ناشط فلسطيني يوثق رحلة الموت قرب مراكز المساعدات بغزة

إبراهيم القطراوي، الذي بدأ بتوثيق الهجمات الإسرائيلية على الناس الجائعين بالقرب من نقاط توزيع المساعدات، وفقاً للآلية الأميركية الإسرائيلية، وجد نفسه لاحقاً بين حشود الناس الجائعين الذين يبحثون عن لقمة العيش.
في مشهد يصفه الناشط الفلسطيني إبراهيم القطراوي بـ”لعبة الموت”، يتنقل الشاب، مثل آلاف الجوعى الآخرين، بين الجري والوقوف في طوابير للحصول على مساعدات أميركية إسرائيلية وسط وابل من الرصاص في وسط قطاع غزة.
في هذا الواقع اليومي القاسي، تُحدد كل خطوة مصير البقاء أو الإصابة أو الموت. ووفقًا لاعترافات جنود نشرتها صحيفة هآرتس يوم الجمعة، يُنفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات إعدام بحق مدنيين فلسطينيين عند نقاط التوزيع. يُطلقون النار عليهم دون مبرر ودون أي تهديد حقيقي.
بدأ القطراوي مسيرته كناشط، موثّقًا أهوال الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع توزيع المساعدات بموجب الآلية الأمريكية الإسرائيلية، التي أدانتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. ثم وجد نفسه بين الجوعى، يبحث عن رزق لأسرته وسط مجاعة واسعة النطاق.
ورغم الخطر، كان هذا الطريق هو السبيل الوحيد للحصول على الطعام الذي قد ينقذ عائلته من الجوع، حتى لو كلفه ذلك حياته.
بعيدًا عن رقابة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تُنفّذ تل أبيب وواشنطن منذ 27 مايو/أيار خطةً لتوزيع مساعدات محدودة عبر مؤسسة غزة الإنسانية. وتقصف قوات الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين الذين ينتظرون المساعدات، مُجبرةً إياهم على الاختيار بين الجوع والإعدام. وحتى يوم الأحد، خلّفت هذه الخطة 583 قتيلًا وأكثر من 4186 جريحًا، وفقًا لوزارة الصحة.
** الطريق إلى المساعدة
مثل آلاف الجوعى الآخرين، يغادر القطراوي الذي يسكن في مخيم النصيرات للاجئين (وسط قطاع غزة)، المنطقة قبل 4 إلى 5 ساعات من فتح نقطة توزيع المساعدات بالقرب من محور نتساريم الذي يسيطر عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي وسط قطاع غزة.
بعد أن سار عدة كيلومترات، وصل القطراوي إلى إحدى نقاط توزيع المساعدات وحاول التسلل قرب البوابة. وهناك، صوّب هاتفه المحمول نحو مواقع الجيش الإسرائيلي، ووثّق هجماتهم المتوقعة على الفلسطينيين الجائعين.
خلال فترة الانتظار الطويلة، يشعر الفلسطينيون بمشاعر مختلطة بين الخوف والجوع وهم ينتظرون اللحظة التي تفتح فيها الحواجز حتى يتمكنوا من التوجه إلى هناك للحصول على المساعدة.
وقال القطراوي لوكالة الأناضول إن المجازر الإسرائيلية تبدأ لحظة انسحاب جيش الاحتلال من بوابة نقطة توزيع المساعدات فجرا، حيث تتدفق حشود الجوعى نحو البوابة.
ويضيف أن الجيش الإسرائيلي يبدأ بـ”ملاحقة” أي شخص يقترب من البوابة طلبا للمساعدة دون أي سبب.
وللهروب من وابل الرصاص، يلقي الفلسطينيون بأنفسهم على الأرض، بينما يواصل آخرون الزحف إلى البوابة، متحدين الخطر من أجل تأمين سبل العيش التي يمكن أن تنقذ عائلاتهم من الجوع.
وهنا تبدأ مأساة جديدة، إذ يعجز الفلسطينيون حاليًا عن علاج الجرحى والقتلى، لأن منطقتهم قاحلة، وتبعد كيلومترات قليلة عن أي مستشفى. وهذا يُعرّضهم لخطر هجمات إسرائيلية أخرى في أي وقت.
