رسوم ترامب الجمركية الجديدة تربك الأسواق العالمية وتُعيد شبح الحرب التجارية

ميشيل صليبي: الأسواق الآسيوية كانت مرنة نسبيا، في حين تراجعت مؤشرات وول ستريت. أحمد عزام: التصعيد الأخير يشكل مخاطر على شركات الاستيراد الأميركية.
أجّج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوترات في الأسواق العالمية مجددًا بإعلانه عن جولة جديدة من الرسوم الجمركية المرتفعة على مجموعة من شركائه التجاريين، لا سيما اليابان وكوريا الجنوبية. أثار هذا الإعلان قلق المستثمرين وتسبب في انخفاض حاد في مؤشرات وول ستريت، بينما حافظت الأسواق الآسيوية على صمودها النسبي.
يحذر محللو الأسواق المالية من عواقب وخيمة في حال تطبيق هذه الرسوم الجمركية. ويتوقعون موجة من التقلبات الهائلة التي قد تُغير النظام التجاري العالمي. وستؤثر هذه التقلبات على الأسواق المالية العالمية مع تصاعد التوترات بشأن الرسوم الجمركية، مما يُقلق المستثمرين ويُقلقهم.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أولى الرسوم الجمركية يوم الاثنين، والتي ستفرض رسومًا جمركية أعلى على شركائه التجاريين الرئيسيين. وتشمل هذه الرسوم رسومًا جمركية بنسبة 25% على البضائع الواردة من اليابان وكوريا الجنوبية، اعتبارًا من الأول من أغسطس.
وأعلن ترامب أيضا عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على ماليزيا وكازاخستان، في حين ستواجه جنوب أفريقيا رسوما جمركية بنسبة 30 بالمئة، ولاوس وميانمار رسوما جمركية بنسبة 40 بالمئة، وتونس رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة.
كما هدد ترامب مجموعة دول البريكس، حيث أعلن في منشور على موقع Truth Social أن الولايات المتحدة ستفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على “أي دولة تتبنى السياسات المناهضة لأميركا التي تنتهجها دول البريكس”، دون استثناء.
قال ميشيل صليبي، كبير محللي السوق في FxPro، إن الأسواق العالمية تأثرت بشكل واضح بتصريحات دونالد ترامب، مما أدى إلى انخفاض نسبي في مؤشرات وول ستريت نتيجةً لحذر المستثمرين وقلقهم. ويشير هذا إلى أن السوق تتوقع الآن تقلبات محتملة قبل فرض الرسوم الجمركية، التي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس.
أوضح صليبي أن الأسواق الأمريكية تراجعت بعد أن وصلت إلى مستويات تاريخية. هذا يعني أن هذا التراجع يعود جزئيًا إلى تصحيح الأسعار، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين والقلق التي انتابت المستثمرين في ظل تصاعد التوترات بشأن الرسوم الجمركية.
أوضح صليبي أن الأسواق في آسيا تفاعلت بمرونة نسبية. ويعود ذلك إلى نوعية الأسهم التي قادت الارتفاع. واستفادت أسهم التكنولوجيا، وخاصةً شركات صناعة الرقائق، من الطلب العالمي القوي واستمرار التفاؤل في مجال الذكاء الاصطناعي. وساهم ذلك في تخفيف الخسائر، بل وأدى إلى تحقيق مكاسب. وأكد أن هذه المرونة ليست جديدة، إذ أبدت الأسواق الآسيوية استعدادًا لمعالجة النزاعات التجارية السابقة، وأصبح المستثمرون المحليون الآن أكثر استعدادًا للتقلبات.
وفيما يتعلق بالين الياباني، أشار صليبي إلى أن ضعفه أمام الدولار أمر طبيعي، وأن هذا الضعف يساعد في دعم المصدرين اليابانيين، ويعزز أرباح الشركات الكبرى، ويساهم في ارتفاع مؤشر نيكاي.
