خام برنت يُغلق على مكاسب قوية رغم ضعف توقعات الطلب

أغلق خام برنت تعاملات الأسبوع الماضي على مكاسب قوية حيث قفز في وقت سابق إلى أعلى مستوياته منذ يناير 2023 على حدود المستوى 88$ للبرميل.

وعوض الخام القياسي خسائر الخميس بعد أن فضل المستثمرون على ما يبدو جني أرباح الارتفاعات الأخيرة وإعادة التموضع بعد سلسلة من البيانات الاقتصادية الهامة، والتي تتطلب الموازنة بين التوقعات الإيجابية التي يخلقها تضاءل فرص رفع الفائدة الأمريكية، وعلى الجانب الآخر المخاوف بشأن الركود الاقتصادي.

وحققت خام برنت مكاسب قوية منذ بداية يوليو مدعومًا بالخطوات الجادة التي تقودها السعودية لموازنة العرض والطلب خصوصًا بعد تهاوي السعر خلال شهري مايو ويونيو الماضيين إلى حدود المستوى 70$ للبرميل.

وأعلنت السعودية عن خفض طوعي لإنتاجها النفطي بنحو مليون برميل يوميًا، ثم مددت العمل به مرتين في أغسطس وسبتمبر، مع ترك الباب مفتوحًا لتمديدات إضافية. وبهذا يكون إنتاج المملكة خلال شهر أغسطس قرابة 9 ملايين برميل يومياً.  ويأتي هذا الانخفاض كإجراء إضافي بجانب تخفيض الإنتاج الذي تم الإعلان عنه بشكل طوعي من قبل المملكة في أبريل، والذي سيستمر حتى نهاية ديسمبر 2024.

وانضمت روسيا إلى الرياض في ذات السياق، حيث تنوي تخفيض صادراتها بنصف مليون برميل في الشهر الحالي ثم 300 ألف برميل في سبتمبر. الجدير بالذكر أن هذه التخفيضات الطوعية تُضاف إلى التخفيضات التي أعلنتها الدول الأعضاء المنضوية تحت تحالف أوبك+، والذي يضم دول منظمة أوبك وكبار المنتجين من خارج الكارتل النفطي.

برغم ذلك، لا يزال بعض المحللين متشككين بشأن مقدار الانخفاض الفعلي في المعروض العالمي نتيجة هذه الإجراءات، حيث يقابل الخفض الطوعي من جانب السعودية وروسيا زيادة دول أخرى مثل ليبيا وفنزويلا إنتاجها. ويشير محللون، إلى أن استقطاعات الإنتاج بشكل عام لا تزال أقل من الحصص المقررة، وهي إشارة سلبية قد تعيد إلى الأذهان ذكريات حرب الأسعار حين تتنازع الدول المنتجة على حصصها في السوق العالمية.

وكان من المفترض أن تلقى أسعار النفط مزيدًا من الدعم بعد أن أظهرت البيانات الاقتصادية استقرار معدلات التضخم في الولايات المتحدة، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين زيادة سنوية بنسبة 3.2% في يوليو. وبرغم أن هذه القراءة جاءت أعلى من نظيرتها في يونيو، والتي بلغت 3%، وكانت أقل زيادة سنوية منذ مارس 2021، إلا أنها لا تزال إيجابية للغاية إذا ما قورنت بذروة التضخم في يونيو 2022 عند 9.1%. كما تراجعت قراءة المؤشر بقيمته الأساسية، والتي تستبعد البنود المتقلبة مثل الغذاء والطاقة، إلى 4.7%، وهي أقل زيادة منذ أكتوبر 2021، كما تمثل تحسنًا طفيفًا مقارنةً مع 4.8% في يونيو.

وتعطي هذه الأرقام في مجملها انطباعًا بنجاح الاحتياطي الفيدرالي في مهمة كبح جماح الضغوط التضخمية، وهو ما تترجمه الأسواق عادةً في تقليص الرهانات على إجراء رفع إضافي لسعر الفائدة قبل نهاية العام. هذا السيناريو إيجابي للغاية بالنسبة لخام برنت، حيث أن عودة الأولوية إلى اعتبارات النمو، وتهيئة الظروف المواتية لذلك من خلال التيسير المرتقب في السياسة النقدية، يدعم بالضرورة من توقعات الطلب على النفط، ومن ثم الأسعار.

ولكن قبل أن نترك هذه النقطة، دعنا نشير إلى أن سيناريو إيقاف دورة رفع الفائدة ليس قطعيًا في ظل بقاء مؤشر التضخم الأساسي بعيدًا عن المستوى المستهدف للاحتياطي الفيديرالي، والبالغ 2%. أيضًا فإن تزايد الإشارات الانكماشية يعني أن الاقتصاد الأكبر عالميًا لا زال يواجه مخاطر الركود، والتي يعتقد كثير من المحللين أنه لا محالة من مواجهتها في النصف الأول من العام 2024.

هناك أيضًا مخاوف بشأن بدء ظهور التأثير السلبي لأسعار الفائدة المرتفعة وتشديد شروط الائتمان على الاقتصاد الحقيقي، خصوصًا في القطاع العقاري حين تبدأ البنوك في إعادة تسعير أسعار الفائدة على القروض السكنية، والتي من المفترض أن تقفز بشكل كبير. 

في هذه الأثناء، لا تزال الضغوط الرئيسية التي يواجهها خام برنت قادمة من آسيا، وتحديدًا من أكبر مستورد للنفط في العالم، الصين. بحسب البيانات التي صدرت الأسبوع الماضي، انخفضت واردات النفط الصينية بنسبة 19% في يوليو مقارنةً بالشهر السابق، مسجلةً أدنى معدل يومي منذ يناير، حتى برغم أنها لا تزال مرتفعة بنسبة 17% على أساس سنوي. وجاء انخفاض واردات النفط انعكاسًا لانكماش الواردات الصينية بشكل عام بنسبة 12.4% في يوليو، مقارنةً بالتوقعات التي رجحت انخفاضًا لا يزيد عن 5%. كما تهاوت الصادرات بنحو 15% وهي إشارة سلبية للغاية على جدية الطلب الخارجي والرهان عليه لإخراج الاقتصاد الصيني من كبوته.

بشكل عام، لا تزال التوقعات ضبابية بالنسبة لسعر خام برنت في المدى المتوسط وسط تباين ملحوظ في تقديرات النمو الاقتصادي وفعالية جهود خفض الإنتاج. ولكن لا تخطئ العين تحسن توقعات معظم بنوك الاستثمار لاتجاهات أسواق النفط بدعم من الارتفاعات الأخيرة، حيث ترى معظمها أن سعر خام برنت سيتراوح داخل النطاق 85-90$ للبرميل على الأقل خلال الشهور القادمة. 

وعلى أية حال، يبدو أن المسار الذي سيسلكه الاقتصاد الصيني سيكون حاسمًا في تحديد الاتجاهات الرئيسية للنفط وأسواق الطاقة عمومًا خلال الربع الأخير من العام الحالي. على النقيض من ذلك، تبدو التوقعات الاقتصادية أكثر استقرارًا في الولايات المتحدة وأوروبا رغم المصاعب التي تواجهها.

زر الذهاب إلى الأعلى