ما الذي عطّل الإعلان عن وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
وتعثرت محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد أن تبادلت حماس وإسرائيل الاتهامات يوم السبت، كما تعثرت محاولات التوصل إلى اتفاق بعد ما يقرب من أسبوع من بدايتها.
قال أحد كبار قادة حركة حماس لبي بي سي إنه يستبعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الحركة وإسرائيل خلال الساعات القليلة المقبلة، ونفى التقارير الإعلامية التي تتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق.
في هذه الأثناء، قال مسؤول إسرائيلي لرويترز إن حماس تتمسك “بمواقف تمنع الوسطاء من المضي قدما في الاتفاق”، فيما تلقي حماس باللوم على “المطالب الإسرائيلية” في عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما.
وقالت مصادر فلسطينية وإسرائيلية مطلعة على المفاوضات في الدوحة يوم السبت إن المحادثات توقفت بسبب اختلاف الجانبين بشأن انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع الفلسطيني.
تعقيدات “بطاقات السحب”
وخلال الجولة الخامسة من المحادثات، سلم المفاوضون الإسرائيليون رسالة مكتوبة إلى الوسطاء تفيد بأن إسرائيل ستحافظ على “منطقة عازلة” محدودة داخل قطاع غزة، بعمق يتراوح بين كيلومتر واحد إلى كيلومتر ونصف.
وبحسب مسؤول فلسطيني شارك في جولتين على الأقل من المحادثات، فإن حماس نظرت في البداية إلى الاقتراح باعتباره نقطة بداية محتملة للتوصل إلى اتفاق.
ولكن عندما طلبت حماس خريطة لمناطق الانسحاب الإسرائيلي المقترحة، تناقضت مع التقرير السابق وأشارت إلى مناطق عازلة يصل عمقها إلى ثلاثة كيلومترات في مناطق معينة.
وتشمل هذه المناطق مدينة رفح الجنوبية بأكملها، ونحو 85% من قرية خزاعة شرقي خان يونس، وأجزاء كبيرة من مدينتي بيت لاهيا وبيت حانون الشماليتين، والأحياء الشرقية لمدينة غزة مثل التفاح والشجاعية والزيتون.
وقال مصدر فلسطيني لوكالة فرانس برس إن حماس ترفض خطط فك الارتباط التي اقترحتها إسرائيل والتي من شأنها أن تضع نحو 40 في المئة من قطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، بما في ذلك منطقة جنوب رفح بأكملها ومناطق أخرى في شمال وشرق قطاع غزة.
وأوضح المصدر أن المقترح سيُجبر مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين على النزوح إلى منطقة صغيرة قرب مدينة رفح، على الحدود مع مصر. وأضاف: “لن يقبل وفد حماس بالخطط الإسرائيلية، لأنها ستُشرّع إعادة احتلال ما يقرب من نصف قطاع غزة، وتُحوّل غزة إلى مناطق معزولة بلا معابر حدودية وحرية حركة”.
صرح مفاوض فلسطيني لبي بي سي بأن إسرائيل غير جادة في هذه المحادثات، وأنها استغلت هذه الجولات لكسب الوقت وتقديم صورة مضللة عن التقدم. وأشار إلى أن إسرائيل تنتهج استراتيجية طويلة الأمد للتهجير القسري تحت ستار التخطيط الإنساني.
في هذه الأثناء، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن مسؤول أجنبي لم تسمه مطلع على التفاصيل، أن خرائط جديدة سيتم الكشف عنها يوم الأحد.
في هذه الأثناء، قال مصدران إسرائيليان لوسائل إعلام إسرائيلية إن حماس تريد من إسرائيل الانسحاب إلى الخطوط التي سيطرت عليها خلال وقف إطلاق النار الأخير قبل استئناف إسرائيل هجومها في مارس/آذار.
عقدة التوزيع المساعدة
وقال المصدر الفلسطيني لوكالة فرانس برس إن قضايا المساعدات والضمانات لإنهاء الحرب تشكل أيضا تحديات في المفاوضات، مشيرا إلى أن الأزمة يمكن حلها من خلال مزيد من التدخل الأميركي.
وتصر حماس على أن المساعدات الإنسانية يجب أن تصل إلى غزة ويتم توزيعها من خلال وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، في حين تدفع إسرائيل إلى توزيع المساعدات من خلال مؤسسة غزة الإنسانية المثيرة للجدل، والتي تدعمها إسرائيل والولايات المتحدة.