رغم المخاوف السائدة، يسود تفاؤل بين المستثمرين، لا سيما في ظل التوقعات بأن هذه الخطوة قد تُمثل أداة تفاوضية لترامب، وربما تفتح الباب أمام الحصول على إعفاءات أو إعفاءات قبل الموعد النهائي. علاوة على ذلك، تُشير العلاقة الاستراتيجية القوية بين واشنطن وطوكيو وسول إلى بعض المرونة في التعامل مع هذه الرسوم الجمركية.
وتوقع صليبي أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول الأول من أغسطس/آب ودخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ دون اتفاق، فإن الأسواق قد تواجه ضغوطاً أكبر في الفترة المقبلة، وخاصة على أسهم الصادرات الآسيوية، ما قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في مؤشراتها.
صرح كبير المفاوضين التجاريين اليابانيين، ريوسي أكازاوا، يوم الثلاثاء، بأن أي اتفاقية تجارية بين اليابان والولايات المتحدة يجب أن تتضمن تنازلات جمركية لصناعة السيارات، وهي صناعة حيوية. وأضاف أكازاوا أنه أجرى محادثة هاتفية لمدة 40 دقيقة مع وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، واتفق الجانبان على مواصلة المفاوضات “بشكل نشط”.
أوضح أحمد عزام، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة إكويتي، أن قرارات ترامب تُعتبر الآن في الأسواق العالمية بمثابة مفاجآت يصعب التنبؤ بها مسبقًا، مما يزيد من تقلبات الأسهم والعملات. وأوضح أن التصعيد الأخير يُشكل مخاطر على شركات الاستيراد الأمريكية، التي ستتحمل العبء المباشر، مما يُهدد هوامش أرباحها ويرفع تكاليف الإنتاج. علاوة على ذلك، قد يتأثر المستهلكون الأمريكيون بشكل غير مباشر إذا انتقلت التكاليف إليهم، مما يُفاقم الضغوط التضخمية.
وأضاف عزام أن مؤشرات الأسهم الآسيوية شهدت أداء متباينا مع تحركات معتدلة بعدما ترك ترامب الباب مفتوحا لمزيد من المحادثات التجارية، لكن التقلبات ستظل سائدة حتى أوائل الشهر المقبل.
ارتفع مؤشر MSCI الإقليمي للأسهم بنسبة 0.1%، بعد تذبذبه بين مكاسب وخسائر طفيفة يوم الثلاثاء. وظلت العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 دون تغيير يُذكر. وارتفع الوون الكوري الجنوبي، بينما انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.2%.
وارتفع اليورو أيضا على خلفية تقرير يفيد بأن الولايات المتحدة عرضت على الاتحاد الأوروبي صفقة تتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 10%.
وأضاف عزام أن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس ترامب على الواردات من اليابان وكوريا الجنوبية لم تكن مجرد أداة لتوسيع الضغوط التجارية، بل هي مؤشر على تحول استراتيجي في بنية التحالفات الاقتصادية الأميركية ورسالة مباشرة لحلفاء واشنطن مفادها أن العلاقات الأمنية ليست معفاة من قانون التجارة.
وأشار إلى أن اختيار طوكيو وسيول كدولتين رئيسيتين مستهدفتين لم يكن عشوائيًا. فهما من كبار مُصدّري السيارات إلى الولايات المتحدة، وتتمتعان بفوائض تجارية مزمنة معها. وهذا يجعلهما هدفًا لمشروع ترامب “للرسوم الجمركية المتبادلة” لاستعادة التوازن التجاري.
قال عزام إن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على اليابان وكوريا ليس مجرد خطوة تجارية، بل هو فصل جديد في تاريخ ابتعاد أمريكا اقتصاديًا عن التحالفات التقليدية. إذا فشلت جولات المفاوضات المقبلة قبل الأول من أغسطس، فسيواجه العالم موجة جديدة من إعادة صياغة قواعد التجارة الدولية، بقيادة رجل يخوض معاركه بعقلية رجل أعمال.