بالصور- عجيبة مرنبتاح وسر التابوت الكبير في حضن الجبل الغربي بالأقصر

تعد مقبرة الملك مرنبتاح في وادي الملوك على البر الغربي لطيبة واحدة من أهم وأكبر المقابر الملكية في مصر القديمة. وتبلغ مساحتها حوالي 2472 متراً مكعباً، ما يجعلها ثاني أكبر مقبرة في الوادي بعد مقبرة الملك سيتي الأول.
يقول عالم الآثار محمود فرح إن طول مقبرة مرنبتاح يبلغ 135 متراً. كان الجزء الأمامي معروفًا منذ العصور القديمة، كما يتضح من وجود أكثر من 120 نقشًا يونانيًا ولاتينيًا على جدران الغرف الست الأولى. تم اكتشاف الجزء الخلفي فقط في عام 1903 من قبل عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر. تم اكتشاف حجرة الدفن نفسها في عام 1980 فقط. وتتكون المقبرة من أربع حجرات جانبية متفرعة من حجرة الدفن، والتي لا تزال مغطاة بالطين والأنقاض بسبب الفيضانات.
يوضح فرح أن الملك مرنبتاح هو ابن الملك رمسيس الثاني. ولم يتول السلطة إلا في سن متقدمة، بعد أن عاش فترة طويلة في بلاط والده. ولم يستمر حكمه سوى عشر سنوات تقريباً، ولكنه أتم بناء مقبرته قبل وفاته، باستثناء الغرف الخلفية التي لم تكن مزخرفة ولم تكتمل. ويُعرف مرنبتاح في التاريخ ليس فقط باعتباره خليفة أحد أعظم ملوك مصر، بل أيضًا باعتباره مؤلف اللوح الشهير الذي ذُكر فيه اسم “إسرائيل” لأول مرة في التاريخ. لقد أثارت هذه اللوحة ولا تزال تثير الكثير من الجدل في الأوساط الأثرية والتاريخية بسبب دلالاتها وتفسيراتها المختلفة.
ويضيف فرح أن المقبرة تتميز بعمارتها المستقيمة وانحدار ممراتها بشكل بسيط دون زوايا أو تغيرات مفاجئة في الاتجاهات كما هو الحال في المقابر الأخرى من نفس الفترة. ولكن تم اكتشاف عيب تصميمي خطير في المقبرة عندما تبين أن أحد التوابيت الجرانيتية لمرنبتاح، والذي يبلغ عرض غطائه 2.13 متر، كان أوسع من مداخل المقبرة نفسها، والتي بلغ متوسط عرضها 2.12 متر. ولحل هذه المشكلة، قام المهندسون المعماريون بتدمير الأبواب المزخرفة ثم أعادوا بناؤها فيما بعد باستخدام كتل حجرية. ولا يزال من الممكن رؤية آثار هذا الخطأ في بعض الغرف المجاورة حتى يومنا هذا – وهي شهادة واضحة على الارتباك الذي أحدثه هذا الخطأ.
وأشار عالم الآثار محمود فرح إلى أن الزخارف والنقوش داخل المقبرة تتبع التقليد الفني لمقابر الأسرة التاسعة عشرة، وخاصة مقابر رمسيس الثاني وسيتي الأول، وتكشف عن براعة فائقة في النحت والرسم رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بها جراء السيول. وفي عدة أماكن، يمكن رؤية بقايا الألوان الزرقاء والحمراء والخضراء والصفراء الزاهية. تم تزيين جدران الممرات الأولى بنصوص من ترانيم رع ونصوص من كتاب أمدوات، والتي تصف رحلة الشمس في الحياة الآخرة أثناء ساعات الليل. وفي قاعة النافورة وقاعة الأعمدة نجد أيضًا نصوصًا من كتاب البوابات وكتاب الكهوف وكتاب الأرض، بالإضافة إلى مشاهد يقدم فيها الملك القرابين لأوزوريس وآلهة أخرى.
ومن بين النقوش الأكثر لفتًا للانتباه في المقبرة نص الفصل 125 من كتاب الموتى، المعروف باسم “اعترافات الإنكار”. يعد هذا أحد أهم النصوص الجنائزية في المعتقد المصري القديم ويظهر الروح وهي تنكر خطاياها أمام حكم الآلهة. تتكون حجرة الدفن من صفين من الأعمدة ومساحة منخفضة في المنتصف حيث تم وضع التابوت. على الجانب السفلي من الغطاء، تم نقش صورة الإلهة نوت، رمز الحماية والقيامة. وعلى جدران الغرفة مشاهد من الساعة التاسعة من كتاب البوابات، وأجزاء من كتاب الكهوف، وبقية كتاب الأرض.
وعلى الرغم من الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمقبرة مع مرور الوقت، فقد تم الحفاظ على العديد من جوانب روعتها. وهو شهادة معمارية وروحية على تطور العقيدة الجنائزية المصرية. كما أنها تقدم لنا نظرة ثاقبة على شخصية مرنبتاح، الملك الذي ورث مجد أبيه وترك وراءه قبرًا ضخمًا ولوحة تاريخية مثيرة للجدل لا تزال موضوعًا للدراسة والنقاش حتى يومنا هذا.