لماذا تتصاعد الاحتجاجات السياسية حول العالم؟

منذ 3 شهور
لماذا تتصاعد الاحتجاجات السياسية حول العالم؟

انتشرت في الآونة الأخيرة الاحتجاجات السياسية في العديد من بلدان العالم. وتتعدد الأسباب وراء ذلك وتتراوح بين السياسات الحكومية الاستبدادية أو غير الفعالة والفشل في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الملحة. وتعكس هذه الحركات الشعبية الغضب الشعبي المتزايد وتثير تساؤلات حول قدرة الحكومات على تلبية احتياجات شعوبها والحفاظ على استقرار الأنظمة الديمقراطية.

وقال الباحثان توماس كاراثرز وجودي لي في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن عدة مناطق شهدت زيادة كبيرة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة ذات الطابع السياسي الواضح. اندلعت موجة من الاحتجاجات في منطقة البلقان، بما في ذلك البوسنة والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا. وشهدت بلدان وسط وشرق أوروبا احتجاجات مماثلة، مثل جورجيا والمجر وسلوفاكيا. وامتدت موجة المظاهرات إلى اليونان وإسرائيل وموزمبيق وكوريا الجنوبية وتركيا.

ويتساءل الباحثون: ما هي أسباب هذا التصاعد في الاحتجاجات السياسية؟ فهل يشكل هذا تطورا إيجابيا أم سلبيا لمستقبل الديمقراطية في العالم؟

ويقول الباحثون إن الإجراءات المناهضة للديمقراطية التي اتخذتها الحكومة هي السبب الرئيسي وراء معظم هذه الاحتجاجات. وفي حالتين – جورجيا وموزامبيق – أدت مزاعم التزوير الواسع النطاق في الانتخابات الوطنية إلى خروج المواطنين إلى الشوارع. وفي جورجيا، أدى قرار الحكومة الجديدة بتعليق محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة التوترات. وفي كلا البلدين استمرت الاحتجاجات لعدة أشهر.

وفي حالات أخرى، لم تكن التدابير المناهضة للديمقراطية مرتبطة بالانتخابات. اندلعت الاحتجاجات في المجر بعد أن أقر البرلمان المجري قانونًا في 18 مارس يحظر مسيرات فخر المثليين ويسمح للسلطات باستخدام تقنية التعرف على الوجه التي تم الحصول عليها من الصين لتحديد هوية المشاركين في الأحداث المحظورة.

في إسرائيل، تصاعدت موجة الاحتجاجات المستمرة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب تركيزه المتزايد للسلطة السياسية بعد أن أعلن إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، في 16 مارس/آذار. ويرى المتظاهرون أن هذه الخطوة تعبير عن تصميم نتنياهو على البقاء في السلطة بأي ثمن. وفي إسرائيل أيضا، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات في أعقاب استئناف الحملة العسكرية ضد حماس في 18 مارس/آذار.

وقد أدى فرض الأحكام العرفية من قبل الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى إثارة تعبئة واسعة النطاق للسكان في الشوارع. منذ رفع الأحكام العرفية، استمرت الاحتجاجات المطالبة بإزالة يون. وتعكس هذه التصريحات الغضب الشعبي إزاء أفعاله والقلق بشأن مستقبل الديمقراطية في كوريا الجنوبية.

اندلعت الاحتجاجات في تركيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد أن أمرت الحكومة باعتقال أحمد أوزر، رئيس بلدية منطقة إسنيورت في إسطنبول وعضو حزب الشعب الجمهوري المعارض. وتصاعدت حدة المظاهرات بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المعارض السياسي الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان، في 17 مارس/آذار.

وفي صربيا، بدأت الاحتجاجات في نوفمبر/تشرين الثاني ردا على فساد الحكومة بعد انهيار سقف عند مدخل محطة قطار. ولكنها تطورت فيما بعد إلى مظاهرات ضخمة ومستمرة مؤيدة للديمقراطية ضد حكم الرئيس ألكسندر فوسيتش وحزبه التقدمي الصربي.

وفي حالات أخرى، كانت الاحتجاجات ذات دوافع سياسية، ولكنها لم تكن في المقام الأول نتيجة لسلوك مناهض للديمقراطية من جانب الحكومات القائمة، بل كانت نتيجة للإحباط العميق إزاء ضعف استجابة الحكومة للكوارث والافتقار إلى المساءلة الفعالة. وفي البوسنة، أرجأت الحكومة استجابتها للفيضانات المدمرة. وفي اليونان، استمرت الاحتجاجات ضد تقاعس الحكومة في أعقاب حادث القطار المميت. وفي الجبل الأسود، اندلعت موجة من الغضب العام بسبب سوء سلوك السلطات خلال إطلاق النار الجماعي. وفي مقدونيا الشمالية، ساهم الفساد المرتبط بالانتهاكات الأمنية في اندلاع حريق مدمر في ملهى ليلي.

وفي الولايات المتحدة، اندلعت احتجاجات صغيرة ومتوسطة الحجم في عدة مدن ضد بعض الإجراءات المبكرة التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي اعتبرها بعض المواطنين مثيرة للجدل. وشملت هذه القرارات سياسات الهجرة الجديدة ومقترح ترامب بترحيل الفلسطينيين من غزة.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك العديد من الاحتجاجات البارزة دعماً لقادة أو سياسيين متهمين بسلوك مناهض للديمقراطية. وشهدت البرازيل مظاهرات دعما للرئيس السابق جايير بولسونارو، وفي الفلبين دعما للرئيس السابق رودريجو دوتيرتي، وفي كوريا الجنوبية دعما لليون، وفي رومانيا دعما للمرشح الرئاسي اليميني المحظور كالين جيورجيسكو.

ويعتقد بعض المراقبين السياسيين في البلقان أن الاحتجاجات في صربيا سيكون لها آثار معدية على بلدان أخرى في المنطقة. ومع ذلك، يبدو أن الاحتجاجات خارج البلقان كانت ذات دوافع محلية بحتة إلى حد كبير.

ويقول الباحثون إن هذه الزيادة الملحوظة في الاحتجاجات السياسية خلال الأشهر الستة الماضية ترسم صورة مختلطة لحالة الديمقراطية العالمية. ومن ناحية أخرى، تشكل هذه الحركات مؤشرا على أنباء سيئة: إذ يواصل بعض السياسيين المنتخبين اتباع مسار استبدادي يسعى إلى تقويض الحياة الديمقراطية في بلدانهم. ومن ناحية أخرى، تشكل هذه الاحتجاجات تعبيرا واضحا عن تصميم العديد من المواطنين على دعم المعايير الديمقراطية والمطالبة بالمساءلة من الحكومة، بغض النظر عن المخاطر الشخصية الجسيمة التي ينطوي عليها ذلك.

ويخلص الباحثون إلى أن هذه الحركات الشعبية فشلت حتى الآن في وقف الإجراءات الاستبدادية المزعجة. لكن الاحتجاجات في صربيا أدت إلى استقالة رئيس الوزراء، وقد تؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة. وتؤكد هذه التطورات أن السياسيين المنتخبين ذوي الميول الاستبدادية، مهما كانوا مكراً وإصراراً، لا يجدون دائماً سهولة في فرض إرادتهم.


شارك