“هفسّحك في لندن يا أمي”.. قصة عالم صعيدي بدأ من باطن الأرض ووصل إلى قمة العلم (صور)

كان وعدًا بسيطًا لكنه مؤثر: “سآخذكِ معي يا أمي إلى لندن أو برلين”، قال الصبي الصعيدي أحمد إبراهيم لأمه الحاجة هدية. في ذلك الوقت، بين منزلٍ دمره الفيضان وعملٍ شاقٍّ في ورشة رخام، بدا هذا الحلم شبه مستحيل.
لكن الإيمان بالأم والنضال الصامت حوّل الحكم إلى لحظة إنسانية نادرة، تجسدت في رؤية الأم وابنها يسيران معًا في شوارع العاصمة البريطانية بعد 23 عامًا من العمل الجاد والمثابرة.
هذه ليست مجرد قصة عالم متخرج، بل قصة كفاح بدأ في مناجم الفوسفات والجدران المتشققة، وامتد عبر ورش الرخام والمقاهي، وانتهى في أروقة العلوم البريطانية. خُلد اسمه في قائمة أكثر علماء العالم تأثيرًا، وعلّمنا درسًا عميقًا في الوفاء والعمل الجاد والعطاء.
الطفولة في باطن الأرض
وُلِد أحمد إبراهيم في قرية أم الحويطات، وانتقل مع عائلته إلى سفاجا بعد انهيار منزلهم جراء فيضان عام ١٩٩٧. في سن العاشرة، عمل مع والده في منجم فوسفات، وعاش أصعب أيام حياته، مُعرِّضًا لدرجات حرارة شديدة وأعمال بدنية شاقة. لم يكن أحد ليتخيل أنه سيصبح عالمًا بارزًا يومًا ما.
من ورشة البلاط إلى قاعة العلوم
عمل في ورشة بلاط ورخام، فتشققت يداه من الجير. ثم غيّر عمله حتى التحق بالجامعة، حيث عمل نادلًا في مقهى ليكسب رزقه.
ولكنه كان الطالب الأفضل في دفعته بكلية العلوم بجامعة جنوب الوادي واستمر في العمل هناك حتى تقرر تعيينه مساعداً للتدريس.
لقد قللوا من أهمية لهجته، لكنه أذهلهم بمعرفته.
حصل إبراهيم على منحة دراسية قصيرة للدراسة في بريطانيا العظمى، حيث استقبله أحد مشرفيه بازدراء قائلاً: “قل “سعيد” بالعربية. لا شأن لك بالتحدث بالإنجليزية”. لكن الشاب، الذي تعلم الإنجليزية بنفسه، أبهر الجميع بإجاباته ونشر نتائج بحثية مبهرة، مما أهله للحصول على منحة دراسية كاملة لمتابعة الدكتوراه في جامعة كوينز، وأدى في النهاية إلى تعيينه أستاذًا.
الاعتراف العالمي
صُنِّف لاحقًا ضمن أفضل ٢٪ من العلماء عالميًا، ومع استمرار نجاحه، كُلِّف بقيادة مشروع بحثي من قِبل الأستاذ نفسه الذي استهان به في البداية. وهكذا اكتملت دائرة التقدير والتميز.
رسالة علمية شعبية
أسس قناة “علم تيوب” على يوتيوب، والتي يتابعها أكثر من مليوني شخص. ويقول إنها منصة ينشر من خلالها معرفته لمساعدة الشباب المصري.
صوت علمي في قمة المناخ
في سن السابعة والثلاثين، تلقى دعوة من الولايات المتحدة لحضور قمة المناخ في شرم الشيخ، حيث عرض نتائج أبحاثه على قادة العالم. وكتب آنذاك: “الصعيد مصدر فخر لمصر، فهو رمز للفروسية والاجتهاد والابتكار”.
بحاجة إلى هدية.. أصل القصة
وفي منشوره الذي انتشر على نطاق واسع، كتب أحمد عن والدته التي كانت توقظه دائمًا قبل شروق الشمس وتساعده في بناء المنزل حجرًا حجرًا، والتي آمنت به عندما كتبت بالطباشير على جدار غرفة النوم: “دكتور أحمد إبراهيم”.
واختتم إبراهيم منشوره قائلاً: “إذا آمنت والدتك بحلمك، فستؤمن به أنت أيضًا وتتمسك به… استمر وتمسك بحلمك، وستحققه إن شاء الله. لكن الأهم هو رد الجميل، فبدونها أنت لا شيء”.