لا عفو عن الخاطف حتى لو تزوج ضحيته.. الكويت تلغي قانونًا مثيرًا للجدل

منذ 13 ساعات
لا عفو عن الخاطف حتى لو تزوج ضحيته.. الكويت تلغي قانونًا مثيرًا للجدل

أعلنت الكويت إلغاء مادة في قانون البلاد كانت تسمح للرجل الذي يختطف امرأة بالهروب من العقوبة إذا تزوج من الضحية. وبحسب نشطاء حقوق الإنسان، فقد كان هذا الإجراء متأخرا كثيرا.

أعلن مجلس الوزراء الكويتي موافقته على مشروع قانون يلغي المادة 182 من قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960. وتنص هذه المادة على أنه “إذا تزوج الخاطف شرعاً من اختطفها بإذن وليها، وطلب الولي عدم معاقبة الخاطف، فلا يجوز الحكم عليه بأي عقوبة”.

وقال وزير العدل والمستشار الكويتي ناصر السميط في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن القرار جاء نتيجة التزام الكويت بتعزيز حماية الحقوق والحريات وترسيخ مبادئ الكرامة الإنسانية المستمدة من الشريعة الإسلامية والالتزام بالاتفاقيات الدولية وأبرزها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ونقلت صحيفة القبس الكويتية عن السميط قوله إن هناك عدة أسباب لإلغاء المادة 182 من قانون الجزاء. وأهمها أن لدينا فتوى من وزارة الشؤون الإسلامية تفيد بأن هذه المادة تخالف الشريعة الإسلامية، كما أنها غير دستورية.

1_1_11zon

“إن القرار “متأخر للغاية”.

وطالب نشطاء حقوقيون ومحامون كويتيون من الجنسين منذ فترة طويلة بإلغاء هذه المادة، معتبرين أنها مجحفة في حق الضحايا.

وقالت لنا الناشطة الكويتية في مجال حقوق الإنسان كريمة كرم: “هذه الخطوة تأخرت كثيرا وكان ينبغي أن تكون رادعاً لأي شخص يجرؤ على ارتكاب مثل هذه الجرائم”. وأضافت أنها تحدثت مرارًا وتكرارًا عن هذه القضية، قائلةً: “يجب معاقبة الخاطف على جريمته، سواء تزوج المخطوفة أم لا. وإلا، فقد يُشجع ذلك آخرين على ارتكاب جرائم خطف أيضًا”.

ويعتقد نشطاء حقوق الإنسان أن وصمة العار التي تلحق بضحايا الاختطاف أو الاغتصاب في المجتمعات المحافظة مثل الكويت هي السبب في بقاء الأحكام القانونية التي تسمح للجناة بالإفلات من العقاب. ويعتقد المشرعون أن هذه الأحكام تحمي النساء والفتيات من الوصمة واحتمال تعرضهن للأذى أو القتل على يد أسرهن.

وتقول المحامية الكويتية شيخة الجليبي لبي بي سي عربي إنها تعتقد أن سبب تأخر إلغاء المادة 182 هو أن “المشرع مقتنع بأن المجتمع غير مستعد لتقبل فكرة الإلغاء، خاصة أن المجتمع يعتبرها مساساً بمبدأ الشرف”.

وترى هيفاء الموسى، رئيسة فريق المشروع الإلكتروني «ورقتي» الذي يهدف إلى رفع مستوى الوعي بالقضايا القانونية بين النساء في الكويت، وعضو الجمعية الاجتماعية والثقافية النسائية، أن السبب هو أن «قضايا المرأة لم تحظ للأسف بالاهتمام الكافي من قبل الجهات المعنية في الماضي». وأضافت أن المجتمع الكويتي «يحتاج إلى التوعية بأهمية دور المرأة في خلق الأمن الاجتماعي والتوازن بين أفراده».

“انتهاك صارخ لإنسانية المرأة”

ردًا على فكرة أن المادة 182 من قانون الجزاء الكويتي تُعدّ “تسوية” لحماية سمعة الضحايا وعائلاتهم من التشهير، قالت المحامية شيخة الجليبي إنها “إهانة للمرأة. فقد اختُطفت ضحية، مما قد يؤدي إلى اعتداء عليها مرة، ولكن بعد إجبارها على الزواج بحجة الحفاظ على شرفها، تتعرض لاعتداءات يومية تحت ستار الزواج والحفاظ على شرفها”.

