أمريكا تدخل سوق المعادن الأوكرانية.. ماذا تجني كييف؟

منذ 3 ساعات
أمريكا تدخل سوق المعادن الأوكرانية.. ماذا تجني كييف؟

بعد مرور مائة يوم على توليه منصبه، حقق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نجاحا في القضية الأوكرانية. وقعت واشنطن وكييف اتفاقا يفتح المجال أمام الولايات المتحدة للمشاركة الكاملة في الموارد الطبيعية لأوكرانيا، وخاصة المعادن النادرة والنفط والغاز.

ورغم أن أوكرانيا والولايات المتحدة أعلنتا عن الاتفاق، إلا أن النص النهائي لم ينشر رسميا بعد. ومع ذلك، قامت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بمراجعة مسودة غير منشورة وكشفت عن سبع نقاط رئيسية تسلط الضوء على الاتفاق المثير للجدل.

صورة 1_1

لا ديون ولكن هناك ثمن

وبحسب تصريحات رسمية أوكرانية، فإن الاتفاق لا يلزم كييف بسداد أي “ديون” للمساعدات الأمريكية السابقة، والتي تبلغ، بحسب دونالد ترامب، 350 مليار دولار. وأكد رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال أن الاتفاق لم يتضمن صيغة لسداد هذه المبالغ. ويُنظر إلى هذا باعتباره تراجعاً من جانب ترامب عن تصريحاته السابقة التي طالب فيها كييف بسداد تكاليف المساعدات الأميركية السابقة. ورد نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن بلاده لم تطلب المساعدة الأمريكية كقرض لتمويل المساعدات.

ورغم أن التركيز الإعلامي ينصب على المعادن، فإن الاتفاق يتضمن أيضاً مشاريع جديدة في قطاع النفط والغاز والبنية الأساسية المرتبطة بها. وستظل الموارد رسميًا ملكًا لأوكرانيا، لكن الولايات المتحدة ستدخل في شراكة تشغيل وإنتاج. ولم يتم تضمين هذا البند في المسودات الأصلية، مما يشير إلى مزيد من إضعاف الموقف الأوكراني.

صورة 2_2

حلم الاتحاد الأوروبي

ونظرا للمخاوف من أن الاتفاق قد يعوق طموحات أوكرانيا الأوروبية، فقد قدم النص طمأنينة لبروكسل. وينص الاتفاق صراحة على أن واشنطن تحترم جهود أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل وتلتزم بإعادة التفاوض على بعض الشروط إذا كانت عملية الانضمام تتطلب ذلك. وأكد الجانب الأوكراني أيضًا أن الاتفاق لا يتعارض مع الشراكة الاستراتيجية القائمة في مجال المواد الخام مع الاتحاد الأوروبي.

وينص الاتفاق أيضًا على أن جميع الأرباح من “صندوق إعادة الإعمار” الذي سيتم إنشاؤه في أوكرانيا بموجب الاتفاق سيتم إعادة استثمارها في الاقتصاد الأوكراني لمدة عشر سنوات. بعد هذه الفترة، يمكن تقسيم الأرباح بين الشركاء الأمريكيين والأوكرانيين. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسانت في بيان إن “هذه فرصة للأميركيين ليكونوا جزءا من قصة نجاح الشعب الأوكراني”، لكنه لم يستبعد إمكانية تحقيق مكاسب مستقبلية.

أما فيما يتعلق بالدعم العسكري الأميركي، فإن الاتفاق الجديد يعيد التزام واشنطن العسكري إلى الواجهة، حيث يرتبط استمرار الدعم العسكري بنجاح هذا الإطار الاستثماري. وقالت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني يوليا سفيريدينكو إن الاتفاق يفتح الباب أمام دعم دفاعي جديد، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي. ويأتي هذا الاقتراح في وقت يحاول فيه ترامب تقليص المساعدات العسكرية لكييف منذ عودته إلى البيت الأبيض.

صورة 3_3

لا توجد ضمانات جدية

ورغم هذا التقدم الواضح، فإن الاتفاق لا يوفر ضمانات أمنية قوية ــ وهو مطلب قديم من كييف وأوروبا. هناك، لم يُظهر دونالد ترامب نفس الحماس للمشاركة العسكرية مع كييف مثل إدارة الرئيس السابق جو بايدن. وفي حين قدمت إدارة بايدن دعمًا واسع النطاق في شكل أسلحة ومال وتدريب، فقد أعرب ترامب منذ فترة طويلة عن تحفظاته بشأن التدخل الأمريكي العميق في الحرب.

ورغم أن الاتفاق يتضمن أيضا التزامات اقتصادية تجاه أوكرانيا، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، فإنه لا يعوض عن الافتقار الصارخ للضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف ــ وخاصة في ضوء الهجمات الروسية المستمرة والمخاوف الأوروبية المتزايدة من صراع أوسع نطاقا.

