اتفاق غزة المتعثر.. هدنة ثالثة أم نهاية لـ 22 شهرًا من العدوان على القطاع؟

منذ 10 ساعات
اتفاق غزة المتعثر.. هدنة ثالثة أم نهاية لـ 22 شهرًا من العدوان على القطاع؟

* مصدر أميركي: حماس ليس لديها خيار آخر غير ما هو مطروح حالياً. * مصدر مصري: إنهاء الحرب والانسحاب النهائي لإسرائيل من غزة يشكلان تحديات أكبر بكثير مما يتم التفاوض عليه حاليا. * قيادي في حركة حماس: نلمس تسارعاً في إبرام الاتفاق الذي تريده إسرائيل وأميركا رسمياً.

بين الدوحة وواشنطن، تترقب الأوساط السياسية في الشرق الأوسط نتائج الجهود الحثيثة للتوصل إلى اتفاق ينهي الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة. وكان الوفد الإسرائيلي وقيادة حماس قد بدأوا سابقًا مفاوضات غير مباشرة برعاية وسطاء من مصر وقطر. يأتي ذلك على خلفية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، حيث يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويسعى ترامب جاهدًا للتوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن قبل انتهاء مهلة جائزة نوبل للسلام، التي تُشكل مصدر قلق كبير بالنسبة له.

لكن في ظلّ تعدد المتغيرات الإقليمية والإقليمية، يُطرح السؤال: هل يُفضي المقترح، الذي يتضمن تعديلاً على الوثيقة الأخيرة للمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 22 شهراً… أم سيستمر مسار الحلول الجزئية؟ قد يعني هذا وقف إطلاق نار ثالث، يستأنف الاحتلال بعده عدوانه على سكان قطاع غزة.

يعتقد وسيطٌ شارك في مفاوضاتٍ سابقةٍ أفضت إلى إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي إيدان ألكسندر، وهو مواطنٌ أمريكي، أن هناك “فرصةً سانحة”. ويجادل بأن حماس ليس لديها خيارٌ آخر لإنهاء الحرب حتى يتنفس أهل غزة الصعداء سوى قبول الاتفاق المقترح، حتى وإن لم يُلبِّ جميع مطالب الحركة.

يعتقد الوسيط الأمريكي، وهو عربي الجنسية، أنه بسبب التوترات الداخلية في إسرائيل، يصعب حاليًا مناقشة إنهاء الحرب، حتى لو كانت لدى الحكومة الأمريكية رغبة صادقة في ذلك. وأوضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يقبل بإنهاء الحرب في الوقت الحالي، ولكن تحت ضغط ترامب، قد يُجبر على الموافقة على اتفاق جزئي يُعيد الهدوء الداخلي بشأن الأسرى الإسرائيليين، ويجنب غضب الرئيس الأمريكي، ويحقق مكاسب إضافية لمصالح إسرائيل الإقليمية.

منذ بداية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، سُجِّل وقف إطلاق نار مرتين. استمر الأول سبعة أيام، والثاني 42 يومًا. وكان جزءًا من اتفاق من ثلاث مراحل يهدف إلى إنهاء الحرب بشكل كامل.

وأكد مصدر مصري مطلع على المفاوضات تصريحات الوسيط الأميركي، حيث قال: “إن المحادثات بشأن إنهاء الحرب بشكل كامل وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة أهم بكثير مما يتم اقتراحه خلال المفاوضات الجارية”.

وأوضح المصدر أن “إنهاء إسرائيل للحرب مشروط بثلاثة شروط: إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة بشكل كامل، ونزع سلاح المقاومة، وطرد قيادتها من القطاع”. وأضاف: “أحد الشروط التي قد تكون ممكنة هو إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة، شريطة أن تكون الحركة مستعدة لتسليم إدارة القطاع إلى لجنة الدعم المجتمعي التي اقترحتها مصر، والمكونة من شخصيات مستقلة غير فصائلية”.

إلا أن المراقب المصري يرى أن رفض حماس تسليم سلاحها وسحب قادتها وعناصرها من قطاع غزة يُشكّل عائقًا أمام قرار إسرائيل إنهاء الحرب. وأكد: “هذه ليست رغبة إسرائيلية فحسب، بل قناعة أمريكية أيضًا. وهذا يعني أن الحركة الحالية ليست سوى جولة جديدة حتى يحدث تغيير جذري يدفع أحد الطرفين إلى التراجع عن التزاماته”.

