رفض أبناؤها دفنها ومشيت في جنازتها وحيدا.. سمير فرج يروي قصة أم الشهداء التي أنفقت ثروتها على الأيتام

منذ 3 شهور
رفض أبناؤها دفنها ومشيت في جنازتها وحيدا.. سمير فرج يروي قصة أم الشهداء التي أنفقت ثروتها على الأيتام

روى اللواء سمير فرج محافظ الأقصر ومدير عام الشئون المعنوية الأسبق قصة إنسانية مؤثرة شهدها بنفسه، وهي قصة سيدة ثرية خصصت جزءا كبيرا من ثروتها لتوفير الرعاية لأسر شهداء القوات المسلحة. لكنها واجهت طوال حياتها جحودًا كبيرًا من أبنائها.

خلال لقائه مع الإعلامي أحمد الخطيب في برنامج «كلم ربنا» على راديو 9090، استذكر تفاصيل لقائه مع سيدة ورثت ثروة ضخمة من زوجها، وتسكن في قصر بشارع صلاح سالم بمصر الجديدة. وطلبت منه المرأة أن يساعدها في التواصل مع عائلات الجنود القتلى، وخاصة تقديم الدعم المالي لهم.

وتابع: “أولًا، حضرتُ احتفالات العاشر من رمضان، وتواصلتُ مع عائلات الشهداء، ورعيتُ الآلاف منهم. أنفقت أموالًا لم أرَ مثلها في حياتي، لذلك أطلقوا عليها اسم “أم الشهداء”. بقيتُ على هذا الحال ست سنوات. أنجبت ثلاثة أبناء: ولدان يعملان طبيبين في دبي وأمريكا، وابنة تعيش في الإسكندرية. لكن الثلاثة لا يسألون عنها ولا يرونها!

وأشار إلى أنه لم يكن له أي اتصال بالسيدة منذ نحو عشر سنوات منذ نقله من إدارة الشئون المعنوية وتعيينه محافظا للأقصر. تفاجأ بمكالمة من زوجته تخبره فيها أنها تعيش في دار رعاية المسنين. قالت: “في أحد الأيام سمعتُ نداءها فعرفتُها فورًا. وعندما سألتها عن حالتها، قالت لي: أعيش في دار رعاية”. لقد صدمت! سألتها: كيف؟ أين قصوركم و فللكم و أملاككم؟ قالت لي أن أولادها تخلوا عنها تماما، وأنها لا تعرف عنهم شيئا، وأن أحدا لم يسأل عنها… لذلك انتهى بها الأمر في دار رعاية المسنين.

وكشف عن محاولاته للتواصل مع أبنائها وحثهم على زيارتهم والاهتمام بهم. ولكنه وعد كذبا أن يطلبها. علق قائلاً: “اتضح أنها انعزلت تمامًا عن العالم. حزنتُ، وأخذتُ أرقام أطفالها واتصلتُ بهم، لكنهم جميعًا رفضوا السؤال عنها. كانوا قاسيين لدرجة أنني في كل مرة أتحدث فيها مع أحدهم، كانوا يقولون: حسنًا، سأسأل عنها”. “ولم يتصلوا!”

وأكد أنه يتواصل شخصياً مع الدار ويزورها بين الحين والآخر. وكان أحيانًا يأخذ معه أبناء بعض الشهداء الذين كانوا يرعون هناك، فيدخل بذلك الفرحة والسعادة إلى قلب الدار.

وقال إن الصدمة الأكبر بالنسبة له كانت عندما تلقى اتصالاً من الدار يخبره بوفاتها وأنهم على وشك دفنها في مقبرة الخيرية. فأخبر أطفالها سريعًا، لكن رد فعلهم كان أكثر عنفًا. رفضوا حضور جنازة أمهم، مقدمين أعذارًا واهية: «الابن الأول كان لديه عمل، والثاني كان لديه نفس العذر، والابنة كان لديها لعبة تلعبها، لأنها قالت: «الأحياء خير من الأموات». طلب الابن الأول ببساطة ألا تُدفن في مقبرة الخيرية، وأن تُنشأ مقبرة العائلة في «تراب الغفير».

وأكد أنه تحمل شخصيًا مسؤولية جنازة المرأة وتكريمها: “ذهبتُ إلى دار العجزة لدفنها، وتقديم التعازي، وتكريمها، كما كانت كريمة مع أبناء الشهداء. دفنتها، وفوجئتُ بنفسي وحيدًا في جنازتها. لطالما أزعجتني قصة هذه المرأة، وكشف لي وضع أبنائها عن مدى دناءة حياتها. أبناؤها الذين وهبتهم حياتها وملايينها وثرواتها، ثم ماتت وحيدة… ودُفنت وحيدة!”.

وأكد أنه يزور قبرها ويدعو لها كلما مر بمقبرة صلاح سالم. وتابع: “كنتُ محافظًا للأقصر آنذاك، لكن الله سمح لي بخدمتها وزيرًا ومسؤولًا حكوميًا، حتى تُدفن بشرف في مقابر عائلتها لا في مقابر الجمعيات الخيرية. أراد الله لها أن تموت بشرف لا بإهانة، وهذا شرف لي، فقد كانت امرأة صالحة، كريمة ومحسنة. لذلك، كان من المستحيل ألا يُكرمها الله في موتها”.

وأخيرًا، وصف لحظات جنازتها: “وعندما دفنتها، بكيت وقلت لله: إنها تأتي إليك. أنت الكريم الذي لا يظلم أحد عنده”. بين الحين والآخر، أزور قبر هذه المرأة الجليلة، فأُسلم عليها، وأدعو لها، وأقرأ عليها سورة الفاتحة. عاشت حزنًا وماتت عزيزة.


شارك