تجار ومصنعون يحذرون من الركود التضخمي مع الارتفاعات المستمرة في تكاليف الإنتاج

• قطاع مواد البناء: قام المصنعون في هذا القطاع بخفض إنتاجهم نتيجة عدم قدرتهم على مواجهة الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود. • جورج: انخفاض مبيعات الأجهزة الكهربائية بنسبة 30%. • زيتون: ارتفاع سعر الدولار والبنزين حدّ من انتعاش قطاع السيارات خلال شهر رمضان.
أبدى عدد من الصناعيين والتجار من مختلف القطاعات الذين التقتهم الشروق مخاوفهم من انزلاق الاقتصاد إلى حالة من الركود التضخمي. ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتصنيع بشكل مستمر، والتي لم يعد بإمكانهم امتصاصها من المستهلكين بسبب عملية الإصلاح الاقتصادي والتأثير الاقتصادي العالمي. ويأتي ذلك في ظل تراجع كبير في القدرة الشرائية للمواطنين، والتي لا تستطيع مواكبة هذه الزيادات في الأسعار.
الركود التضخمي يعني زيادة مستمرة في أسعار السلع والخدمات، وارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ النمو في الناتج المحلي الإجمالي.
وشكل ارتفاع أسعار الوقود في الأسواق صدمة جديدة للتجار والمصنعين الذين كانوا يحاولون بالفعل استيعاب زيادة تكاليف الإنتاج الناتجة عن انخفاض قيمة الجنيه المصري بنسبة 60% مقابل الدولار في مارس/آذار 2024 وما تلاه من زيادات في أسعار الكهرباء والوقود.
وفي الأسبوع الماضي، رفعت الحكومة أسعار البنزين والسولار بمقدار جنيهين مصريين للتر، ضمن حزمة الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. وفي المقابل حصلت على قرض بقيمة 8 مليارات دولار. وتشمل الإصلاحات الالتزام بأسعار صرف مرنة مقابل الجنيه المصري وتحرير أسعار الكهرباء والوقود.
قال أحمد الزيني، رئيس قطاع مواد البناء، إن ارتفاع أسعار الوقود في الآونة الأخيرة يزيد من الأعباء على مصنعي وتجار مواد البناء في الوقت الذي يواجهون فيه تراجعاً في المبيعات.
وتابع الزيني أن ارتفاع أسعار الوقود قد يعتبره البعض بسيطاً، لكن المصنعين والتجار لا يستطيعون تحمله، إذ يأتي في وقت يعانون فيه من تراجع المبيعات والإنتاج. وقال: “لو كان هناك زيادة في الإنتاج لكان من الممكن الحديث عن الامتصاص”، مشيرا إلى أن استمرار “الإصلاحات الاقتصادية” التي تقوم بها الحكومة من شأنه أن يدفع السوق إلى الركود التضخمي.
قال جورج زكريا، القائم بأعمال رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية باتحاد الغرف التجارية المصرية، إن أرقام مبيعات الأجهزة الكهربائية غير مطمئنة وتشير بقوة إلى ركود السوق.
وأضاف أن تكلفة تصنيع الأجهزة الكهربائية ارتفعت بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة منذ بداية عام 2025، وذلك نتيجة لتأثيرات قرارات الإصلاح الاقتصادي، ومنها تحرير سعر الصرف وزيادة أسعار الوقود والكهرباء العام الماضي. وأشار إلى أن ذلك أدى إلى انخفاض المبيعات بنحو 30 بالمئة على الأقل منذ بداية العام.
وأضاف أنه في حين أن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود تشكل عبئا على تجار التجزئة ومصنعي الأجهزة الكهربائية، فمن الأفضل لتجار التجزئة أن يتحملوا التكاليف. وأضاف أن “أي زيادة أخرى في الأسعار سوف تؤدي إلى ركود تضخمي في الأسواق”.