يشير المصدر إلى اختلاف جوهري في رؤية الطرفين للاتفاق المقترح. فحماس تطالب بإنهاء الحرب نهائيًا وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، بينما تربط إسرائيل ذلك بإنهاء حكم حماس في القطاع، وطرد قادتها، وتسليم سلاحها – وهي أمور تبدو مستحيلة حاليًا. هذا يعني أن الحرب ستستمر ما لم يكن لدى ترامب مصلحة في إنهائها لتطبيق اتفاقيات أخرى، مثل تطبيع العلاقات مع سوريا أو السعودية.

لتفسير ضغوط واشنطن الحالية للتوصل إلى اتفاق – وإن لم يكتمل بعد – صرّح ترامب باهتمامه الشديد بجائزة نوبل للسلام لكونه أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم في مجال حل النزاعات. وأشار إلى تصريحات ترامب السابقة حول دوره في إنهاء المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان. ويعتقد أن التدخل الأمريكي في الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل كان حاسمًا في إنهاء هذه المواجهة بسرعة.

ومع ذلك، صرّح مسؤول كبير في حماس قائلاً: “الحركة تُدرك جيداً أن الضغط الأمريكي الحالي للتفاوض مُصطنع وغير واقعي”. وأضاف: “اضطرت المقاومة بقيادة حماس للموافقة على الاتفاق المُقترح رغم غياب ضمانات حقيقية وجادة لإنهاء الحرب”. وأوضح: “نشأ هذا الإكراه في ظل الوضع الإنساني الكارثي في غزة، والمجاعة والإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال”.

وقال القيادي في الحركة: “ترامب يمارس ضغوطا كبيرة على الوسطاء، ومن ثم ينتقل هذا الضغط إلى حماس”، مضيفا: “نشهد تسارعا واضحا نحو اتفاق تريده إسرائيل وأميركا رسميا”.

قال قائد الحركة: “ندرك أن ترامب مهووس بفكرة الفوز بجائزة نوبل، وقد يكون هذا دافعه، لا سيما مع اقتراب موعد الإعلان عن الجائزة”. وتابع: “كنا نعتقد أن التقارير الصحفية الأمريكية التي أشارت إلى هذا الهوس من جانب الرئيس الأمريكي غير صحيحة، لكن مجريات الأحداث والتسرع الشديد – في ظل عدم وجود رغبة حقيقية في إنهاء الحرب – يؤكدان صحة هذه التقارير”.

وذكر موقع “أكسيوس” الأميركي أن الإشارات إلى جائزة نوبل للسلام تزايدت في الأوساط السياسية المحيطة بترامب، خاصة في ظل مساعيه لإنهاء القتال في أوكرانيا وقطاع غزة.

وأوضح القيادي في الحركة أن حماس تشاورت مع كافة الفصائل قبل إعطاء رد نهائي على المقترح، وأن الجميع اتفق على ضرورة وقف إطلاق النار، في ظل الوعي الواسع بنوايا الاحتلال وحليفه الأميركي، وعدم وجود ضمانات بوقف الحرب.

وجهة نظر أخرى، من أحد الأطراف الرئيسية، تُوضّح أن الاتفاق الحالي، في حال نجاحه، لن يكون أكثر من مجرد وقف إطلاق نار مؤقت. وصرح المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي، محمد الحاج موسى، بأن الوثيقة المعروضة لا تتضمن أي إشارة إلى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو شرط أساسي لأي اتفاق.

في مقابلة مع صحيفة الشروق، أوضح موسى أنه في ظل المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لتحويل المقترح إلى اتفاق جزئي، صغنا كفصائل مقاومة معادلةً تلبي أهداف وشروط إنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلي. هذه المعادلة تختبر التزام الطرف الآخر باتفاق حقيقي، وتؤكد أن التضحيات الكبيرة التي قدمتها غزة لا يمكن أن تذهب سدىً دون اتفاق واضح وشامل.

رغم تفاؤل الولايات المتحدة بوقف وشيك لإطلاق النار في قطاع غزة، إلا أن جميع المؤشرات تُشير في النهاية إلى اتفاق جزئي لن يشمل إنهاء الحرب إلا بعد حلّ القضايا الجوهرية بالنسبة لإسرائيل، كسلاح المقاومة وانسحاب قادتها. وينطبق الأمر نفسه على حماس، التي تطمح أيضًا إلى إنهاء الحرب، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وإعادة إعماره.


شارك