لماذا تثير زيارة ترامب للشرق الأوسط قلق نتنياهو؟

تزامناً مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تحليلاً مفصلاً عن “الفراغ السياسي” الذي يواجهه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حالياً.
في حين يُنظر إلى جولة ترامب إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة في المقام الأول على أنها رحلة سياسية اقتصادية وتجارية، فإنها تُقابل بقلق متزايد في إسرائيل ــ ليس فقط بسبب تجاهل واشنطن الواضح لحليفها التقليدي، بل وأيضاً لأنها تكشف عن التراجع الكبير الذي شهده نتنياهو في مكانته، سواء داخل الائتلاف أو في المؤسسة الأمنية والعسكرية، وحتى في علاقته بالرئيس الأميركي، الذي وصفه منذ فترة طويلة بأنه صديق.
الأسرى في قطاع غزة: لا أولوية
وفي خضم المناقشات حول القضايا الأكثر أهمية على رأس الأجندة الأميركية في المنطقة، اختفت قضية الإسرائيليين المحتجزين في غزة تقريباً من أي نقاش عام جاد من جانب القيادة الإسرائيلية، على الأقل في ما يتصل بمواقف نتنياهو.
وذكرت الصحيفة العبرية أن رئيس الوزراء لم يعد يخفي استخفافه بمصير الأسرى. بل يبدو أن هذه القضية أصبحت تشكل عبئا سياسيا يسعى إلى تجنبه. على النقيض من الأشهر الأولى التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما قال مراراً وتكراراً: “سيتم توجيه أسئلة صعبة إلى الجميع، وسأكون أول من يطرحها”.
وأضافت الصحيفة: “لكن بعد أكثر من سبعة أشهر، تغيرت نبرته. لم يعد يتحدث عن المسؤولية، بل عن راحة الضمير، كما قال في أحد تسجيلاته الأخيرة. حتى أنه قال إن عدد الرهائن الأحياء 21 فقط، وهو تصريح لم يُلتفت إليه رغم أهميته السياسية والإنسانية”.
ترامب لا يهتم… والتطبيع مؤجل.
في وقت مضطرب بالنسبة لإسرائيل، أعلنت إدارة ترامب ــ عبر تقارير متبادلة بين رويترز وهآرتس ــ أن واشنطن لن تجعل المملكة العربية السعودية معتمدة على توقيع اتفاق نووي مدني مع تل أبيب. وفسرت الصحافة الإسرائيلية هذا القرار على أنه تراجع واضح عن الموقف السابق الذي اعتبرته تل أبيب ضمانة لعلاقاتها مع البيت الأبيض.
والأسوأ من ذلك أن ترامب، الذي اختار المال هدفا رئيسيا لزيارته، أعلن فجأة عن اتفاق غير متوقع مع الحوثيين بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء، قائلا: “فيما يتعلق بي فإن دورنا على هذه الجبهة انتهى”. وفيما يتعلق بإسرائيل، قال ببساطة: “سنناقش هذا الأمر لاحقًا”.
وتظهر هذه التصريحات بوضوح أن إسرائيل لم تعد محور العمل الأميركي، بل أصبحت على الهامش. وفي الوقت الذي تعاني فيه الحكومة الإسرائيلية من انقسامات عميقة، فإن هذا التهميش أصبح خطيراً بشكل متزايد.
– الخلاف الشخصي يندلع مرة أخرى
وتتبع التحليل الذي نشرته صحيفة هآرتس تفاصيل العلاقة المضطربة بين ترامب ونتنياهو، ووجد أن “شهر العسل” بين الرجلين انتهى قبل أوانه. ورغم أن نتنياهو كان ملتزما بشكل كامل بإعادة انتخاب ترامب، إلا أنه منذ بداية ولايته الثانية، كان يحمل ضغينة واضحة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، متهما إياه بالخداع والتلاعب والسرقة.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست أيضا أن مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز تم إقالته بسبب التفاوض في الغرف الخلفية مع نتنياهو بشأن هجوم على إيران، رغم أن الهجوم وقع دون علم الرئيس. وأكد هذا اعتقاد ترامب بأن “نتنياهو ليس جديرًا بالثقة”.
وبعد أن أعلن ترامب اليوم نيته فتح قنوات اتصال مباشرة مع طهران، بات واضحا أن تل أبيب لم تعد خارج دائرة صنع القرار فحسب، بل أصبحت عبئا سياسيا على واشنطن.
-ينكسر الداخل…يثور درعي
الأزمة لا تقتصر على واشنطن، بل تمتد إلى إسرائيل نفسها. وقد قاد أرييه درعي، زعيم حزب شاس اليميني المتطرف، الذي وصف بأنه “مدير ائتلاف” نتنياهو على مدى العامين الماضيين، تمردا مؤخرا داخل الحكومة بسبب مشروع قانون يعفي اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية.
وفشل درعي في استرضاء الجبهة الأرثوذكسية المتشددة وانضم إلى مقاطعة التصويت على مشاريع القوانين الائتلافية، بما في ذلك مشروع القانون الأكثر أهمية الذي قدمه نتنياهو: فصل صلاحيات النائب العام. حتى وزير الخارجية جدعون ساعر لم يتمكن من إقناعه بكسر المقاطعة، على الرغم من أن القانون يعتبر “حبيبته السياسية”.
ويدرك نتنياهو أن تمرير هذا القانون هو خطوته الأخيرة لحماية نفسه من الملاحقة القضائية، لأن تقسيم المنصب قد يسمح بتعيين مدع عام جديد، والذي سيعيد فتح ملف الاتهام أو يجمده. لكن المشروع تعثر، ولم يتمكن التحالف من تحقيق تقدم بسبب عناد حلفائه.
المؤسسة الأمنية تغسل يديها من الذنب
في هذه الأثناء، كانت هناك سلسلة من الاستقالات لمسؤولين أمنيين رفيعي المستوى: تم فصل يوآف غالانت من وزارة الدفاع، واستقال هيرتسي هاليفي من منصب رئيس الأركان، وغادر رونين بار جهاز الأمن العام (الشاباك) بعد إلقائه خطابا مؤلما. واعترف الجميع بأخطاء قادتهم ونقائصهم وأوهامهم. وكان نتنياهو هو الوحيد الذي رفض الاعتراف بهذا، وأصر على أن “ضميره مرتاح”.
وأجرت الصحافة العبرية مقارنات تاريخية صادمة مع سياسيين سابقين مثل جولدا مائير التي تحطمت نفسيا بعد فشل عام 1973، ومناحيم بيغن الذي استقال بعد مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان. وفي الوقت نفسه، يواصل نتنياهو الحكم “برأس هادئ”.
– ماذا بعد؟
ولم تعد قضية الأسرى تشكل أولوية بالنسبة لنتنياهو، ولا يبدو أن زيارة ترامب ستغير هذا الوضع. الرئيس الأميركي قلق بشأن الاقتصاد واتفاقيات الطاقة والرسائل الرادعة لإيران.
إن تل أبيب، التي كانت في السابق شريكاً مهماً، أصبحت الآن مجرد مراقب صامت، تتلقى الإشارات بدلاً من إنتاجها. في ظل تفكك الائتلاف الحاكم، وتراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي، والعلاقات الهشة مع واشنطن، يبدو أن زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط تسبب لنتنياهو قلقا أكبر من تقديم الحلول له. وفي الواقع، قد يصبح هذا الحدث مع مرور الوقت نقطة تحول، تكشف أن لحظة “نهاية نتنياهو” قد بدأت بالفعل.