ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة

وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبلة على النحو التالي: “كونوا رحيمين”.
وأوضحت الوزارة أن الهدف من هذه الخطبة هو رفع مستوى الوعي العام بمخاطر العنف الأسري وتأثيره على الفرد والأسرة والمجتمع. الخطبة الثانية تتحدث عن مخاطر الوصمة الاجتماعية وآثارها السلبية.
عن نص الخطبة:
والحمد لله رب العالمين. الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب وشديد العقاب وذو الجود. لا إله إلا هو وإليه المصير. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفوه من خلقه، وحبيبه وخليله، وصاحب الخلق العظيم، والنبي المختار الذي بعثه الله تعالى إلى العالمين فضلاً. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والآن:
العائلة هي الحماية التي نلجأ إليها من قسوة الحياة، والملجأ الذي يمنحنا الدفء والحنان. العائلة هي الحديقة الرطبة التي تنمو فيها بذور الحب والوئام. ولذلك وصفها الله تعالى في كتابه الكريم وصفاً بليغاً. قال الله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}. {ذلك لآيات لقوم يتفكرون}
عباد الله، تأملوا معي هذه الآية الكريمة والجميلة وهذه الكلمات الإلهية العذبة: {لعلكم تجدون فيها راحتكم}. أي سلام هذا؟! إنها راحة البال وطمأنينة النفس للنفس، إنها الأمان الذي يواجه به الزوجان تقلبات الحياة وصعوباتها، إنها الحضن الدافئ الذي يمحو تعب النهار ويوقف دموع الليل، ثم يمنحنا الله تعالى جمالاً آخر: {وجعل بينكم مودة ورحمة}، ليستا مجرد كلمتين عابرتين، بل هما عماد الخيمة التي تبنى عليها سعادة الأسرة واستقرارها، والحب الفياض والحماس لإدخال الفرح إلى قلب الشريك، والكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة والهدية الأنيقة التي تحمل أصدق المعاني.
أيها الناس املأوا بيوتكم بالسلام والمحبة والرحمة و”ارحموا بعضكم بعضا”. الرحمة تعني التغاضي عن الأخطاء، والتسامح معها، والاستماع إلى الشكاوى بقلب مفتوح، وتقديم المساعدة والدعم في أوقات الضعف. الشفقة تعني أن تشعر بألم شريكك كما لو كان ألمك، وأن تشعر بفرحه كما لو كان ألمك. وهذا يعني أن نكون لطيفين معهم عندما ينتقدوننا، وأن نكون رفيقاً في الأوقات الصعبة، ومعيناً في تقلبات الحياة.
يا عباد الله، “كونوا رحماء بعضكم بعضاً”. كم من البيوت أصبحت مسرحاً للصراع؟! كم من القلوب انفصلت عن بعضها بعد أن كانت قريبة جدًا من بعضها البعض؟! كم عدد الأطفال الذين نزحوا؟ لعدم وجود تلك الرحمة التي يوصي بها ديننا الحنيف؟! “كونوا رحيمين ببعضكم البعض”، أيها الزوج والزوجة. التنازل عن بعض الحقوق طواعية، لأن المصالحة أفضل. تغافل عن الذنوب الصغيرة، لأن الحياة قصيرة جدًا فلا نقضيها في مطاردة الأخطاء. تبادلوا كلمات الحب والمديح، فالكلمة الطيبة صدقة، وتترك أثراً لا يمحى في القلب. ولا تنسوا: «خيركم خيركم لأهله».
أيها الآباء الأعزاء، كونوا رحيمين في تربية أبنائكم. كن قدوة حسنة لهم في الاحترام والتقدير المتبادل. علمهم لغة الحوار الهادئ، وكيفية الاعتذار عندما يخطئون، وكيفية دعم إخوانهم وأخواتهم. كن رحيمًا عند التعامل مع الأمور المنزلية. تقاسموا المسؤولية بروح الفريق، لأن لكل منكما دور مهم مثل الآخر في بناء منزل زوجي سعيد.
أيها النبلاء، ارحمونا، فالعنف الأسري آفة تهدد نسيج مجتمعنا وتؤثر سلباً على تعليم أبنائنا واستقرار أسرنا وتقدم أمتنا. كم عدد الأطفال الذين نشأوا في بيئة عنيفة وتطور لديهم نمو نفسي معقد أو منحرف؟ كم من امرأة قضت حياتها في خوف وقلق وتحمل في قلبها جروحاً لا تلتئم أبداً؟! كم من أسرة تمزقت وتشتتت بسبب هذه الظاهرة المشينة؟! إن ديننا الإسلامي العظيم يدعونا إلى الرحمة والكرم، والعدل والإحسان، والقول الحسن والعمل الحسن. يقول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}. فكيف يكون من المناسب إذن أن نتعامل مع أقرب الناس إلينا بالقسوة والعنف؟
أيها الأحباء الكرام، دعونا نجعل من بيوتنا واحات من المودة والرحمة وحدائق من الحب واللطف. فلنزرع بذور السعادة والثقة في قلوبنا ونجني ثمارها الطيبة في الدنيا والآخرة.