عقب انسحاب فاجنر.. مالي تواجه تحديات أمنية وسياسية

إن انسحاب مجموعة فاغنر الروسية سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل النظام المالي. ويؤكد التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة مدى التهديد الذي يواجهه النظام العسكري الحاكم في مالي. من الصعب تحقيق استقرار الوضع الأمني في جمهورية مالي لأسباب عسكرية.
تشهد مالي وضعًا أمنيًا صعبًا منذ أسابيع، نتيجةً لعدة عوامل، منها انسحاب قوة فاغنر شبه العسكرية واستبدالها بالفيلق الأفريقي التابع لوزارة الدفاع الروسية، فضلًا عن غياب رؤية واضحة للمستقبل السياسي للبلاد.
في حين تحقق الجماعات المسلحة تقدماً في البلاد، يستمر الوضع الأمني في التدهور، مما يعقد جهود النظام الحاكم لضمان الاستقرار والأمن.
ويرى الخبير المغربي في الشؤون الأفريقية عبد الفتاح الفاتحي أن انسحاب مجموعة فاغنر الروسية في يونيو/حزيران الماضي، بعد أكثر من ثلاث سنوات من الوجود، سيكون له تداعيات خطيرة على مستقبل النظام الحاكم في مالي.
وفي تصريحات لوكالة الأناضول، قال الفاتحي إن التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة يسلط الضوء على حجم التحديات التي تواجه النظام العسكري الحاكم في مالي، خاصة في ظل التحالف المتوقع بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (المرتبطة بتنظيم القاعدة) وجبهة تحرير أزواد.
** أسباب تدهور الوضع الأمني
ويرى الفاتحي أن “الرهانات المالية على روسيا لم تعد مربحة، فروسيا بحاجة إلى عناصر مجموعة فاغنر في حربها في المناطق الحدودية غير المستقرة مع أوكرانيا”.
ويوضح أن إعلان مالي عن اكتشاف روابط بين أوكرانيا والهجمات التي تشنها جماعات مسلحة ضد الجنود الماليين وأعضاء مجموعة فاغنر في شمال البلاد كان إحدى الأوراق التي أراد النظام العسكري المالي استخدامها في مفاوضاته مع روسيا للحفاظ على وجود عسكري قوي في مالي.
أعلنت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية، في السابع من يونيو/حزيران، انسحابها من مالي بعد أكثر من ثلاث سنوات من القتال هناك.
وأعلنت الجماعة على تويتر أنها أعادت جميع المراكز الإقليمية في البلاد إلى سيطرة المجلس العسكري المالي و”طردت القوات المتطرفة وقتلت قادتها”.
وأعلنت وسائل إعلام مالية أن الفيلق الأفريقي لن يغادر البلاد وسيتولى مهام فاغنر بعد انسحابها.
تأسست الفيلق الأفريقي بدعم من وزارة الدفاع الروسية بعد أن قاد مؤسس فاغنر الراحل يفغيني بريغوزين وقائده دميتري أوتكين انتفاضة عسكرية فاشلة ضد القيادة العسكرية الروسية في يونيو 2023 ثم غادرا بعد ذلك إلى بيلاروسيا مع مرتزقة آخرين.
يتابع الفاتحي: “بعد انفصال الجيش المالي عن الجيش الفرنسي واستبداله بدعم عسكري روسي من عناصر مجموعة فاغنر، برزت اعتبارات عسكرية مفادها أن الوعود الروسية قد تُحدث فرقًا في قتال الجماعات المسلحة على الحدود المالية. وهذا ما منح الجيش المالي ثقةً بقدرته على الحد من هجمات الجماعات المسلحة”.
نشرت فرنسا قوات في مالي في عام 2013 لتوفير الأمن، لكنها سحبتها في عام 2022. وبعد انسحابها، لجأت الحكومة العسكرية في مالي إلى التعاون مع مجموعة فاغنر.
ويضيف الفاتحي: “إلا أن واقع الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا خلق سياقا جديدا للتعاون العسكري والأمني بين روسيا والجيش المالي من حيث المعدات والإمدادات والمقاتلين”.
وأضاف: “إن هذا الوضع الجديد أثر بشكل كبير على العلاقات بين روسيا ومالي وسيكون له تداعيات أكثر خطورة على مستقبل النظام المالي”.
وأشار إلى أن القرار الذي اتخذه المجلس العسكري الحاكم في مالي في 13 مايو/أيار الماضي بحل جميع الأحزاب والمنظمات السياسية “جعل الوضع أسوأ” ويستمر في تأجيج الجدل حول مستقبل المشهد السياسي في مالي.
شهدت مالي انقلابًا عسكريًا في عام 2020 أدى إلى إطاحة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا من السلطة وتنصيب زعيم الانقلاب العقيد أسيمي غويتا رئيسًا.
خطر تحالف الجماعات المسلحة
وأوضح الخبير المغربي أن انسحاب مجموعة فاغنر خلق فراغا أمنيا في المنطقة وأدى إلى تغيير المشهد الجغرافي والأمني.
وأوضح أن الجماعات المسلحة تعمل على التنسيق السياسي والعسكري فيما بينها، ودعا جماعة نصرة الإسلام إلى تشكيل تحالف مع الجماعات الأخرى، وخاصة جبهة تحرير أزواد، لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في إسقاط الحكم العسكري وإقامة حكومة بديلة.
برأيه فإن اتهام النظام الحاكم في مالي لقوى أجنبية بدعم الجماعات الإرهابية في شمال البلاد يظهر حجم الضغوط على النظام العسكري على المستوى الأمني والشعبي والدولي، خاصة بعد أن أعادت روسيا ترتيب أولوياتها في الحرب مع أوكرانيا.
** تمت استعادة الأمن
ويرى الخبير المغربي أن تحقيق الاستقرار السياسي في مالي أمر صعب لاعتبارات عسكرية تتعلق بفشل الاستراتيجية الأمنية في التعاون العسكري مع روسيا.
ويضيف أن النظام العسكري المالي فشل في تحسين العلاقات مع الدول الأفريقية وتطبيع العلاقات مع الحكومة المدنية، مما أدى إلى عزل نفسه بشكل أكبر عن الجمهور.
ويشير إلى أن فشل النظام العسكري في تغيير المشهد السياسي والمالي للبلاد، فضلاً عن الوضع العسكري والأمني، والتأثير المرتبط بذلك على الاقتصاد، هي أمور يتم تناولها على نطاق واسع في خطاب الجماعات المسلحة التي تدعو إلى تغيير النظام اليوم.
في يناير/كانون الثاني 2025، انسحبت مالي وبوركينا فاسو والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، مما شكل تحديا للكتلة التي تأسست في 28 مايو/أيار 1975، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون بين دول غرب أفريقيا.
وتوترت العلاقات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والدول الثلاث بعد أن دعت الكتلة إلى العودة إلى الحكم المدني في أعقاب الانقلابات العسكرية في مالي عام 2020، وبوركينا فاسو عام 2022، والنيجر عام 2023.