ومع ذلك، يواصل المئات منهم رحلتهم بحثاً عن المساعدة وسط حالة من الرعب، فيما يشعر كثيرون منهم باليأس حيث يضطرون إلى العودة دون مساعدة إلى مخيمات اللاجئين، حيث ينتظر أطفالهم جائعين الطعام بعد أيام من الجوع.
وفي مايو/أيار الماضي، أقام الجيش الإسرائيلي أربع نقاط لتوزيع المساعدات بموجب آليته الجديدة، ثلاث في الجنوب وواحدة بالقرب من محور نتساريم في وسط قطاع غزة، بحسب بيانات عسكرية سابقة.
** توثيق المأساة للعالم
وقال القطراوي إنه شرع في رحلة الإغاثة بعد أن لم يجد أي وسيلة أخرى للحصول على الغذاء لأن إسرائيل أغلقت المعابر الحدودية أمام المساعدات الإنسانية التي يتم توزيعها من خلال آلية الأمم المتحدة.
وأوضح أنه ذهب في البداية إلى نقاط التوزيع خصيصًا لتوثيق الهجمات الإسرائيلية على المدنيين الجائعين وإعطائهم صوتًا.
وأضاف في هذا السياق: “أردت توثيق هذه المشاهد وإظهار للعالم ما يفعله الجيش الإسرائيلي بالشعب الجائع وكيف يحاول طردهم دون أن يتلقى أي مساعدة”.
وعن أصعب المواقف التي وثقها، قال إنه أثناء هجوم إسرائيلي بالرصاص والقنابل على المدنيين، سقطت قنبلة إسرائيلية تحت قدميه.
وتابع: “الموقف الأصعب كان عندما فتح الجيش بوابة نقطة المساعدة وترك الفلسطينيين يركضون إلى هناك في شارع صلاح الدين، وبدأ فجأة بإطلاق النار عليهم بكثافة”.
وتابع: “فجأة، كان الناس ملقى على الأرض، والرصاص يتطاير فوق رؤوسهم، والمصابون يصرخون طلبا للمساعدة، ولم نكن قادرين على الحركة”.
ورغم أن المشاهد التي التقطها القطراوي بعدسته لاقت انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه يقول إن “العالم لا يشعر بمعاناتهم”.
** صراع الانتظار
على صعيد آخر، في مخيمات اللاجئين، تخوض عائلات الشباب الذين يُفترض أن يتلقوا المساعدات هناك معركةً مختلفة تمامًا. فهم يمرون بأوقات عصيبة ويشعرون بالخوف على حياة أحبائهم.
ويقول القطراوي إن عائلته، مثل آلاف آخرين، ترفض السماح له بالذهاب إلى هذه الأماكن لجمع المساعدات خوفا من التعرض للإصابة أو القتل.
ويضيف أنه يذهب إلى هناك للضرورة، وأنه لا يريد أن يترك أفراد عائلته يموتون جوعاً بسبب الجوع الشديد الذي يراه.
وتابع الناشط الفلسطيني: “الموضوع صعب للغاية، بل ولا جدوى منه، خاصة أنك تخاطر بحياتك من أجل القليل من الطعام”.
ووصف المشهد عند نقطة توزيع المساعدات قائلاً: “يبدو الأمر أشبه بلعبة ضربة قاتلة. تُجبر على الركض، ثم عليك التوقف قبل أن يقبض عليك الصيادون (الجيش الإسرائيلي)”.
ويشير إلى أن المضايقات التي يواجهها الفلسطينيون في غزة عندما يطلبون المساعدة هي “روتين مرهق ينطوي على مستوى من القمع” لا يستطيع أحد خارج غزة أن يتحمله.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل، بدعم أمريكي، إبادة جماعية في قطاع غزة. قُتل وجُرح أكثر من 190 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء. وما زال أكثر من 11 ألف شخص في عداد المفقودين، ومئات الآلاف مُهجّرين.