئ” عن الموقف الدبلوماسي التقليدي للنمسا تجاه إسرائيل.
وفي حين أكد الوزير الليبرالي من حزب نيوس أن التوقيع لا يمثل “تغييرا في السياسة الخارجية، بل امتدادا لموقف إنساني وأوروبي”، فقد تم النظر إلى الحدث في وسائل الإعلام والسياسة على أنه “تغيير لغوي وسياسي غير مسبوق”.
إعلان الدول الـ 28… والتوقيع على اتفاقية فيينا
وقّعت النمسا على الإعلان الدولي مع 27 دولة من أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا، في إطار مبادرة أطلقها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي. ودعا النص، من بين أمور أخرى، إلى إنهاء الحرب فورًا وتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة. وفي الوقت نفسه، أشار إلى مسؤولية الحكومة الإسرائيلية عن “انتهاك كرامة السكان”، دون أن يُحمّل حماس مسؤولية اندلاع الحرب بشكل مباشر.
وساهم غياب دول مثل ألمانيا وجمهورية التشيك والولايات المتحدة عن البيان في تأجيج الجدل حول قرار الوزير النمساوي.
تل أبيب غاضبة
لم يتأخر رد الفعل الإسرائيلي. صرّح السفير الإسرائيلي في فيينا، ديفيد روآت، لوكالة “برس” يوم الأربعاء: “إن نشر مثل هذا البيان في هذا الوقت لا يُقرّبنا من وقف إطلاق النار، بل يُقوّي حماس ويُضعف مفاوضات الأسرى”. وأضاف: “البيان غير واقعي ويُرسل إشارات خاطئة”.
سبق للنمسا أن أعربت عن تضامنها مع إسرائيل، بل ورفعت علمها على المباني الرسمية خلال تصعيدات سابقة. لذلك، أثار هذا التغيير – بما في ذلك صياغته – صدمةً في تل أبيب، وحظي باهتمام واسع في وسائل الإعلام العبرية.
عدم المساواة الداخلية في الحكومة
رغم إعلان الوزيرة أنها أبلغت شركاءها في الائتلاف مسبقًا، التزم حزب الشعب النمساوي المحافظ (ÖVP) الصمت، بينما أعرب الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ) عن دعمه الواضح للوزيرة رايزنجر. وكتب نائب المستشار أندرياس بابلر على منصة إكس: “على النمسا واجب دولي في كشف الحقيقة بشأن الكارثة الإنسانية في غزة”.
في المقابل، شنّت صحيفة كرونين تسايتونغ المحافظة هجومًا شرسًا على الوزيرة، متهمةً إياها بالتناقض. وأشارت إلى أنها “قبل أسبوع واحد فقط، جددت تضامنها مع إسرائيل بالاشتراك مع وزيري الخارجية الإسرائيلي والألماني، ثم وقّعت بيانًا ينتقد تل أبيب دون ذكر مجازر حماس في 7 أكتوبر”، وفقًا للصحيفة.
الإعلام اليساري: خطوة متوازنة
لكن صحيفة “دير ستاندارد” اليسارية اعتبرت التوقيع في عددها الصادر صباح الأربعاء “تحولا لطيفا” في الخطاب السياسي النمساوي، وقالت: “يمثل الوزير حركة أوروبية جديدة تميز بين دعم إسرائيل وانتقاد حكومتها، دون انتهاك المبادئ الأخلاقية”.
وأضافت الصحيفة أن رايزنجر تنتمي إلى جيل سياسي جديد “يعتبر النقد العلني صداقة صادقة”. وفي ضوء هذه الانتقادات، أكدت الوزيرة في مقابلة مع التلفزيون الرسمي (ORF-ZiB2) أن موقفها “لا يدعم الإرهاب بأي شكل من الأشكال… ولكن لا يمكن تجاهل الوضع الكارثي للسكان المدنيين في غزة”.
التأثيرات الداخلية والخارجية المتوقعة
يخشى المراقبون في فيينا أن يؤدي هذا البيان إلى استمرار التوترات مع الحكومة الإسرائيلية، وأن يُقوّض التعاون الثنائي، لا سيما في القضايا الأمنية والتجارية. في المقابل، يرى آخرون أن النمسا قد تُعيد تموضعها ضمن محور أوروبي أكثر توازناً، يضم دولاً مثل فرنسا وبلجيكا وأيرلندا.
علق دبلوماسي عربي في فيينا على هذا التطور لصحيفة الشروق قائلاً: “تعكس الأحداث تحولاً دقيقاً وملموساً في الخطاب السياسي النمساوي. خطاب وزيرة الخارجية بيات ماينل رايزنجر يتوافق مع القانون الأوروبي مع الحفاظ على توازن دقيق في العلاقات مع إسرائيل”. وأكد أن “التحدي المقبل للوزيرة والحركة الأوروبية التي تمثلها هو الحفاظ على هذا التوازن”.
وأضاف الدبلوماسي العربي الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن توقيع بيان ينتقد فيه وزير الخارجية تل أبيب يعد خطوة استثنائية وحاسمة محتملة في بلد وضع أمن إسرائيل في مركز عقيدته السياسية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتساءل: “هل نشهد بداية مرحلة جديدة في السياسة الخارجية النمساوية؟ أم أنها ستتلاشى تحت ضغط الحلفاء وغضب إسرائيل؟ الأشهر المقبلة ستُظهر ذلك”.