طلب إحاطة لوزير الثقافة بشأن إغلاق عدد كبير من قصور وبيوت الثقافة مؤخرا

تقدمت النائبة الدكتورة مها عبد الناصر عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقافة. كان موضوع هذا البحث هو التحرك الأخير لوزارة الثقافة لتنفيذ خطة لإغلاق عدد كبير من قصور الثقافة والبيوت والمكتبات العامة والتأثير السلبي على مستقبل الوعي والإبداع في مصر.
وقال عبد الناصر خلال الإيجاز الصحفي، إننا شهدنا في الآونة الأخيرة كارثة ثقافية نتيجة إجراءات وزارة الثقافة بإغلاق عدد كبير من قصور الثقافة والمراكز الثقافية والمكتبات العامة. لقد كانت هذه المؤسسات بمثابة أداة للدولة على مدى عقود من الزمن لنشر المعلومات ومحاربة الجهل والتطرف. واليوم يتم إغلاقها واحدة تلو الأخرى، إما بحجة التطوير، أو بحجة ترشيد الإنفاق، أو بحجة أن هذه المرافق غير جذابة للجمهور، كما يدعي مسؤولو الوزارة أنفسهم.
وأشار عضو مجلس النواب إلى أن الوقائع التي تم رصدها في كافة محافظات مصر وخاصة في صعيد مصر تدق ناقوس الخطر، حيث لم تعد إغلاقات مؤقتة أو إصلاحات متوقفة، بل سياسة عامة تقوم على التخلي التدريجي عن دور الدولة التعليمي. على سبيل المثال، أكثر من 70 قصراً ومركزاً ثقافياً ومكتبة مغلقة تماماً أو تعمل جزئياً فقط، على الرغم من استثمار مليارات الدولارات في بنائها أو تطويرها دون أي عائد حقيقي. علاوة على ذلك، فشلت أكثر من 300 مؤسسة ثقافية في جميع أنحاء البلاد في تقديم خدمات فعالة بسبب نقص الموظفين، والمباني المتداعية، وخفض الميزانية، ونقص البرامج، أو الإهمال الإداري.
وتابعت: “في سوهاج وحدها، تم رصد ما لا يقل عن 11 مركزًا ثقافيًا إما مغلقة تمامًا أو شبه خالية من الخدمات، بما في ذلك مركز طهطا الثقافي، الذي أُغلق منذ سنوات للصيانة ولم يُفتح بعد، ومركز المنشأة الثقافي، الذي أصبح شبه فارغ. وفي قنا، وُثّق إغلاق مركز الوقف الثقافي، وكذلك مركز أبو تشت الثقافي ومكتبة العليكات. وفي أسيوط، نلاحظ أن مركز ديروط الثقافي مغلق منذ عام 2020، ومركز القوصية الثقافي مهجور إلى حد كبير”.
وأشار عبد الناصر إلى أن الأرقام لا تكذب. وبحسب الهيئة العامة لقصور الثقافة، يوجد في القرى المصرية أكثر من 120 مركزاً ثقافياً ومكتبة تعمل حالياً بدون مديرين دائمين ولا تقدم أي أنشطة ثقافية حقيقية. بعضها يستخدم كمستودعات، والبعض الآخر يبقى مهجورا. أكثر من 60% من هذه المؤسسات لم تنظم أي فعالية في عام 2024، وبالتالي نجد أن أغلب ميزانية الهيئة العامة لقصور الثقافة تذهب لرواتب وبدلات الموظفين الإداريين الذين لا يزورون مواقعها أصلا.
وأضاف النائب أن الأمر الأكثر إزعاجاً هو أن قرارات الإغلاق الأخيرة تزامنت مع تصريحات رسمية للوزير برر فيها هذه الإجراءات بزعم ضعف الطلب على المنتجات الثقافية. وبدلاً من البحث في أسباب عزوف المواطنين عن زيارة هذه المرافق، سواء بسبب نقص التطوير، أو قلة الأنشطة، أو عدم كفاية المحتوى، اختارت الوزارة الحل الأبسط وهو إغلاق المرافق. إنه مثل معاقبة المريض على مرضه بدلاً من علاجه. وكأن الحكومة قررت التخلي كلياً عن أبناء المحافظات، وتركهم للفراغ الفكري والجهل، دون أن تحاول حتى إنقاذ ما تبقى من خصائص الثقافة العامة. والوضع لا يختلف كثيراً في محافظات الدلتا. وأغلقت عدد من المراكز الثقافية بمراكز محافظات كفر الشيخ والغربية والمنوفية. وتحول بعضها إلى مراكز إدارية صامتة أو أصبحت في حالة سيئة بسبب نقص الصيانة. وأكد عبد الناصر أن الوزارة لم تقدم حتى الآن جدولاً زمنياً واضحاً لإعادة فتح القصور المغلقة، ولا خطة لإعادة فتح المكتبات المغلقة. وفي الواقع، أثار بعض المسؤولين ضمناً إمكانية تحويل هذه المؤسسات إلى “مشاريع استثمارية ثقافية” بالشراكة مع القطاع الخاص. ولا شك أن هذا النهج يفتح الباب أمام خصخصة الثقافة. وبدلا من أن يظل حقا لجميع المواطنين، فإنه يصبح سلعة لمن يستطيعون تحمله. وأضافت أن ما يحدث حالياً لا يمثل مجرد تراجع إداري، بل انسحاب واضح للدولة من دورها في التنمية الفكرية والعاطفية للفرد المصري. لقد بدأ هذا التراجع بتدمير المكتبات وتحويل المراكز الثقافية إلى أنقاض، وسينتهي بجيل لا يعرف الكتب ولا المسرح ولا الموسيقى ولا الفكر الحر.
وأكدت أن الصمت على هذه النكسة الثقافية يعد خيانة للأمن القومي الضعيف للدولة المصرية، وضربة مباشرة لهوية مصر التي كانت على الدوام منارة للإبداع والفكر. وقالت إن الحكومة أنفقت مليارات الدولارات على مشاريع البنية التحتية، لكن إغلاق المراكز الثقافية يعد بمثابة تدمير منهجي للنسيج البشري، وهو أكثر خطورة من هدم أي طريق أو جسر.
واختتمت النائبة مها عبد الناصر إحاطتها بمطالبة واضحة وصريحة للحكومة بالتراجع عن قرارات إغلاق القصور الثقافية والمراكز الثقافية والمكتبات العامة ووقف هذا النزيف الثقافي فوراً. كما دعت إلى وضع استراتيجية شاملة لتوسيع إنشاء وتحديث هذه المرافق في القرى والمراكز والنجوع، وتكثيف القوافل والأنشطة الثقافية المتنقلة في المناطق المحرومة، ووضع جدول زمني دقيق لإعادة فتح جميع المواقع المغلقة فعليا في مدة أقصاها ستة أشهر. وسوف يقوم البرلمان بمراقبة هذه الخطة بشكل منتظم.