نواف سلام بمعرض بيروت الدولي للكتاب: مستقبل الأوطان يُبنى بالفكر والثقافة

افتتح رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام المعرض العربي والدولي السادس والستين للكتاب في بيروت، الذي ينظمه النادي الثقافي العربي في قاعة المحاضرات على الواجهة البحرية في بيروت. وشارك في الفعالية شخصيات من عالم السياسة والتعليم والثقافة.
وفي كلمته أمام الحضور، قال سلام: “أقف أمامكم اليوم في افتتاح معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، لأحييكم باسم الكلمة التي تبني، والفكرة التي تحرر، والقراءة التي تفتح أبواباً على آفاق أوسع من الفهم والانفتاح”.
وأضاف: “تنطلق اليوم الدورة السادسة والستون من هذا المعرض، الذي أصبح تقليدًا راسخًا يحتفي بالكلمة والكتاب، ويعكس نبض بيروت الثقافي، وإرثها الفكري، ودورها التاريخي كعاصمة عريقة للمعرفة والإبداع. إن استمراره كحدث ثقافي سنوي يؤكد أن مستقبل الأمم يكمن في الفكر، وأن الثقافة هي الاستثمار الأمثل لخير البشرية، وهي الضمانة الحقيقية لترسيخ حضور الشعوب ووحدتها ونهضتها”.
تابع سلام: “في الواقع، هذا المعرض هو أيضًا معرضٌ للقراءة والقُرّاء. فالكتاب ليس مجرد حبرٍ وورق. سواءً كان مطبوعًا، أو مسموعًا، أو إلكترونيًا، فهو رحلةٌ نحو معرفة الذات وفهم الآخرين. إنه جسرٌ بين العقل والقلب. نتعلم منه أن الاختلاف لا يُلغي الاحترام، بل يُعمّقه، وأن التنوع لا يُهدد الهوية، بل يُثريها. كلما استفدنا منه، تعلمنا أن العالم أوسع من حدودنا الضيقة وأغنى من أحكامنا المسبقة، وأن ما يبدو مستحيلًا أحيانًا قد يكون صعبًا فحسب، بل ممكنًا أيضًا.”
قال: “سواءً من الشرق أو الغرب، تتجاوز الكتب الزمان والمكان، التاريخ والجغرافيا، الأعراق والبلدان، الأديان والجنسيات. تبقى صديقًا وفيًا في كل الظروف، وتبقى الكتب المصدر الذي يُثري معارفنا ويُوسّع آفاقنا. وليس من قبيل الصدفة أن تستضيف بيروت هذا المعرض. بيروت التي، رغم كل جراحها، لم تكل ولن تكل من رفع راية الثقافة. بيروت التي بدأت بنشر الكتب منذ أن وصلت أول مطبعة شرقية إلى لبنان. بيروت التي فتحت قلبها وأبوابها لكل من أحبها، من مفكرين وكتاب وأدباء وشعراء لبنانيين وعرب، وحولتها معهم ومن خلالهم إلى مدينة مفتوحة، مفتوحة على الإنتاج الثقافي الذي لا ينضب، عاصمة للكلمة والنور والحياة.”
وتابع سلام: “ليس من قبيل الصدفة أيضًا أن تُدرج اليونسكو بيروت في شبكة المدن المبدعة عام ٢٠١٩ وتُعلنها “مدينة مبدعة في الأدب”. وهذا يُقرّ بمكانة بيروت الثقافية المتميزة، لا سيما في المجال الأدبي، والتي صاغتها عقود من الريادة في الكتابة والنشر والترجمة والمعارض. وبيروت، الرائدة في نشر أفكار التنوير في العالم العربي، ومنبرًا للحرية والحوار، تُثبت باستمرار أن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية”.
في كلمته، تابع قائلاً: “أود أن أذكركم بأن حكومتنا، حكومة الإصلاح والإنقاذ، أولت أهمية قصوى لتوسيع البنى التعليمية والثقافية. برنامج حكومتنا الإصلاحي لا يقتصر على الاقتصاد أو البنية التحتية أو الآليات السياسية، بل يهدف إلى التنمية البشرية المستدامة. طريقنا إلى هذا الإصلاح هو التطبيق الكامل لاتفاق الطائف، الذي على أساسه عُدِّل دستور بلدنا – أو “الكتاب” كما سماه الرئيس الراحل فؤاد شهاب”.
وأضاف: “أود أن أغتنم هذه الفرصة لأجدد دعوتنا إلى تطبيق ما لم يُطبق بعد من أحكام هذا “الكتاب”، وتصحيح ما طُبّق خلافًا لروحه أو نصه، وسدّ الثغرات التي خلّفتها التجربة، وتطويره بما يتلاءم مع متغيرات العصر. فالإصلاح وحدة متكاملة، ولن تكتمل أبعاده المؤسسية إلا ببسط الدولة سلطتها على جميع أراضيها بقواتها المسلحة، كما نصّ عليه اتفاق الطائف. مشروعنا هو بناء دولة حديثة وقوية وعادلة، دولة يحكمها القانون والمؤسسات، دولة تُعامل جميع مواطنيها على أساس المساواة في الحقوق والواجبات، دولة قادرة على الدفاع عن وطنها وحماية شعبها”.
قال: “في عالمٍ سريع التغير، تبقى بيروت وفيةً لتاريخها، متمسكةً بهويتها العربية وعالميتها، متسلحةً بالكتاب سبيلاً للمعرفة والتقدم والإبداع. وها نحن – كتّاباً وناشرين وقراء – نتكاتف لنؤكد أن ثقافتنا العربية قادرة على مواجهة تحديات العصر، وبناء شعبٍ متصالحٍ مع تاريخه، ساعياً نحو مستقبلٍ أفضل”.