ويعني هذا الوضع أن التزام الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لأوكرانيا في الحرب ضد موسكو، يظل هشاً وغير مضمون بشكل كامل. وقد يؤدي هذا إلى إثارة مخاوف متزايدة في العواصم الأوروبية وفي كييف بشأن الاستمرار في دعم أكبر شريك لأوكرانيا.

صورة 4_4

موقف أكثر صرامة تجاه موسكو

وفيما يتعلق بروسيا، استخدم البيان الأميركي بشأن الاتفاق لغة أكثر صرامة من المعتاد في ظل إدارة ترامب. ووصفت الحرب بأنها “غزو روسي واسع النطاق”، وتم التأكيد على أنه لا ينبغي لأي دولة أو مؤسسة تمول روسيا أو تزودها بالأسلحة أن تستفيد من إعادة إعمار أوكرانيا.

ويشير الخطاب الأميركي المحيط بالإعلان عن الاتفاق الأخير إلى احتمال حدوث تغيير في موقفها، وخاصة في ضوء الدعوات المتزايدة من أوكرانيا لممارسة المزيد من الضغوط على موسكو. ورحبت كييف بهذا القرار، وهي لا تزال تجري مفاوضات غير مباشرة مع روسيا بشأن وقف إطلاق النار، وهي القضية التي لم يتناولها الاتفاق.

ما أهمية هذه المعادن؟

المعادن النادرة هي مجموعة من المعادن التي تستخدم بشكل رئيسي في التقنيات الحديثة مثل الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والأسلحة وأنظمة الطاقة المتجددة. وتشمل هذه المعادن عناصر مهمة مثل اللانثانوم والنيوديميوم والليثيوم والجرافيت والنيكل، والتي تلعب دوراً محورياً في صناعات الطاقة الخضراء والدفاع.

وفي هذا السياق، ازداد الاهتمام العالمي بهذه المعادن نتيجة للتحول المتسارع نحو الطاقة المتجددة وتقنيات الكمبيوتر المتقدمة. وبحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية لعام 2023، من المتوقع أن يتضاعف الطلب على المعادن اللازمة للتحول في مجال الطاقة بحلول عام 2030، وهو ما سيؤدي بدوره إلى مضاعفة القيمة السوقية لهذه المعادن.

قبل الحرب، كانت أوكرانيا واحدة من أكبر موردي المعادن النادرة في العالم، وكانت تمتلك احتياطيات هائلة من المعادن الحيوية لتصنيع البطاريات والتكنولوجيا الحديثة. وبحسب المعهد الجيولوجي الأوكراني، تمتلك البلاد احتياطيات من 22 من أصل 34 معدنًا صنفها الاتحاد الأوروبي على أنها حيوية للأمن القومي والتنمية الاقتصادية.

وتشمل هذه المعادن اليورانيوم والليثيوم والنيوديميوم، والتي تستخدم في تصنيع السيارات الكهربائية وطواحين الهواء والهواتف الذكية. وتتمتع أوكرانيا أيضًا باحتياطيات ضخمة من الجرافيت، والتي تمثل 20% من احتياطيات العالم، والتيتانيوم، الذي كان يمثل 7% من الإنتاج العالمي قبل الحرب.

ومع ذلك، فإن الحرب المستمرة مع روسيا، التي تسيطر الآن على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، أعاقت بشكل كبير قدرة أوكرانيا على استغلال هذه الموارد. وبحسب تقارير رويترز، فإن الخبراء يقدرون أن نحو 40 في المائة من الموارد المعدنية في أوكرانيا تقع حاليا تحت السيطرة الروسية، وهو ما يجعل التنقيب والإنتاج أمرا صعبا.

صورة 5_5

ويأتي الاتفاق أيضًا في وقت تحاول فيه الحكومة الأمريكية تقليل اعتمادها على الصين، التي تهيمن على معالجة المعادن النادرة عالميًا، وتشكل تهديدًا كبيرًا للولايات المتحدة بسبب هيمنتها المطلقة في هذا المجال. وبحسب تقارير وكالة الطاقة الدولية، تسيطر الصين على نحو 70% من معالجة المعادن النادرة في العالم. وعلى هذه الخلفية، تُعتبر أوكرانيا حلقة وصل حاسمة في تأمين هذه الاحتياطيات المعدنية، خاصة وأن الولايات المتحدة ترى في أوكرانيا فرصة لتعزيز أمنها الاقتصادي والعسكري، بحسب صحيفة الغارديان.

منذ بداية الحرب، خسر قطاع التعدين في أوكرانيا جزءاً كبيراً من قدرته الإنتاجية، حيث سيطرت القوات الروسية على العديد من المواقع الغنية بالمعادن في شرق وجنوب البلاد، بما في ذلك بعض أهم احتياطيات الليثيوم والجرافيت في البلاد. ومع ذلك، لا تزال أوكرانيا تمتلك الكثير من مواردها الطبيعية في مناطقها الغربية والوسطى، وتواصل السلطات الأوكرانية العمل على خطط جديدة لاستعادة السيطرة على هذه الموارد.


شارك