د. محمود الهواري: لماذا أخفى الله عنا موعد ليلة القدر وأهم مميزات العشر الأواخر من رمضان- حوار

منذ 1 شهر
د. محمود الهواري: لماذا أخفى الله عنا موعد ليلة القدر وأهم مميزات العشر الأواخر من رمضان- حوار

قال الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد لشؤون الدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث، وعضو المكتب الفني لوكيل الأزهر، وخطيب الجامع الأزهر: “إنني أعتبر العشر الأواخر من رمضان رسالة من الله عز وجل إلى كل غافل لتعويض ما فاته في الأيام الأولى من رمضان”.

وهذا يأتي من محبة الله ولطفه وكرمه. من تأمل واقع البشر وجد أن كثيراً منهم غارق في أنانيته، فيضيع وقته الثمين وأعماله الصالحة فيما لا ينفعه. إن بعض الناس يضيعون هذه الليالي المباركة دون أن يسجلوا أسمائهم في سجل المؤمنين والمقربين.

وأكد الحواري أنه من المناسب للمسلم أن يحيي هذه الليالي المباركة بالعبادة التي تستحقها، فهي فرصة الحياة ونعمة لكل من وفقه الله تعالى. وعلى المؤمن العاقل أن لا يضيع هذه الفرصة الثمينة على نفسه وعلى أهله، فإنه ما من ليالٍ إلا ويحصل فيها الإنسان على نفحة من نفس الله تكون سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة. نص الحوار:

*سماحتكم، نحن الآن في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك. كيف تنظر إلى هذه الأيام العشرة؟

وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً مطيعاً، وكانت هذه الطاعة تزداد في رمضان، وخاصة في العشر الأواخر منه. لأنه يضاعف الأجر. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول عشر ذي الحجة يشد الحزام، ويحيي الليل، ويوقظ أهله.

وفي هذا الحديث دليل على فضل هذه الأيام العشر، كأنه استقبلها استقبالاً خاصاً، حتى إنه أيقظ أهله لينتفعوا بهذا اللطف والشرف.

* ما هي أهم مميزات هذه العشر الأواخر؟

إن وقت هذه الأيام العشر ثمين وخيرها ظاهر وباطن. يكفي أن هناك ليلة مباركة جعلها الله تعالى، وفيها تتقرر الأقدار. يقول الله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة أردنا بها منذرين * فيها يفصل كل أمر}

وصف الله ليلة القدر بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركاتها وفضائلها. ومن بركاته أن هذا القرآن المبارك نزل عليه. وقد وصفها الله تعالى بأنها ليلة يتبين فيها كل أمر حكيم. أي أن جميع أوامر الله المعمول بها في تلك السنة، من الأرزاق والأجل والخير والشر، وغير ذلك من أحكام الله التامة الدقيقة التي لا خطأ فيها ولا نقص ولا حمق ولا زيف، مبينة تفصيلاً للكتبة في اللوح المحفوظ.

ووصفها الله أيضاً بأنها خير من ألف شهر، أي خير من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. إن الخير هنا يشير إلى الزمن نفسه وإلى العمل خلال ذلك الزمن.

*سماحتكم هل يمكنكم أن تحدثونا أكثر عن ليلة القدر وفوائدها؟

أغلب الناس يحفظون سورة القدر عن ظهر قلب. يقول الله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ويتنزل الروح فيها بإذن ربه من كل أمر وسلام فيها حتى مطلع الفجر}.

معنى ليلة القدر هي ليلة الشرف والتعظيم لمن تقرب إلى الله بالعبادة.

أو هي ليلة القدر، أي أنها تحتوي على القدر والحساب. الله يقرر ما سيحدث.

أو هي ليلة القدر، ليلة القدر العظيم. فإن ثواب العبادة فيه خير من ألف شهر من الفضيلة والشرف وكثرة الثواب والجزاء. فمن فعل ذلك إيماناً ورجاءً غفر له ما تقدم من خطاياه.

والحقيقة أن من يتأمل هذه السورة الكريمة يجد أن ليلة القدر لها فضائل كثيرة، من أهمها:

الفضيلة الأولى: أنزل الله فيه القرآن الذي فيه الهداية والسعادة للبشرية في الدنيا والآخرة.

الفضيلة الثانية: ما يدل عليه سؤال التسبيح والتكبير في قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي مَا لَيْلَةُ الْفَصْلِ} فإنها ليلة عظيمة عند الله.

الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر من الأجر والثواب والعطاء.

الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تنزل فيه، ولا تنزل إلا بالخير والبركات والرحمة.

الفضيلة الخامسة: أن فيه سلامة من العذاب والعذاب لمن قعده لله تعالى.

الفضيلة السادسة: أنزل الله سورة كاملة في فضلها، تتلى إلى يوم القيامة.

الفضيلة السابعة : أنها ليلة مباركة .

الفضيلة الثامنة: أن من عملها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

الفضيلة التاسعة: من أدركها وسعى في نيل مرضاة الله فقد أدرك الخير كله، ومن حرمه فقد حرم الخير كله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».

* هل يجوز أداء صلاة الليل في ليلة معينة من هذه العشر؟ بمعنى آخر: هل هناك وقت محدد؟

ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان». وهذا حديث مقبول على نطاق واسع.

وهي في الليالي الوترية أقرب منها في الشفعية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان». رواه البخاري.

وهو أقرب إلى السبع الأواخر، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في السبع الأواخر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن تحريها فليتحرها في السبع الأواخر). متفق.

روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبنه السبع».

