خالد جلال يخرج افتتاح المهرجان القومي للمسرح.. ويقدم بانوراما حية لكواليس العروض وتجهيزاتها

نجح المخرج المبدع خالد جلال في افتتاح الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري بعرضٍ استثنائي. ففي عرضٍ مسرحيٍّ استمر قرابة عشرين دقيقة، جمع جلال بين البهجة والدهشة والصدق الفني. وقد قدّم العرض مخرجًا وممثلًا، مُستحضرًا بذلك سحر المسرح حين يُقدّمه جمهوره الوفي.
عرض تقديمي عن المسرح… خلف الكواليس لم يكن العرض تقليديًا أو احتفاليًا بالمعنى المعتاد، بل كان “عرضًا داخل عرض”، إذ استندت فكرته إلى “رغبة” رئيس المهرجان، الفنان محمد رياض، ومديره عادل عبده، للمخرج خالد جلال في إنجاز العمل قبل الافتتاح. إلا أن جلال أصرّ على إبقاء أفكاره وتفاصيل المشروع سرية رغم ضيق الوقت، وبجملة عبّرت عن بساطة الفكرة وعمقها، قال للجميع: “ما هو الافتتاح؟ إنه عن المسرح! وأن المسرح جميل ورائع… والمسرح رائع، والخلاصة: ألف مبروك، والمسرح يُسعدنا!… والجوائز جميلة… وهكذا”.
هذا الحوار البسيط والعفوي يُجسّد جوهر العرض، الذي بدأ ككوميديا ساخرة، ولكنه في جوهره سردٌ صادقٌ لشغف المسرح وتحديات إبداعه. يُقدّم بانوراما نابضة بالحياة للخوف والعزيمة والتجريب الذي لا ينتهي خلف الكواليس.
الضحك والدهشة: سطر كوميدي مميز مع جمال عبد الناصر من أبرز لحظات العرض الكوميدية، الحوار الساخر بين خالد جلال والفنان والإعلامي جمال عبد الناصر، رئيس اللجنة الإعلامية للمهرجان. دار حوارٌ ظريف حول طلب عبد الناصر الكشف عن تفاصيل الافتتاح للتغطية الإعلامية، بينما رفض جلال بعناد، مُصرّاً على السرية التامة. أدى ذلك إلى مواقف فكاهية ومفارقات ذكية أضفت على العرض خفةً ومتعة، مُعبّرةً ببراعة عن علاقة الإعلام بالعمل الفني خلف كواليس المهرجانات.
كما أبدع الفنان عمرو عبد العزيز في الكوميديا الموازية، مُقلّدًا عددًا من نجوم المسرح المحبوبين، مُعيدًا النجوم بصوته. بروح مرحة وحنين إلى زمن الفن التشكيلي، جسّد شخصيات سمير غانم وسناء جميل ويوسف داوود، مُثيرًا الضحك ومُضفيًا على العرض لمسةً خاصة من الحنين الشعبي.
على النقيض من هذا الطابع الكوميدي، قدّم العرض أيضًا دراما مؤثرة ومأساوية ذات شخصية قوية. قدّمت الممثلة غادة طلعت مونولوجًا لسميحة أيوب من مسرحية “سكة السلامة”، بينما قدّمت فاطمة محمد علي مونولوجًا آخر لسميحة أيوب من مسرحية “الوزير العاشق”. أحيت أصواتهما وأدائهما لحظات ذهبية لأعمال شكّلت وعي أجيال من محبي المسرح.
اختُتم هذا الجانب التعبيري بمونولوج “الكلمة” الذي قدمه ميدو عادل بدعم صوتي مميز من الفنان محمد عبده. كانت لحظة مؤثرة جمعت بين الأداء الحي والقوة الشعرية للنص، مؤكدةً أن الكلمة تبقى روح المسرح وسلاحه النبيل في مواجهة كل ما يعيق رسالته.
أبطال حقيقيون … بشخصياتهم الحقيقية ومن السمات الفريدة الأخرى لهذا العرض الاستثنائي مشاركة عدد كبير من نجوم مركز الإبداع الفني، خريجي سنوات مختلفة، الذين أخذوا أدوار شخصياتهم الحقيقية، وبالتالي طمس الحدود بين التمثيل والواقع، بين السيناريو والحياة.
شارك في الحفل: ميدو عادل، عمرو عبد العزيز، مريم السكري، غادة طلعت، حبيبة حاتم، فرح حاتم، إبراهيم طلبة، نادين خالد، مي حسين، حبيبة زيتون، شيما بن عشا، أمنية السيد، نهى فريد، خالد رسلان، أحمد وهبة، سيف أمين، أشرف كابونجا، “كرف”، نجم ستار أكاديمي وخريج مركز الإبداع محمد سراج، المخرج والإعلامي جمال عبد الناصر، خريج السنة الأولى (رئيس اللجنة الإعلامية)، إلى جانب علاء فهمي (المدير التنفيذي للحفل)، مناضل عنتر (مصممة رقصات)، المطربة فاطمة محمد علي، النجم محمد عبده (عضو فرقة واما) وغيرهم من المبدعين الذين حملوا روح الاحتفال على أكتافهم.
لم يقتصر الأمر على مشاركة الممثلين فحسب، بل صعد على خشبة المسرح مصمم الديكور محمد الغرباوي، والشاعران محمد بهجت وعماد عبد المحسن، ومصممة الأزياء هالة الزهوي، مستخدمين أسماءهم وألقابهم الحقيقية، مما خلق اندماجًا غير مسبوق بين مبدعي العرض ومحتواه. أما موسيقى نص بهجت “افتحوا ستائر مسارحنا” فقد لحنها أحمد طارق يحيى.
النهاية الكبرى… “افتحوا ستائر مسارحنا” كان حفل الختام غامرًا. قدّم الراقصون والممثلون عرضًا ديناميكيًا غنائيًا حمل رسالة أمل ومسرح. بدأ بعبارة مؤثرة: “افتحوا ستائر مسارحنا!”، تحوّلت هذه العبارة إلى صرخة فرح وإشارة حياة لجميع المسرحيين الذين يحلمون بعودة الحياة إلى جميع المسارح: بفتح الستائر، وإضاءة المسرح، وإحياء طقوس المسرح في جميع أنحاء مصر. عبّرت هذه العبارة الختامية عن جوهر العرض: فقد كان الهدف منه أن يُمثّل ذروة فرحة الأمسية وروح التكاتف.
عرض يكرم المسرح ويسعد الجمهور نجح خالد جلال في تقديم عرض يُكرّم المسرح بطريقته الفريدة، عرض يُضحك الجمهور ويشعر بالفخر، ويُعبّر عن ارتباط عميق بهذا الفنّ الرائع. بذكائه المعهود، قدّم مشاهد كوميدية قوية تتنقل بسلاسة بين الواقع والخيال، بين رهبة اللحظة وفرح النجاح، مؤكدًا أن المسرح لا يزال قادرًا على إثارة الدهشة والفرح والابتهاج حتى مع ضيق الوقت واحتدام الكواليس.
تحيات التقدير ما قدمه خالد جلال في هذا الافتتاح لم يكن مجرد عرض؛ بل كان رسالة حب للمسرح المصري، ودرس في كيفية تحويل الوقت المحدود إلى مساحة للإبداع وتسخير الطاقة الحقيقية لمحترفي المسرح لخلق مشهد فني شامل: “المسرح يجعلنا سعداء…” قال خالد جلال، وكانت هذه هي رسالة العرض.