افتتاح مهرجان الأراجوز المصري واهداء الدور الرابعة للطفلة الفلسطينية هند رجب وأطفال غزة

افتُتح مساء أمس الثلاثاء، الأول من يوليو، مهرجان الكراغوز المصري الرابع، تحت شعار “اقتصاد التراث الثقافي”، في بيت السناري، التابع لمكتبة الإسكندرية، بحي السيدة زينب بالقاهرة. وحضر المهرجان حشدٌ من المهتمين بالثقافة والفنون الشعبية، بالإضافة إلى نخبة من الأكاديميين والفنانين والإعلاميين.
بدأ المهرجان بعرض موسيقي احتفى بروح فن الكاراكوز ومكانته في الثقافة الشعبية. وعقب ذلك، افتُتح المهرجان رسميًا. ويُعتبر من أهم المبادرات الثقافية الهادفة إلى إحياء الفن الشعبي وزيادة الوعي العام بأهميته.
وفي لفتة إنسانية مؤثرة، تم إهداء المهرجان للطفلة الفلسطينية هند رجب وجميع أطفال غزة، تكريماً لشجاعتها واستشهادها المروع وهي تواجه جيشاً مدججاً بالسلاح بجسدها النحيل.
يعبر هذا الإهداء عن تضامن المهرجان مع براءة الطفولة ومعاناة المدنيين، ويهدف إلى إيقاظ ضمير العالم في مواجهة هذا الصمت.
عقب الافتتاح، عُقدت ندوة فكرية بعنوان “اقتصاديات التراث”، جمعت نخبة من الباحثين والخبراء والفنانين. ناقشت الندوة سبل تحويل التراث الشعبي من تراث ثقافي هامشي إلى مورد اقتصادي قوي يُسهم في التنمية المستدامة.
افتتح الدكتور مصطفى جاد، الخبير في الثقافة الشعبية، الفعالية مؤكدًا أن التراث الشعبي مورد اقتصادي متجدد يمكن توظيفه لدعم الاقتصاد الوطني. ودعا إلى عودة الفن الشعبي، وخاصة فن الكاراكوز، إلى المجال العام كوسيلة تواصل جماهيري مؤثرة، سواءً للكبار أو الصغار.
ثم قدّم الدكتور محمد ثروت عطية، أستاذ فلسفة الإعلام الآسيوي ورئيس تحرير اليوم السابع، عرضًا شاملًا حول التجارب الآسيوية في تسخير التراث الثقافي، لا سيما في دول جنوب شرق آسيا التي استطاعت تحويل عناصرها الثقافية إلى علامات تجارية وسلع تصديرية. وأكد أن هذه الدول دمجت تراثها الثقافي في منظومات التنمية من خلال التوثيق والترويج والتعليم الجامعي، مما حوّله إلى مورد اقتصادي وسياحي وثقافي.
تحدث الدكتور أحمد نبيل عن تجربة فرقة ومضة كنموذج عملي لتطبيق مفهوم اقتصاديات التراث الثقافي. وأوضح أن الفرقة، من خلال عروضها المحلية والدولية، ساهمت في تحويل الفنون الشعبية إلى مورد اقتصادي حقيقي، وذلك وفق منهج علمي يبدأ بتوثيق الأعمال الفنية وترميمها، ثم توظيفها في العروض المسرحية وورش العمل. وأكد أن ومضة، من خلال توفيرها فرصًا تعليمية وتدريبية للطلاب، تُسهم إسهامًا حقيقيًا في العمل الأكاديمي، وتُساهم في تنمية الوعي الثقافي لدى الأجيال الجديدة.
اختُتمت الندوة بمداخلة للدكتور نبيل بهجت، مؤسس مجموعة ومضة، أكد فيها على اهتمامه الكبير باقتصاديات التراث الثقافي منذ بدايات عمله مع فرقة كاراغوز. وكان قد صاغ هذا المصطلح لأول مرة عام ٢٠٠٨ في دراسة أكاديمية حول كاراغوز، داعيًا آنذاك إلى مزيد من الاهتمام بالبعد الاقتصادي للتراث الثقافي. وأوضح أن تجربة المجموعة تُمثل تطبيقًا عمليًا لهذا المفهوم، انطلاقًا من شعارها “لدينا ما يُعبّر عن أنفسنا”، وإيمانها بأن الثقافة هي أقوى نتاجات العالم العربي، وأنها تُمثل قوة ناعمة قادرة على التأثير في الأسواق العالمية والمجتمعات.
عقب الندوة، عُرضت مسرحية “التمساح”. تأليف وإخراج الدكتور نبيل بهجت، وبطولة علي أبو زيد سليمان، ومحمود سيد حنفي، وصابر شيكو (أحد رواد فن الكاراكوز المعاصر)، ومصطفى الصباغ، الذي شارك في كتابة ولحن أغنية الافتتاح. استُلهم العرض من يابة قديمة وشعبية تحمل الاسم نفسه، مُعاد تقديمها برؤية درامية معاصرة، مستكشفًا مواضيع مثل التعاون، والولاء، والمساعدة دون مقابل، ورفض الجشع. “اليابة” شكل فني بسيط يعكس عمق الروابط الإنسانية والاجتماعية، مع الحفاظ على روح الفكاهة والأسلوب التفاعلي المميز لفن الكاراكوز.
شهد حفل الختام عرضًا تقليديًا لفن الكاراكوز. قدّم الفنان الشهير سلسلة من العروض الارتجالية، وغنى العديد من الأغاني الشهيرة أمام الجمهور المتحمّس. وعكس العرض أجواءً من الترفيه الأصيل الذي لطالما جمع الناس في جوّ من الفرح والحكمة.
اختُتمت الأمسية الأولى للمهرجان في جوٍّ من الفرح والتبادل الثري. وقد أبدى الحضور إعجابهم بجودة العروض وعمق المساهمات الفكرية التي قُدّمت في الندوة. وانعكس ذلك في تصفيق حار وابتسامات مشرقة، وإشادة بالجهود المبذولة لإعادة الكراجوز إلى مكانته المرموقة وتقديمه كأداة فعّالة للتعليم والثقافة والترفيه. كانت أمسية أكّدت أن التراث الثقافي، عند توظيفه على النحو الأمثل، لا يُحفظ في المتاحف فحسب، بل يُعيد تشكيل الحاضر ويُسهم في رسم ملامح المستقبل.