من ساقية الصاوي إلى المنارة.. كيف استقبلت القاهرة حفلات زياد الرحباني؟

توفي الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني، نجل الأسطورة فيروز، عن عمر ناهز 69 عاماً بعد مسيرة فنية حافلة ترك فيها بصمة خالدة على الموسيقى والمسرح العربي، كما كان استمراراً لحركة التجديد التي بدأتها عائلته في أربعينيات القرن الماضي.
أعرب الرئيس اللبناني جوزف عون عن تعازيه للسيدة فيروز وعائلة الرحباني بفقدان فنانتهم الحبيبة التي وصفها بالرائعة.
امتلك رؤية فنية فريدة من خلال مسرحه الهادف وموسيقاه التي تألقت بإبداع لا حدود له بين الموسيقى الكلاسيكية والجاز والشرقية. كما فتح آفاقًا جديدة للتعبير الثقافي اللبناني، فبلغ العالمية وصقلها بإبداع. ستبقى أعماله المتميزة العديدة حية في ذاكرة اللبنانيين والعرب، ملهمةً أجيال المستقبل، ومذكرةً إياهم بأن الفن يمكن أن يكون مقاومةً والكلمة موقفًا.
كانت مصر عزيزة على قلب زياد الرحباني، وقد عبّر عن ذلك في مناسبات عديدة. ففي لقاء مع منى الشاذلي في برنامج “جملة مفيدة”، وصف مصر بأنها بلد “بنكهة مصرية”.
كشف الرحباني عن سبب إعادة إنتاجه لأغنية سيد درويش “أهو ده اللي صار”، التي قدمتها فيروز لأول مرة في القاهرة عام ١٩٨٩. وكشف أنه بادر بتوزيع الأغنية لحفل فيروز الأخير في القاهرة عام ١٩٨٩، كهدية للجمهور المصري الذي التقت به مجددًا بعد انقطاع. وقال: “ظروف الحرب الأهلية منعتني من مرافقة الفرقة آنذاك”.
وفي لقاء تلفزيوني آخر مع الإعلامي يسري فودة على قناة أون تي في في مارس/آذار 2013، أضاف الرحباني أن من بين الأغاني التي أثرت فيه أغنية “الآن عندي بندقية” لنجمة الشرق أم كلثوم، وكذلك الأناشيد التي كانت تذاع في الإذاعة المصرية خلال النكسات التي أعقبت العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية عام 1967.
لطالما برز اسم زياد الرحباني في الوعي الثقافي المصري من خلال تسجيلاته المسرحية وألحانه الساخرة والاحتجاجية. إلا أن لقاءه المباشر بالجمهور المصري تأجل إلى السنوات الأخيرة، حيث قدم خلال تلك الفترة سلسلة من الحفلات، نستعرضها في التقرير التالي:
*على ضفاف النيل… أول لقاء مع الجمهور المصري
في مارس 2010، أحيا زياد الرحباني حفلته الأولى في مصر في قاعة النهر بساقية الصاوي لافتتاح الدورة الثانية من مهرجان القاهرة للجاز.
بحسب رويترز، قدّم حفل الرحباني، الذي حضره أكثر من ألفي شخص واستمر قرابة ساعتين، العديد من أعماله الشهيرة، من موسيقى الجاز الأصيلة إلى الأغاني المستوحاة من الجاز، والتي قدّمها هاني عادل والمغنية السورية منال سمعان. ورغم غياب فيروز، إلا أنها كانت حاضرة في الحفل، حيث قدّمت العديد من أغانيه الرائعة، مما أسعد الجمهور.
*زيارة جديدة بعد 3 سنوات
وبعد ثلاث سنوات من هذا الحفل، عاد الرحباني إلى القاهرة لحضور حفل ختام مهرجان القاهرة الدولي الخامس للجاز.
كان من المقرر أن يُقام الحفل الساعة التاسعة والنصف صباحًا على المسرح الرئيسي بحديقة الأزهر بالقاهرة، إلا أن زياد وصل متأخرًا أكثر من ساعة. ورغم ذلك، ردد الجمهور اسمه مرارًا، وبمجرد صعوده على المسرح، أعرب عن سعادته بوجوده بين الجمهور المصري.
*العودة إلى المنزل بعد رحلة طويلة
احتفل الموسيقار اللبناني زياد الرحباني بعودته الميمونة إلى مصر بعد غياب دام خمس سنوات، وذلك في مركز المنارة بالقاهرة الجديدة. أقيم الحفل في أمسية استثنائية يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بحضور نخبة من نجوم الفن والإعلام، وعشاق الموسيقى من مختلف الجنسيات العربية.
وانضمت أسماء بارزة إلى الجمهور، من بينهم شيرين عبد الوهاب، حسام حبيب، كارول سماحة، لطيفة، درة، غادة رجب، هايدي موسى، نهال نبيل، والشاعر بهاء الدين محمد، في مشهد بدا أقرب إلى احتفال جماعي بفنان طال انتظاره.
ما إن اعتلى زياد المسرح، برفقة أوركسترا ضخمة من 50 عازفًا ومغنيًا بقيادة المايسترو جورج كلطة، حتى ضجت القاعة بالتصفيق والهتاف. افتتح الحفل بمقطوعة “شو هالأيام” الشهيرة، قبل أن ينتقل إلى أشهر مؤلفاته وأغانيه التي رسخت في وجدان الجماهير العربية لعقود، ومنها: “قلتلي حبيبك”، “أنا عم عم فكر أبا أنا وياك”، “بصراحة”، “ولعت كتير”، “بطلقك يا حبيبي الروح”، و”حبيبتك تنسيت النوم”.
استمر الحفل ثلاث ساعات كاملة، تخللتها استراحة قصيرة، وتميز بدفء فني وامتنان متبادل. وفي كلمة مقتضبة من على المسرح، أعرب زياد عن سعادته الغامرة بالعودة إلى القاهرة، قائلاً إن العزف أمام الجمهور هناك كان بمثابة “عودة إلى الوطن بعد رحلة طويلة”.