تهدئة أم تخلي.. كيف غيّر اتفاق واشنطن مع الحوثيين ميزان التحالف الأمريكي- الإسرائيلي؟

منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار المتفق عليه بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي في اليمن، أطلق مسؤولون إسرائيليون تصريحات غاضبة. وجاء الاتفاق بمثابة مفاجأة بالنسبة لتل أبيب، واعتبره بعض السياسيين بمثابة تخلي الولايات المتحدة عن إسرائيل. وأشاروا إلى أن عدم وجود تنسيق مسبق بين واشنطن وتل أبيب يعد خطوة صادمة، ويثير عددا من التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الحليفين الاستراتيجيين في الشرق الأوسط.
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة ستنهي حملتها العسكرية ضد الحوثيين إذا وعدت الجماعة في المقابل بوقف الهجمات على المصالح الأمريكية في المنطقة. واعترف الحوثيون بالاتفاق لكنهم أكدوا أيضا استمرار هجماتهم على إسرائيل. وقال زعيم الحوثيين محمد علي الحوثي بعد الإعلان عن الاتفاق: “إنه انتصار يُحيّد الدعم الأمريكي للكيان المؤقت (إسرائيل) ويُثبت فشل نتنياهو”.
ضربة استراتيجية ضد إسرائيل
ويرى الباحث المتخصص في الدراسات السياسية والاستراتيجية والإسرائيلية الدكتور محمد وازن أن اتفاق وقف إطلاق النار المفاجئ بين الحوثيين والولايات المتحدة يمثل ضربة استراتيجية مزدوجة لإسرائيل، سواء من الناحية الاستخباراتية أو من حيث التوازن الإقليمي. ويوضح أن الضربة لا تكمن في تورط إسرائيل المباشر في الحرب ضد الحوثيين، بل في دورها كعنصر أساسي في علاقة الضغط على محور المقاومة. وبالتالي فإن أي اتفاق يتم التوصل إليه من دون علمه أو مشاركته يمثل خرقاً لمنظومة “التنسيق الأمني العميق” التي تعتبرها تل أبيب منذ فترة طويلة ركيزة أساسية من ركائز مكانتها في المنطقة.
وقال وازن في تصريح لايجي برس، إن إسرائيل تعتمد على علاقة خاصة واستثنائية مع واشنطن منذ عقود، وتعتبر نفسها الحليف الأهم الذي لا يمكن تجاهله في أي قرار استراتيجي يتعلق بأمن الشرق الأوسط. ولذلك فإن الالتفاف على هذا الاتفاق باتفاق بهذا الحجم ــ وخاصة مع جهة تعتبر عدواً مباشراً وممولة من إيران ــ يعد إهانة سياسية وأمنية. ويرسل هذا الموقف أيضاً رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة لتقليص التزاماتها الأمنية من جانب واحد إذا كانت مصالحها تتطلب ذلك، حتى لو جاء ذلك على حساب حليفتها إسرائيل.
وارتكز التحالف الأميركي الإسرائيلي في البحر الأحمر على مبدأ الردع المشترك لمواجهة التهديد الحوثي. لكن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن والجماعة في وقت لا تزال فيه إسرائيل تواجه هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة من اليمن، يظهر أن الولايات المتحدة تفضل التهدئة الثنائية على الردع الجماعي، وبدأت بالانسحاب تدريجيا من المواجهة، تاركة تل أبيب تواجه التهديد وحدها. وهذا يضع أجهزة الأمن الإسرائيلية في موقف صعب في نظر الجمهور المحلي، كما يقول الدكتور محمد وازن.
ونقلت شبكة “سي إن إن” الأميركية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الاتفاق الأميركي الذي أعلن بعد ساعات من بدء قوات الاحتلال الإسرائيلي هجمات على مطار صنعاء الدولي وأهداف أخرى في اليمن، جاء مفاجئا لتل أبيب، إذ لم يتم إبلاغها مسبقا بقرار وقف إطلاق النار.
وأكد ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، مشيرا إلى أن إدارة ترامب تقدم لإسرائيل “دعما سياسيا غير مشروط”. لكنه أوضح أيضا أن بلاده، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، “لم تتلق إشعارا مسبقا بالقرار الأميركي بوقف قصف الحوثيين”.
من جانبه، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده “قادرة على الدفاع عن نفسها”. وقال: “هناك قاعدة واحدة توجهني: إسرائيل ستدافع عن نفسها في كل مكان وضد أي تهديد، حتى لو وقفت وحدها”. وكان يقصد ضمناً الاتفاق بين الولايات المتحدة والحوثيين بوساطة سلطنة عمان.
ويرى الباحث المتخصص في الدراسات السياسية والإستراتيجية والإسرائيلية الدكتور محمد وازن أن أصحاب القرار في تل أبيب يشعرون بقلق خاص لأن هذا الاتفاق تم دون علمهم أو مشاركتهم. ويشير هذا إلى أنه سيتم التوصل إلى اتفاقيات إقليمية جديدة في غيابهم، وخاصة في المناطق الاستراتيجية مثل البحر الأحمر وخليج عدن. ويرى وازن أن هذا الإقصاء يذكرنا بغضب إسرائيل من الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، عندما تم التوصل إلى اتفاقيات رئيسية دون وجود إسرائيل على طاولة المفاوضات.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تميل إلى تهدئة الجبهات المتصاعدة أكثر من مواصلة حروبها بالوكالة. وتنظر إسرائيل إلى هذا باعتباره ضربة سياسية وأمنية وإعلانا مبكرا عن الانسحاب الأميركي، وهو ما قد تكون له تداعيات مستقبلية على قضايا أخرى مثل سوريا ولبنان وربما الضفة الغربية. وأوضح أن هناك العديد من المؤشرات على تراجع الدعم غير المشروط لتل أبيب في الأشهر الأخيرة، مثل انتقادات إدارة بايدن لحكومة نتنياهو بسبب عملياتها العسكرية في غزة والعدد الكبير من الضحايا المدنيين، فضلاً عن الخلافات حول المساعدات والنزاع حول “اليوم التالي في غزة”.
واشنطن لن تدفع ثمن قرارات إسرائيل
ومن الواضح أن الحكومة الأميركية بدأت تشعر بأن تحالفها مع إسرائيل، في شكله الحالي، قد يضر بمصالحها الأوسع في الشرق الأوسط، سواء من حيث العلاقات مع دول الخليج، أو مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد، أو حتى معالجة قضايا الطاقة والبحرية. ويشير الدكتور محمد وازن إلى أن القرار الأميركي بالتفاوض مع الحوثيين رغم دعم إيران، يعكس تحولاً في السياسة الأميركية الهادفة إلى احتواء التوترات بدلاً من تصعيدها، حتى لو كان ذلك يعني تجاوز الشريك الإسرائيلي.
ويشير وازن أيضاً إلى أن نتنياهو يصور داخلياً الحرب في غزة كجزء من الحرب العالمية ضد “الإرهاب الإسلامي”، ويحاول جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مفتوحة مع إيران ووكلائها. لكن واشنطن تدرك أن مثل هذا النهج قد يورط البلاد في حروب لا تخدم مصالحها، بل وقد يضعف مكانتها الدولية ويحرجها في نظر الرأي العام العالمي. ولذلك يمكن تفسير الاتفاق مع الحوثيين على أنه رسالة مباشرة إلى نتنياهو: “لن نسمح لك بإملاء أولوياتك الأمنية علينا، ولن تجرنا إلى صراع مفتوح بلا سيطرة”.