خليج المنستير بتونس.. تلوث مستمر يهدد بتدمير المنظومة البحرية

منذ 9 ساعات
خليج المنستير بتونس.. تلوث مستمر يهدد بتدمير المنظومة البحرية

** قال منير حسين، رئيس مكتب المنستير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لوكالة الأناضول: تعتبر ظاهرة نفوق الأسماك ظاهرة قديمة ومتكررة، وفي هذا العام كانت أكثر خطورة. وترتبط هذه الظاهرة بالتلوث الهائل الذي يشهده خليج المنستير نتيجة تصريف المياه الملوثة.

** قال رئيس الغرفة المحلية لاتحاد الفلاحين التونسيين بالصيادلة مازن مقديش لوكالة الأناضول: وأدى الحادث إلى إفلاس البحارة في المنطقة ولم يتصل بنا أحد لتحديد الخسائر. ونتوقع أن يأتي اليوم الذي سيتم فيه تسييج الساحل وتصنيفه كمنطقة ملوثة.

سيلاحظ المسافر المتجه جنوبا من مدينة المنستير التونسية (شرق) على طول الطريق الساحلي لخليج المنستير في اتجاه البقالطة، على مسافة 40 كيلومترا، اختفاء الأنشطة البحرية وقوارب الصيد، فضلا عن غياب المصطافين في ذروة الصيف.

على الطريق، يرى المسافرون لافتات حديدية في كل مكان مكتوب عليها “ممنوع السباحة”.

قبل نحو نصف شهر، سُجِّل نفوقٌ واسع النطاق للأسماك قبالة سواحل ولاية المنستير. وأفادت الهيئة الوطنية للسلامة الغذائية (جهة حكومية) في بيان لها بإجراء عمليات تفتيش ميدانية في المناطق المتضررة، وجمع كميات كبيرة من الأسماك النافقة وإتلافها. وفي الوقت نفسه، مُنع المواطنون من جمع الأسماك واستهلاكها نظرًا لمخاطرها الصحية، وحُثّوا على عدم جمعها.

قالت الباحثة بالمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار، عفاف الفتحالي، للإذاعة الرسمية، إن نفوق الأسماك على نطاق واسع في خليج المنستير وتحول لون المياه إلى الأحمر، يعود إلى الانتشار الهائل للطحالب المجهرية التي تستهلك كميات كبيرة من الأكسجين.

وأوضح الفتحالي أن نقص الأكسجين المذاب تحت الماء يتسبب في اختناق الأسماك وموتها، ما يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري.

وأضافت أن الخرائط وبيانات الأقمار الصناعية أظهرت ارتفاع درجات حرارة المياه على طول ساحل المنستير خلال الفترة نفسها، وأن التيارات المحيطية كانت تتجه نحو الساحل بدلاً من البحر. وهذا ما هيأ ظروفًا مواتية لاحتباس الكتل المائية وعدم تجديدها.

– ظاهرة قديمة ومتكررة

وفي حين أشارت التصريحات الرسمية إلى وقوع حادث، قال منير حسين، رئيس مكتب المنستير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية)، إن الظاهرة “ظاهرة قديمة عادت إلى الظهور منذ فترة طويلة وتفاقمت هذا العام”.

في حديثه لوكالة الأناضول للأنباء من شاطئ قصيبة المديوني المنعزل، أوضح حسين أن الظاهرة بدأت في 16 يونيو/حزيران بانطلاق غازات كريهة الرائحة (هيدروكسي سلفات) من البحر. وفي يومي 17 و18 من ذلك الشهر، امتد المد الأحمر على طول ساحل قصيبة المديوني (إحدى بلدات خليج المنستير).

وأضاف: “امتدت الظاهرة إلى لمطة والصيادة، وصولًا إلى ميناء الصيادة، ما أدى إلى نفوق العديد من الكائنات البحرية، منها أسماك صغيرة وكبيرة كالقاروص”.

وتابع: “وتبعت هذه الظاهرة تفاعلات كيميائية أثرت على قوارب البحارة (الصيادين)، فتغير لون النحاس إلى الأسود، ولون السفن من الأحمر إلى الأسود، ما استدعى إجراء إصلاحات”.

وأشار إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل هي مرتبطة بالتلوث الشديد في خليج المنستير.

وأشار إلى أن تلوث الخليج له سببان، الأول محطات معالجة مياه الصرف الصحي التي تصرف المياه المستخدمة إلى الخليج، والثاني المياه الناتجة عن الصناعات الملوثة التي تصرف أيضاً إلى مياه الخليج.

وأضاف: “إن أنظمة التخلص من مياه الصرف الصحي الحضرية والمنزلية والصناعية ملوثة وتفشل لأنها تعتمد على خيار واحد: نقل التلوث من مكان إلى آخر”.

