الجزائر والولايات المتحدة.. عهد جديد نحو شراكة استراتيجية

وقال خبيران جزائريان لوكالة الأناضول للأنباء: ويأتي تطوير العلاقات انسجاما مع رغبة الجزائر المعلنة في تنويع شركائها على كافة المستويات. وتؤكد زيارة مستشار ترامب للجزائر الديناميكية والفعالية المتزايدة في العلاقات بين البلدين، وتعبر عن التقدير الأمريكي الواضح لدور الجزائر في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. إن براجماتية الإدارة الأمريكية الحالية في عهد ترامب والمنظور الجديد للجزائر يعززان الاعتقاد بأن البلدين يتجهان نحو شراكة جديدة. هناك استجابة أميركية لجهود الجزائر في تنويع شراكاتها الاقتصادية والتحول الاقتصادي، كما يتضح من زيارة مستشار ترامب.
وشهدت العلاقات الثنائية بين الجزائر والولايات المتحدة ارتفاعا ملحوظا في الاتصالات والزيارات رفيعة المستوى بين البلدين منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقد عزز هذا الزخم، إلى جانب التصريحات الإيجابية التي أكد فيها الجانبان التزامهما بتعزيز التعاون في الدفاع والأمن الإقليمي، وكذلك الاقتصاد والتجارة، التوقعات بأن العلاقات بين واشنطن والجزائر ستتطور “نحو شراكة استراتيجية” في العديد من المجالات، بحسب خبيرين تحدثا لوكالة الأناضول.
وقد تعززت هذه التوقعات بقوة بنتائج الزيارة التي قام بها مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، إلى الجزائر يوم الأحد، واستمرت يومين. وقد رسمت الزيارة، وفقًا للخبيرين، “معالم الشراكة المستقبلية القائمة على رؤية جديدة”.
واستند استنتاج الخبيرين أيضًا إلى التصريح الختامي لبول خلال زيارته للجزائر، والذي قال فيه: “لقد جئت إلى الجزائر بحماس وسأغادر بإعجاب أكبر، خاصة للتعاون بين بلدينا”.
وقال مستشار الرئيس الأمريكي لدى وصوله إلى الجزائر أيضا إنه “جاء إلى هذا البلد العربي نيابة عن الرئيس ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو”، وأعرب عن ارتياحه لسير الزيارة.
وقال في سلسلة تغريدات على حسابه الرسمي على تويتر، إنه سعيد بلقاء “وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، والرئيس تبون آنذاك، ووزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب”.
أكد التزام بلاده الراسخ بالتعاون مع الجزائر في مجالات التنمية الاقتصادية، والتجارة العادلة، وإدارة الحدود، ومكافحة الإرهاب، والأمن والاستقرار الإقليمي. وأعرب عن تفاؤله بمستقبل التعاون والاستثمارات في قطاعات الطاقة، والطاقة المتجددة، والتعدين.
وبعد يوم واحد من مغادرة بول الجزائر، أعلنت السفارة الأميركية عن “فصل جديد في التعاون الزراعي بين البلدين”، وهو جزء من مشروع “أرضنا” الزراعي بقيمة 3.5 مليار دولار بين الجزائر وقطر.
مشروع “بلدنا” هو مشروع مشترك ضخم بين الجزائر وقطر لإنتاج مسحوق الحليب المجفف ومنتجات الألبان واللحوم. وقد بدأ العمل على مساحة شاسعة تبلغ حوالي 218 ألف هكتار في عدة ولايات جنوب الجزائر.
** أنشطة دبلوماسية مكثفة
بالنظر إلى الماضي، يتضح جليًا أن التواصل بين البلدين قد ازداد منذ انتخاب ترامب قبل نحو تسعة أشهر. في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعث الرئيس الجزائري إليه برسالة تهنئة أعرب فيها عن عزمه “العمل على توسيع علاقاتنا الثنائية خدمةً لمصالحنا المشتركة”.
بدوره، بعث ترامب رسالة تهنئة إلى نظيره الجزائري في 5 يوليو/تموز بمناسبة ذكرى استقلال الجزائر (1962)، وخلص إلى القول: “إن تعاوننا اليوم في مرحلة نبني فيها مستقبلا أكثر أمنا وازدهارا للأميركيين والجزائريين على حد سواء”.
بين المكالمتين الهاتفيتين، حافظ البلدان على تواصلٍ ملحوظ. ففي يناير، استضافت الجزائر القائد السابق للقيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال مايكل لانغلي. وتُوّجت الزيارة بتوقيع مذكرة وُصفت بأنها “مهمة” للتعاون العسكري بين البلدين.
** أساس واضح لعلاقة قوية
يكشف استعراض تحليلي للتصريحات الأخيرة للسياسيين الجزائريين والأمريكيين عن سعي الولايات المتحدة الدؤوب لرسم معالم شراكة جديدة، قائمة على رؤية واضحة، وتقليص الافتراضات السابقة التي ربطت الجزائر بمحور محدد في العلاقات الدولية. ومع ذلك، تُصرّ الجزائر على أن تكون صديقة للجميع، وهذا لا يمنعها من الدخول في شراكات استراتيجية مع أي شريك.
في الوقت الذي ينصح فيه المسؤولون الأمريكيون بلادهم بـ”تعزيز” العلاقات مع الجزائر من أجل “الحد” من النفوذ الروسي في شمال إفريقيا، وخاصة في الجزائر باعتبارها شريكا استراتيجيا تاريخيا لموسكو، يصر الجانب الجزائري على موقفه كدولة ملتزمة بمبدأ “عدم الانحياز”.
