دراسة علمية تحسم الجدل بشأن قدرة المخ البشري على تكوين خلايا عصبية جديدة

منذ 6 ساعات
دراسة علمية تحسم الجدل بشأن قدرة المخ البشري على تكوين خلايا عصبية جديدة

على مدى ما يقرب من ستين عامًا، ناقش العلماء وعلماء الأعصاب سؤالًا جوهريًا ومحوريًا: هل يستطيع الدماغ البشري إنتاج خلايا عصبية جديدة؟ ويصدق هذا بشكل خاص لأن الأدلة العلمية تشير إلى أن هذه العملية الحيوية تحدث بالفعل في بعض أنواع الحيوانات أثناء مرحلة النضج.

في حين أن جميع الأدلة على نفس العملية في الدماغ البشري لا تزال تحتوي على أدلة ظرفية وعدم يقين، استخدم فريق بحث سويدي تقنية علمية جديدة لاكتشاف الخلايا العصبية المتكونة حديثًا في أدمغة البالغين حتى سن 78 عامًا. وللمرة الأولى، تمكنوا أيضًا من تحديد خلايا الدماغ التي تنتج هذه الخلايا العصبية الجديدة.

وتقدم نتائج هذه الدراسة، التي نشرت في مجلة ساينس، أول دليل على أن “الخلايا السلفية”، وهي نوع من الخلايا التي يمكنها أن تتمايز إلى أنواع مختلفة من الخلايا في جسم الإنسان، موجودة بالفعل في الدماغ ويمكن أن تتحول إلى خلايا عصبية.

يقول الباحث جيرد كامبرمان، عالم الأعصاب بجامعة دريسدن: “لدينا الآن دليل واضح على أن الخلايا السلفية في الدماغ البشري تتحول إلى خلايا عصبية”. من المعروف أن الخلايا العصبية في دماغ الجنين تنمو إلى 100 مليار خلية خلال فترة الحمل وحتى الولادة، ويستمر عددها في الانخفاض حتى وفاة الطفل.

أظهرت دراسة أُجريت عام ١٩٦٢ أن الخلايا العصبية استمرت في التكون في أدمغة الفئران حتى بعد بلوغها مرحلة النضج. كما رصدت دراسات أخرى خلايا عصبية فتية في أدمغة البشر البالغين. مع ذلك، لم يكن واضحًا آنذاك ما إذا كانت هذه الخلايا “غير الناضجة” خلايا حديثة التكوين، أم أن البشر يولدون بمجموعة غير ناضجة من الخلايا العصبية في أدمغتهم، وأن هذه الخلايا تنمو وتتطور مع التقدم في السن.

أثبتت هذه الدراسات أمرًا واحدًا: عندما تتشكل الخلايا العصبية في دماغ الإنسان خلال مرحلة البلوغ، لا بد أن منشأها هو الحُصين، وهو منطقة دماغية عميقة تلعب دورًا رئيسيًا في الذاكرة وتخزين المعلومات. مع ذلك، لم يتمكن أطباء الأعصاب حتى وقت قريب من تحديد الخلايا السلفية القادرة على الانقسام والتطور إلى خلايا عصبية جديدة في الدماغ.

تمكنت مارتا بوتيرليني، أخصائية الأعصاب في معهد كارولينسكا في السويد، وفريقها البحثي من اكتشاف كيفية تشكل الخلايا العصبية الجديدة في أدمغة البالغين.

استخدم باتيرليني تقنية علمية جديدة لفحص الخلايا العصبية غير الناضجة والخلايا السلفية في الحُصين لدى ستة أطفال توفوا في طفولتهم، وتبرعوا بأدمغتهم لأغراض البحث العلمي. أجرى الباحثون تسلسل الحمض النووي الريبوزي (RNA) لأكثر من 100,000 خلية دماغية. وباستخدام هذه التقنية، تمكنوا من تحديد العلامات التي تُحدد المراحل العمرية لخلايا الدماغ.

وقال باتيرليني لموقع الأبحاث العلمية “ساينتفك أميركان”: “لا يوجد مؤشر واحد يشير إلى نشاط التولد العصبي، بل هناك مجموعة من المؤشرات”.

وبعد تحديد هذه العلامات في أدمغة الأطفال، بحث الفريق عن علامات مماثلة في أدمغة 19 جثة لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 13 و78 عاما. واكتشفوا أن جميع هذه الأدمغة، باستثناء واحد، تحتوي على خلايا عصبية غير ناضجة.

ووجد الباحثون أيضًا خلايا عصبية سابقة في أدمغة الأطفال الستة والجثث الـ19.

وجد الباحثون أعدادًا كبيرة من الخلايا العصبية السلفية والخلايا غير الناضجة في أدمغة شخصين بالغين متوفين. كان أصغرهما يعاني من الصرع، وهي حالة يُحتمل ارتباطها بزيادة تكوين الخلايا العصبية في الدماغ. وقد أظهر العلماء أن زيادة تكوين الخلايا العصبية في أدمغة الفئران ترتبط بالنوبات؛ إلا أن هذه الصلة لا تزال غير واضحة لدى البشر.

ويعتقد فريق البحث أن عملية تكوين الخلايا العصبية قد تحدث في أجزاء أخرى من الدماغ البشري إلى جانب الحُصين، وذلك بعد أن أثبت العلماء حدوثها بشكل منتظم في منطقة البصلة الشمية في أدمغة الفئران.

تشير بعض الأبحاث إلى أن ضعف تكوين الخلايا العصبية في أدمغة الفئران يرتبط بأمراض مثل الزهايمر والاكتئاب. صرّح أونوت دوميترو، عالم الأعصاب في معهد كارولينسكا، لمجلة “ساينتفك أمريكان” بأن فهم تكوين الخلايا العصبية لدى البشر قد يمهد الطريق لعلاج مجموعة من الأمراض والاضطرابات.

يعتقد الباحث كامبرمان من جامعة دريسدن أنه إذا تمكن العلماء من كشف لغز تكوّن الخلايا العصبية، فسيمكنهم أيضًا فهم آثار هذه الظاهرة على الدماغ البشري وتداعياتها على مختلف الأمراض العصبية. ويؤكد أن هذه الدراسة بالغة الأهمية لأنها “ستساعدنا على حسم هذا الجدل نهائيًا والتركيز على مسألة كيفية مساهمة هذه الخلايا في وظائف الدماغ البشري”.


شارك