ولكن يجب أن نعلم أن ليلة القدر لا تقتصر على ليلة معينة في كل السنوات، بل تتبدل بحيث تكون في سنة مثلا ليلة السابع والعشرين، وفي سنة أخرى ليلة الخامس والعشرين، حسب مشيئة الله وحكمته. ويدل على ذلك قوله تعالى: (التمسوها في تاسع ليلة تبقى، أو في سابع ليلة تبقى، أو في خامس ليلة تبقى) رواه البخاري. وقد أكد العلماء ذلك وعبروا عنه بوضوح. ومن ذلك ما قاله ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه القيم “فتح الباري”: “والراجح أنها في ليلة وتر من العشر الأواخر وأنها متحركة”.

والعبد العاقل هو الذي يسعى إليها في كل عشرة أيام ولا يحرم نفسه منها حتى يكون له منزلة عند سيده.

* ولكن إذا كانت ليلة القدر لها كل هذه الأهمية والخطورة فلماذا أخفى الله عنا موعدها؟

ومن رحمة الله تعالى أن أخفى علمه عن عباده ليجتهدوا في طلبه في هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء، فيزدادون قرباً من الله وأجراً.

ومن ناحية أخرى، أخفى ذلك أيضًا ليكون اختبارًا لهم، ليُظهر من هو الجاد والمهتم ومن هو الكسول والمهمل. فمن كان متحمساً لشيء فإنه يسعى إليه بجد، ويكون السعي للحصول عليه والوصول إليه سهلاً عليه.

ومن الأمور المهمة جداً أن العداء بين الناس هو سبب لعدم وجود اللطف. والدليل على ذلك أن الله أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموعد ليلة القدر، ثم خرج يخبر أصحابه بالموعد فوجد رجلين يتخاصمان، فنساه. فكان العداء أحد أسباب هذا الحرمان. ومن أهم الواجبات أن نعلم أن العداوة والبغضاء سبب للشر على جميع المستويات.

* نعم، ولكن هل لهذه العشر الأواخر فائدة أخرى غير وجود ليلة القدر؟

نعم من السنن التي كادت أن تنسى سنة الاعتكاف.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف هناك ويقيم في المسجد ليتفرغ لطاعة الله تعالى. وهذا من السنن الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله. إن المكث في المساجد التي هي البيوت الطاهرة من أسباب الراحة ودفع البلاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسجد بيت كل تقي».

ومن خلال عزلة الإنسان وانفراده، تنشأ علاقة حميمة مع الله من جهة، ومن جهة أخرى، يدرك الإنسان أخطائه وزلاته ويعمل على تصحيحها.

اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم، واعتكف أصحابه معه وبعده. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل».

وينبغي للإنسان المعتزل أن يكثر من الذكر والقراءة والصلاة والعبادة والاستغفار والتوبة، ويتجنب الحديث عن أمور الدنيا التي لا تعنيه.

*هل هناك أي نصيحة أخرى ترغب في تقديمها للقراء؟

نعم، هذه الأيام العشرة تحمل فوائد كثيرة تعود بالنفع على المجتمع بأكمله. ومن ذلك أن الله فرض زكاة الفطر، وهي تطهر العبد من كل ذنوب ارتكبها. ومن ناحية أخرى فهو حق الفقراء والمساكين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين.

من كرم خلق الله كرمه الله.

* هل يمكنك أن تعطينا بعض النصائح العملية خلال الأيام العشرة الماضية؟

أولاً، لا ينبغي لك إهمال الصلاة. وقد فرضت الصلاة على المؤمنين في أوقات محددة. لذا حاول أن تصليها في بداية الوقت في الكنيسة. هذه وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: القرآن، وهو من فضائل شهر رمضان «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن». فاجعلوا في العشر الأواخر دعاء خاصا.

ثالثا: الصدقة. قم بالتبرع للجمعيات الخيرية كل يوم، حتى لو كان المبلغ صغيرًا. ربما تتاح لك الفرصة لقضاء ليلة القدر، فتقبل هذه الفرصة.

رابعاً: الحفاظ على الروابط العائلية بما في ذلك عن طريق الهاتف.

خامساً، ابتسم أكثر لأن ابتسامتك في وجه أخيك هي صدقة وهي عمل بسيط وغير مكلف.

سادساً، طهر قلبك من الأفكار الشريرة عن خلق الله وعامل الناس ببراءة.

سابعاً: طهر لسانك من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان.

ثامناً: غسل البصر من الخيانة ومن رؤية المحرمات.

تاسعاً: اجتهد في عملك لتكفير ما فاتك من تقصير، ولا تجعل صيامك سبباً في الإضرار بمصالح الآخرين.

عاشراً: اجتهد في الدعاء بالخير لنفسك، ولأهلك، ولوطنك.

لكن حاسب نفسك دائمًا أمام الله على أعمالك الصالحة، حتى تخرج من رمضان بالأعمال التي تسعدك يوم القيامة.

* بماذا تحب أن تختتم؟

وفي الختام، أود أن أدعو الله أن ينعم الوطن بالأمن والأمان والسلام، وأن نخرج من رمضان بكل خير ورضا وقبول وعتق من النار.

يرى:

فتاوى الأزهر توضح جدل زكاة الفطر، وتطرح أسئلة حول الجن والشياطين، وتتحدث عن خمس عبادات للنساء في العشر الأواخر من رمضان.

اقرأ أيضاً:

يعلن مركز الأزهر للفتوى عن أفضل وقت لصلاة التهجد، حيث تتنزل فيه البركات الإلهية.

مركز الأزهر للفتوى يوضح خلاف زكاة الفطر: الأصل أنها تخرج طعاماً، أما قيمتها فتجوز.


شارك