– تدهور الحياة البحرية

وتابع: “يستقبل هذا الخليج 40 ألف متر مكعب من المياه الملوثة يوميًا، وهذا يؤثر عليه. أولها بيئي، ويتجلى في التصحر الشديد للنباتات البحرية، وخاصةً البوسيدونيا، بالإضافة إلى نفوق جميع أنواع الأسماك وانقراض الكثير منها، وخاصةً الصغيرة منها التي كانت تعيش على الشواطئ، وتراجع كبير في أعداد العديد من الكائنات الحية كالأخطبوطات وسرطان البحر”.

وبحسب حسين، “هناك تأثيرات أخرى على أنظمة الإنتاج. يعيش في هذا الخليج حوالي 4000 بحار، 80% منهم بحارة على نطاق صغير يعملون على قوارب صغيرة وباستخدام الشباك”.

وأضاف: “بسبب التلوث، لم يعد بإمكان البحارة العثور على الأسماك. ولذلك، يلجأون إلى تقنيات ضارة بالبيئة مثل “الدرينا” (شباك صيد تجرها قوارب صغيرة) واستخدام تقنيات محظورة لكسب لقمة العيش”.

وأضاف: “لقد هجر العديد من هؤلاء البحارة مهنة الملاحة البحرية، وهاجر بعضهم إلى إيطاليا، وأصبح بعضهم مهربين للمهاجرين غير الشرعيين”.

وأوضح حسين أن التلوث في الخليج تسبب في انتشار أمراض جلدية وتنفسية بين البحارة، كما تسبب في انتشار مرض السرطان بين العديد من سكان المنطقة.

وأشار إلى أن التلوث أثر أيضًا على آثار بلدة لمطة بالمنطقة، وهي مدينة صغيرة من العصر الروماني، حيث يغمر معظمها بالمياه. وقد أدى التلوث إلى تراكم الرواسب الملوثة على هذه الآثار، وهو ما اعتبره “جريمة بحق تاريخ وهوية البلاد”.

– الحركة الاجتماعية

وأشار حسين إلى “الحراك الاجتماعي” في منطقة خليج المنستير المستمر منذ سنوات، ولفت الانتباه إلى “التدمير الممنهج للبيئة” ودعا إلى إيجاد حلول للأزمة.

وبحسب حسين، فإن الحلول تتمثل “أولاً في وقف تصريف المياه الملوثة في خليج المنستير، وثانياً في فصل المياه الصناعية عن مياه الصرف الصحي. وهذا يتطلب إنشاء منشآت خاصة لمعالجة المياه الصناعية في قناة مغلقة مخصصة للاستخدام الصناعي، بحيث يمكن إعادة استخدام هذه المياه في الصناعة”.

وقال حسين إن المجتمع المدني دعا إلى إعلان حالة طوارئ بيئية في خليج المنستير، متبوعة بسلسلة من الإجراءات العاجلة على المديين المتوسط والطويل.

وأضاف: “حالة الطوارئ البيئية تتطلب تدخل جميع الأطراف لمعالجة العواقب الصحية والاقتصادية. لم يعد لدى البحارة ما يعيشون عليه، ولا يملك أي منهم دينارًا واحدًا (0.33 دولار)”.

– فيشر: نحن مفلسون.

وقال مازن مقديش، رئيس الغرفة المحلية لجمعية المزارعين التونسيين بالصيادلة (مستقل)، إن نفوق الأسماك ليس الأول في المنطقة، “لكن ما حدث هذه المرة خطير للغاية، ولا نعلم متى سيستأنف الصيد”.

وقال مقديش، وهو صياد أيضا، لوكالة الأناضول للأنباء بالقرب من ميناء الصيادة “المهجور” بعد الوفيات الأخيرة، إن “السبب هو التلوث البيئي، الذي يعتقد البعض أنه بدأ في سبعينيات القرن الماضي مع إنشاء مصانع النسيج في المنستير”.

وأشار إلى أن هذه الحوادث أدت إلى “إفلاس البحارة” في المنطقة.

وتابع: “لم يتصل بنا أحد لتقييم الخسائر. مُنع بيع الأسماك تمامًا، وجمعنا الأسماك النافقة بمساعدة الأهالي. الآن نغامر بدخول المياه العميقة، رغم صغر حجم قواربنا، وافتقارها لمعدات الاتصال، وارتفاع احتمالية الخطر”.

وأضاف: “حذرنا من أن البحر يموت، وأن العشب الذي اعتدنا عليه لم يعد موجودًا. إنها كارثة بكل معنى الكلمة”.

واختتمت مقديشو بنبرة يائسة قائلة: “نتوقع أن يأتي اليوم الذي سيتم فيه إغلاق الساحل وإعلانه “منطقة ملوثة”.


شارك