تعتبر الناشطة هيفاء الموسى المقال “مثالاً على انتهاك صارخ لحقوق المرأة الإنسانية باسم القانون، وبحماية المجتمع، وبتواطؤ منه. فعندما ينتهك الخاطف حق المرأة في العيش بأمان، ثم يُجبر على الزواج منه، فكأنما تُعاقب الضحية، لا الجاني، الذي يُعفى من العقاب بموجب القانون. فالمجتمع يُبارك الجريمة بزواج الضحية من جلادها”.

وتتساءل باستنكار: “ألا تشجع هذه المادة على مزيد من الاعتداءات على النساء في هذا المجتمع؟”

في كثير من الأحيان يشير منتقدو فكرة زواج الضحية من خاطفها أو مغتصبها إلى أن النساء يتعرضن للاستغلال من قبل الرجال الذين يتقدمون لخطبتها ولكن يتم رفضهم من قبل والديهم أو النساء أنفسهن. ثم يقرر هؤلاء الرجال اختطاف النساء لإجبار عائلاتهن على زواج غير مقبول.

وأخبرنا الموسى والجليبى أيضا عن حالات أجبر فيها الأوصياء بناتهم على الزواج رغم رفض خاطفيهم، لأن المادة 182 تشترط موافقة الولي فقط وليس موافقة الابنة.

يقول الجلابي: “في الشريعة الإسلامية، يشترط الزواج موافقة الفتاة وولي أمرها، إلا أن النص يشترط موافقة الولي فقط، وهو ما يُعدّ مخالفة صريحة لأحكام عقد الزواج في الشريعة الإسلامية”.

وتشير الموسى إلى الآثار النفسية السلبية التي تعاني منها “ضحايا هذه المادة من النساء”. تُكوّن لديهن “ذكريات مؤلمة تترسخ في النفس البشرية، ويظل كابوس إساءة معاملتهن واختطافهن يلازمهن طوال حياتهن، مما يدفعهن إلى الزواج من مجرم بدلاً من معاقبته. وتحتاج هؤلاء النساء إلى إعادة تأهيل من خلال برامج اجتماعية ونفسية وتعليمية خاصة لتمكينهن من إعادة الاندماج في المجتمع”.

2_2_11zon

مزيد من الإصلاحات القانونية

ويأتي إلغاء المادة 182 في أعقاب سلسلة من التغييرات التشريعية التي أجرتها الكويت في مارس/آذار الماضي، والتي قالت السلطات الكويتية إنها تتوافق مع التزاماتها الدولية.

وكان أبرز هذه التغييرات إلغاء المادة 153 من قانون العقوبات، التي كانت تمنح الرجل عذراً مخففاً للعقوبة إذا قتل زوجته أو إحدى قريباته في ما يسمى بـ”جريمة الشرف”. وتضمن أيضًا رفع سن الزواج إلى 18 عامًا وتغييرات أخرى تؤثر على محكمة الأسرة وقضايا العنف الأسري.

وترى الموسى أن هناك حاجة إلى مراجعة أو تنفيذ المزيد من القوانين المتعلقة بالأسرة والمرأة والطفل في الكويت.

وتشير الموسى، على سبيل المثال، إلى ضرورة “تفعيل مراكز مكافحة العنف الأسري المنصوص عليها في المادة 8 من قانون الأسرة رقم 12 لسنة 2015”. وتنص على أنه “ينشأ في كل محافظة تابعة لمحكمة الأسرة مركز مهمته حل النزاعات الأسرية وحماية أفراد الأسرة من العنف والإيذاء الذي يلحقه أحد أفراد الأسرة بأفراد آخرين”.

وبإلغاء المادة 182 من قانون الجزاء، انضمت الكويت إلى دول عربية أخرى في إلغاء القوانين التي تنص على العفو عن مرتكبي جرائم الاختطاف أو الاغتصاب إذا تزوج الجاني من الضحية.

ومن بين هذه الدول مصر التي ألغت في عام 1999 المادة 291 من قانون العقوبات التي كانت تعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوج من ضحاياه. في عام 2014، ألغى المغرب بنداً في المادة 475 من القانون الجنائي كان يعفي مغتصبي أو خاطفي الفتيات القاصرات من الملاحقة القضائية إذا وافقوا على الزواج منهن. وألغت تونس والأردن ولبنان مواد مماثلة في عام 2017، واتخذت البحرين الخطوة نفسها في عام 2023.


شارك