ومع ذلك، قال وسطاء مشاركون في المفاوضات الجارية لبي بي سي إنه تم تحقيق “تقدم محدود” في سد الخلافات حول هذه القضية، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بعد.
لطالما طالبت حماس باتفاق لإنهاء الحرب بشكل كامل قبل إطلاق سراح الرهائن المتبقين. إلا أن إسرائيل تُصرّ على أنها لن تُنهي القتال حتى إطلاق سراح جميع الرهائن وحلّ حماس كقوة قتالية تُسيطر على قطاع غزة.
وأعلنت حماس وإسرائيل أنهما ستفرجان عن عشرة أسرى في حال التوصل إلى اتفاق.
وفي إسرائيل، خرجت مظاهرات في شوارع تل أبيب، السبت، مطالبة الحكومة بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.
عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية
قالت مصادر طبية فلسطينية إن عدد شهداء قصف سوق شعبي في حي السمر وسط مدينة غزة ظهر الأحد ارتفع إلى 15 شهيداً بينهم أحمد قنديل أخصائي الجراحة العامة في مستشفى المعمدانية بالمدينة.
وفي الساعات الأخيرة، أدت تفجيرات بالقنابل على بنايتين سكنيتين في حيي تل الهوى والزيتون في مدينة غزة إلى مقتل ثمانية أشخاص آخرين، ما يرفع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى أكثر من 50 شخصا منذ صباح اليوم.
أفادت مصادر فلسطينية بأن عدد الشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أمس السبت ارتفع إلى نحو 200 شهيد، معظمهم من النساء والأطفال. ومن بين القتلى نحو 45 شخصًا كانوا يطلبون المساعدة أو ينتظرونها، معظمهم من النساء والأطفال.
قال شاهد العيان محمود مكرم لرويترز: “كنا جالسين هناك عندما أُطلق علينا النار فجأةً لمدة خمس دقائق. كنا نجلس بثبات تحت نيران كثيفة، وكانت الطلقات مُستهدفة. لم تكن عشوائية. أُصيب البعض في الرأس، والبعض الآخر في الجذع، بينما أُصيب رجل بجواري مباشرة في القلب”.
وأضاف: “لا رحمة، لا رحمة. الناس يتضورون جوعًا، لكنهم يموتون ويعودون جثثًا في أكياس”.
وأظهرت لقطات فيديو أكياس الجثث في ساحة مستشفى ناصر، محاطة بالأطباء وأشخاص بملابس ملطخة بالدماء.
وفي مقطع فيديو آخر، قال رجل إن الناس كانوا ينتظرون المساعدة الطبية لمدة خمس دقائق عندما تم إطلاق النار عليهم، في حين اتهم أحد المسعفين القوات الإسرائيلية “بقتلهم بدم بارد”.
من جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه هاجم “نحو 250 هدفا في أنحاء قطاع غزة” خلال الـ48 ساعة الماضية.
وأضاف أن طائراته المقاتلة هاجمت “أكثر من 35 هدفا لحماس” في محيط بيت حانون شمال قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالهجمات التي استهدفت الفلسطينيين بالقرب من موقع توزيع المساعدات، قال الجيش الإسرائيلي إن “مراجعته للحادث لم تجد أي دليل على إصابة أي شخص في محيط الموقع بنيران جنوده”.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إن طلقات تحذيرية أطلقت لتفريق الأشخاص الذين اعتبرهم الجيش الإسرائيلي تهديدا.
قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إنها سجلت حتى الآن 798 حالة وفاة مرتبطة بتسليم المساعدات، بما في ذلك 615 حالة وفاة في محيط مواقع مؤسسة غزة الإنسانية التي تديرها الولايات المتحدة وإسرائيل في جنوب ووسط قطاع غزة.
بعد الرفع الجزئي للحصار عن قطاع غزة في أواخر شهر مايو/أيار، قدمت إسرائيل نظامًا جديدًا لتوزيع المساعدات، بالاعتماد على مجموعة مدعومة من الولايات المتحدة قامت بتوزيع الغذاء تحت حماية الجيش الإسرائيلي.
رفضت الأمم المتحدة هذا النظام، معتبرةً إياه خطيرًا بطبيعته وانتهاكًا لمبادئ الحياد الإنساني. بدورها، تقول إسرائيل إن النظام مصمم لمنع المسلحين من إساءة استخدام المساعدات.
منذ بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل ما لا يقل عن 57,882 فلسطينياً في غزة، معظمهم من النساء والأطفال، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.
