المشهد الأخير.. هل يُنهي التصعيد بين إسرائيل وإيران الحرب في غزة؟

في خضم تصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية متسارعة. فبينما تواصل إسرائيل غاراتها الجوية على أهداف إيرانية بارزة، بما في ذلك منشآت نووية ومستودعات أسلحة، ترد طهران بهجمات صاروخية بعيدة المدى على الأراضي الإسرائيلية، مما يتسبب في خسائر بشرية ومادية، ويثير قلقًا بالغًا في الأوساط الدولية.
يُجبر هذا التصعيد الإقليمي الحاد إسرائيل على إعادة تقييم أولوياتها العسكرية. فقد بدأت إسرائيل بسحب جزء كبير من قواتها المتمركزة في غزة لتعزيز الجبهتين الشمالية والشرقية، في ظل مواجهة عمل عسكري من قِبَل وكلاء مدعومين من إيران، وخاصة حزب الله. جاء ذلك وفقًا لتقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية، والذي أفاد بأن حجم القوات الإسرائيلية في غزة قد تقلص إلى أقل من نصف ما كان عليه قبل بدء المواجهة مع طهران.
في ظل هذا التحول الجيوسياسي والعسكري، يُطرح السؤال المُلحّ: كيف ستتطوّر الحرب في غزة؟ هل يُؤدّي تركيز إسرائيل على خط المواجهة مع إيران إلى تحوّل في ميزان القوى داخل قطاع غزة، أم ستبقى غزة بؤرةً مُشتعلةً في صراعٍ يمتدّ الآن على جبهاتٍ مُتعدّدة؟
وتستغل إسرائيل انشغال العالم بالحرب ضد إيران لارتكاب المزيد من الجرائم.
أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشأن الفلسطيني، أن إمكانية إجراء مفاوضات غير مباشرة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي برعاية القاهرة والدوحة للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار لا تزال قائمة. وأشار إلى أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية لم توقف هذه المفاوضات بعد.
أكد الرقب لموقع ايجي برس أن المفاوضات تسير بشكل طبيعي رغم التصعيد الإقليمي، مؤكدًا أن إسرائيل استغلت انشغال المجتمع الدولي بالحرب مع إيران لتصعيد انتهاكاتها في قطاع غزة.
وأوضح أن عدد القتلى كان يتزايد يوميًا، وأن الاحتلال الإسرائيلي بات يسيطر على أكثر من 80% من قطاع غزة، ما يُسمى “المنطقة الحمراء”. في الوقت نفسه، كان عدد السكان، الذي تقلص إلى أقل من مليوني نسمة (من 2.3 مليون قبل الحرب)، تحت الحصار بسبب القتلى والمفقودين واللاجئين.
القتل المنظم للفلسطينيين
وأشار الرقب إلى أن الاحتلال ينتهج سياسة “القتل والتجويع والحصار الممنهج” للضغط على الفلسطينيين في مفاوضات وقف إطلاق النار. وأضاف: “الاحتلال يُصرّ حاليًا على رفض تحديد موعد نهائي لتنفيذ المقترح الأمريكي، حتى لو وافقت عليه حماس دون ضمانات. وذلك لأن إسرائيل تسعى لكسب المزيد من الوقت لمواصلة التدمير والضغط، بينما ينشغل العالم بالحرب على إيران”.
كما أكد الخبير الفلسطيني أن الدعم الأمريكي والغربي هو السبب الرئيسي لصمود إسرائيل، فهي بطبيعتها عاجزة عن مقاومته. ولولا هذا الدعم، لانهار الاحتلال منذ زمن. وأشار إلى أن استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران يمنح الاحتلال الإسرائيلي مساحة أكبر لممارسة المزيد من الضغط والعنف في قطاع غزة، في وقتٍ تنعدم فيه الرقابة الدولية ويتركز الاهتمام على التصعيد الإقليمي.
إن الحرب مع إيران قد تؤدي إلى إنهاء الحرب في غزة وإبعاد نتنياهو عن الساحة السياسية.
أكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور أن استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران سيشكل المنطقة وقد يكون العامل الحاسم في إنهاء الحرب في قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من 20 شهراً والتي فشل فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق أهدافه المعلنة.
وقال خبير الشؤون الإسرائيلية لايجي برس: “نتنياهو لا يزال عالقا في مستنقع غزة، ولم ينجح في إطلاق سراح أسرى حماس أو القضاء على المقاومة، رغم سقوط نحو 60 ألف شهيد فلسطيني، أغلبهم من الأطفال والنساء”.
أشار العور إلى أن سبب الهجمات الإسرائيلية على إيران هو الفشل السياسي لنتنياهو، والذي تفاقم قبل الهجوم الإسرائيلي، عندما كان الكنيست على وشك الانهيار. دفعه ذلك إلى اللجوء إلى “صراع خارجي” وتوجيه ضربة استباقية لطهران. وسعى بذلك إلى صرف الانتباه عن الأزمة الداخلية، التي هددت، إعلاميًا وسياسيًا، بتسريع حرب أهلية في إسرائيل.
وتشكل المعادلة الإيرانية الجديدة تهديداً كبيراً لإسرائيل.
وذكر العور أن نتنياهو حاول إقناع أرييه درعي، زعيم حزب شاس الديني، بأن البرنامج النووي الإيراني يُشكل تهديدًا وجوديًا. واستغلّ هذه الحقيقة سياسيًا للبقاء في السلطة. كما أشار إلى أن إيران نجحت حتى الآن في استعادة توازنها الأمني، وإعادة الردع إلى جوهرها، وخلق معادلة جديدة تُؤكد قدرتها على إيذاء إسرائيل، لا سيما وأن “الإسرائيليين لم يشهدوا دمارًا بهذا الحجم منذ عام ١٩٤٨، لا في تل أبيب ولا في عمق إسرائيل”.
أكد الخبير الإسرائيلي أن لهذه الحرب تأثيرًا مباشرًا على مستقبل نتنياهو السياسي، فالدمار في تل أبيب سيكون شاهدًا قويًا على الانتخابات المقبلة. وزعم أن “نتنياهو لم يعد جزءًا من المشهد السياسي”.
واختتم العور حديثه قائلاً: “حرب غزة انتهت عملياً عسكرياً، ولم يبقَ إلا تسجيل نقاط سياسية. ومع انتهاء الحرب بين إيران وإسرائيل، ستنتهي حرب غزة أيضاً. والسؤال الآن: هل سيحدث ذلك وفق الشروط الأمريكية الإسرائيلية، أم وفق المعادلة الإيرانية الجديدة التي تفرض واقعاً مختلفاً، وجعلت من إيران لاعباً محورياً في تحديد مستقبل الشرق الأوسط؟”