ودعا الجنرال داغفين أندرسون، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا ومرشح ترامب لقيادة أفريكوم، إدارته إلى العمل بشكل أوثق مع الجزائر.
وقال في جلسة استماع بالكونجرس الأسبوع الماضي: “يجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى فطام الجزائر عن اعتمادها التاريخي على روسيا، من خلال بناء شراكة عسكرية واستراتيجية قوية”.
لكن الجانب الجزائري، بقيادة الرئيس تبون، أكد في آخر مقابلة له مع وسائل الإعلام المحلية قبل أسبوعين، أن “عدم الانحياز يجري في دم الجزائر”.
وأعلن عزم بلاده على الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين وروسيا، قائلاً: “لن نكون أعداء لأحد، بل أصدقاء للجميع”.
وأكد تبون أن الجزائر لن تربط علاقاتها الخارجية بدولة واحدة أو معسكر دولي واحد. وأكد تبون أيضا أن أي جزائري “لا ينسى الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للجزائر خلال الثورة التحريرية (1954-1962) وتقديم واشنطن ملف الجزائر للأمم المتحدة”.
وأوضح أن الولايات المتحدة كانت من أوائل الدول التي ساعدت الجزائر في الحصول على استقلالها عام 1962.
وأشار الرئيس الجزائري إلى أنه ينبغي التعامل مع الجزائر كشريك موثوق به يتمتع بمبادئ واضحة في السياسة الخارجية، ولا ينبغي ربطه بمحاور دولية محددة.
ويشير هذا إلى أن الجزائر تتطلع إلى شراكة مفيدة للطرفين مع الولايات المتحدة بدلاً من اعتبارها فرصة لتقويض العلاقات الجزائرية الروسية.
** مرحلة جديدة
وفي هذا السياق، أكد الخبير في العلاقات الدولية علي ربيع أن العلاقات الجزائرية الأمريكية “تتجه نحو مرحلة جديدة من التعاون”.
وقال لوكالة أنباء الأناضول: “لطالما اقتصرت العلاقات على التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب وقطاع الطاقة. وحتى في هذا المجال، اكتسبت زخمًا جديدًا بعد توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون العسكري في وقت سابق من هذا العام”.
وأضاف أن تطوير العلاقات “يتماشى مع رغبة الجزائر المعلنة” في تنويع عدد الشركاء على كافة المستويات.
وأشار المتحدث إلى أن زيارة مستشار ترامب للجزائر تؤكد “ديناميكية وفعالية أكبر في العلاقات بين البلدين وتعبر عن تقدير الأميركيين الواضح لدور الجزائر في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل (التي تشهد حاليا أزمات سياسية وأمنية زادت من نشاط الجماعات الإرهابية)”.
وأعرب ربيع عن قناعته بأن التعاون الجزائري الأمريكي على المستوى الاستراتيجي من شأنه أن يوفر أدوات جديدة لحل الأزمات والتوترات في المنطقة، خاصة بعد أن أكد الجانبان على أهمية “السلام الإقليمي”.
مجالات الشراكة
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف أن “براغماتية الإدارة الأمريكية الحالية في عهد ترامب والآفاق الجديدة للجزائر تعزز الاعتقاد بأن البلدين على طريق شراكة جديدة”.
قال هادف لوكالة أنباء الأناضول: “هناك استجابة أمريكية لجهود الجزائر لتنويع شراكاتها الاقتصادية وتحقيق تحول اقتصادي”. ويتجلى هذا أيضًا في زيارة مستشار ترامب.
وأشار إلى أن التعاون الاقتصادي بين البلدين كان يقتصر لفترة طويلة على الوقود الأحفوري، “لكنه يتوسع الآن إلى مجالات جديدة مثل الطاقة المتجددة والتعدين، خاصة وأن الجزائر تمتلك ما يسمى بالمعادن النادرة (عناصر أرضية تستخدم في ما لا يقل عن 200 نوع من الصناعات الحديثة)”.
وأوضح هادف أن التواجد الأمريكي في القطاعات التي تعتبرها الجزائر ذات أولوية لتنويع اقتصادها، مثل الزراعة والتصنيع والأدوية واقتصاد المعرفة، يجذب اهتماما متزايدا.
وأشار إلى أن الرسوم الجمركية البالغة 30 بالمائة التي تعتزم الإدارة الأمريكية فرضها على الجزائر ابتداء من أغسطس/آب من العام المقبل، يمكن أن تمثل فرصة لتوسيع التعاون التجاري، بالنظر إلى الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال زيارة مستشار الرئيس الأمريكي.
ولا تعد الولايات المتحدة وجهة رئيسية للتجارة الخارجية للجزائر، لكن البلدين أكدا مؤخرا رغبتهما في فتح تدفق السلع في كلا الاتجاهين والاستفادة من فرص التجارة والاستثمار القائمة.
بشكل عام، تكتسب العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة أهمية تاريخية. تُعتبر واشنطن من أهم الدول التي ساندت الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وافتتحت أول سفارة لها في الجزائر بعد استقلال الجزائر عام ١٩٦٢.
لم تشهد هذه العلاقات زخمًا دبلوماسيًا يُذكر خلال ولاية ترامب الأولى (2016-2020)، لا سيما منذ اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو ما يتناقض مع دعم الجزائر لجبهة البوليساريو. كما ظلت العلاقات راكدة خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، التي استمرت حتى مطلع العام الجاري.
في عام ٢٠٠٧، اقترح المغرب حكمًا ذاتيًا واسعًا لمنطقة الصحراء تحت سيادته، بينما دعت جبهة البوليساريو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير. ويحظى هذا الاقتراح بدعم الجزائر، التي تستضيف لاجئين من المنطقة.