ولا يختلف سوق الملابس الجاهزة كثيراً عن سوق الأجهزة الكهربائية الذي يشهد هو الآخر ركوداً مماثلاً، كما يقول الدكتور خالد سليمان، نائب رئيس قطاع الملابس الجاهزة باتحاد الغرف التجارية المصرية. وقال إن تجار القطاع سيبذلون قصارى جهدهم لاستيعاب أي زيادة في تكاليف الإنتاج، لأن القدرة الشرائية للمواطنين لا تستطيع تحمل ارتفاع الأسعار. “ومع ذلك، إذا استمرت تكاليف الإنتاج في الارتفاع، فسيكون لذلك تأثير سلبي على السوق أسوأ من الركود الذي نعيشه حاليًا.”
ويرى منتصر زيتون، عضو شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية المصرية، أن سوق السيارات شهد ارتفاعاً في المبيعات خلال شهر رمضان الماضي في ظل استقرار الوضع الاقتصادي. لكن العلامات الأولى للركود بدأت تظهر من جديد بسبب ارتفاع سعر الدولار وأسعار البنزين.
وفي الأيام الأخيرة، ارتفع سعر الدولار إلى أعلى مستوى على الإطلاق أمام الجنيه، حيث وصل إلى 51.75 جنيه. وجاء ذلك نتيجة لتصاعد الحروب التجارية، مما أدى إلى زيادة الاستثمار الأجنبي في الأوراق المالية المحلية. لكن قيمته عادت للتراجع ووصلت أمس إلى 51.12 جنيه.
وقال محافظ البنك المركزي حسن عبدالله في تصريحات نشرتها وكالة الشرق الأوسط للأنباء إن سعر الصرف غير قابل للتثبيت وإن البنك المركزي ينتهج سياسة سعر صرف مرنة تعتمد على العرض والطلب على غرار العملات العالمية.
وأضاف زيتون أن أي تغيير في سعر الصرف خلال الفترة المقبلة، واستمرار إصلاحات الوقود، والتوترات التجارية العالمية، من شأنه أن يدفع الاقتصاد المصري إلى الركود التضخمي.
وانخفضت معدلات التضخم إلى 12.5 بالمئة في مختلف أنحاء البلاد في فبراير/شباط، بدعم من التأثير الأساسي. ولكنها ارتفعت مجددا في مارس/آذار، مسجلة زيادة بنسبة 13.1% على أساس سنوي، مع ظهور المخاوف بشأن عودة الضغوط التضخمية في أعقاب الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود.
وفي حين تشير ظروف السوق إلى ركود مبيعات التجزئة واستمرار ارتفاع أسعار المستهلك، فإن المؤشرات الاقتصادية الكلية الأخرى مثل البطالة ونمو الناتج المحلي الإجمالي تشير إلى أن هذا غير مرجح.
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، انخفض معدل البطالة بنسبة 6.4% وارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد إلى 4.3% بنهاية الربع الثاني من السنة المالية 2024-2025، بعد أن تباطأ إلى 2.4% في نهاية السنة المالية السابقة 2023-2024.
قال الخبير الاقتصادي محمد فؤاد إن الاقتصاد المصري استوفى حتى الآن شرطين أساسيين للركود التضخمي: أولا تباطؤ النشاط الاقتصادي ولكن ليس الانكماش بعد؛ ثانياً، ارتفاع التضخم بسبب المشاكل الهيكلية؛ وثالثًا، ارتفاع معدلات البطالة.
وأضاف فؤاد في تصريحات لـ”الشروق” أن الاقتصاد المصري رغم أنه لا يمر بحالة ركود تضخمي، إلا أنه ليس بعيداً عنها. وأشار إلى أن الركود التضخمي قد لا يحدث دفعة واحدة، بل على مدى عدة فترات، كما حدث في الاقتصاد التركي بين عامي 2018 و2021.
ونصح فؤاد الحكومة بتعزيز ثقة المستثمرين ودعم الصادرات وتدخل البنك المركزي لدعم النشاط الاقتصادي لتجنب الركود التضخمي.